کم نحتاج لعلي في هذه الأيام وفي سابقاتها، وكل ما مر زمن نقر ونعترف بحاجتنا له، فهو كما عبر عنه الكاتب المسيحي جورج جرداق شخصية الشرق الخالدة ومن له حق الخلود سواه.
فهل عرفت عقلاً جباراً يقرر منذ بضعة عشر قرناً الحقيقة الاجتماعية الكبرى التي تضع حداً لأوهام لها ألف مصدر ومصدر، فيعلن أنه «ما جاع فقيرٌ إلاّ بما متّع به غني»، ثم يردف قائلاً لتـقييم هذه الحقيقة «ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع». أمـّا إلى أحد عماله فيـبعث بهذا القول في صدد الحديث عن الاحتكار، باب الغبن الاجتماعي ودعامته: "وذلك باب مضرة للعامة وعيب على الولاة فامنع من الاحتكار".
هل عرفت عظيماً دلـّه عقله الجبـّار منذ بضعة عشر قرناً على اكتشاف سر الانسانية الصحيح فاذا سرّها متصل اتصالاً عميقاً بالشعب الذي لم يكن حكـّام زمانه وملوكه يقيمون له وزناً أو يشعرون له بوجود إلا في نطـاق ما يكون لهم سلـّماً ومطيـّة.
فاذا كان رافائـيل اتخذ من إحدى فلاحات الريف الايطالي نموذجاً للعذراء أم المسيـح (ع) ليضع في هذا النموذج ما يحبه ويريده من معاني الكرم الانساني؛ واذا كان تولستوي وفولتير وغوتة عملوا في صنيعهم الفكري والاجتماعي ما هو من روح رافائيل في صنيعه هذا، فان ذاك العظيم سبقهم اليه بمئات السنين مع الفارق بين ظرفه الصعب وظروفهم المؤاتية؛ وبين مجتمعه الضيـّق ومجتمعاتهم الواسعة.
فاذا هو يحارب الملوك والأمراء والولاة والأثرياء، يحارب عبثهم وسخف تـفكيرهم في سبيل الشعب المظلوم المهان فيـقسم قائلاً: «وايم الله لأنصفنّ المظلوم من ظالمه ولأقودنّ الظالم بخزامته حتى أورده منهل الحق وإن كان كارهاً». ثم يطلق في آذان أمراء زمانه العابثـين هذه الصيحة المدوية التي يكمن وراءها من المعرفة بحقيقة أهل الارستقراطية التافهين المتعالين على تـفاهتهم وبحقيقة الشعب البائس الشقي ما لا مزيـد عليه، فيقول بايجاز كأنه صوت القـدر: "أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم"!.
وما يقصد من وراء هذا إلا الاشارة الصريحة إلى ما يخفي الحرمان والجور من مواهب أبناء الشعب في الخير. وإلى ما يستـتر في ثياب الاقطاعيـين والحكام والمحتكرين من شياطين الشر وأبالسة الأذى والمكر!.
فاذا به ينظم مجتمعا يسوده العدل وتعمه المساواة فلا يمتع غني على حساب فقير ولايجور فيه ظالم، فلا ظلم ولا مظلومين في مملكة علي.
وحين يرى رجلاً طاعناً في السن يستجدي، يتعجب العدل العلوي ان يكون هذا الشخص ضمن مملكته فيقول لهم ماهذا؟!
فيجيب اصحابه:- انه نصراني يا امير المؤمنين فيجيبهم:- استعملتموه حتى اذا كبر تركتموه، اجروا له راتباً من بيت المال.
فعلي لم يكن للاسلام ولا لشيعي وسني، علي انصف حتى المسيحي فالانسانية هي دينه والرحمة شعاره.
فماذا عليكِ يادنيا لو حشدتِ قواك فأعطيتِ في كل زمن عليا بعقله وقلبه ولسانه وذي فقاره؟!.
اضافةتعليق
التعليقات