كما أنا، لم أتغير. لقد حاولت كثيراً أن أخرج من هذا المأزق، ولكني لم أتغير. منذ سنين عديدة وأنا على هذا الحال، أشعر بكسرة روح بالغة للمرة الألف، وكأن الدنيا قد أظلمت في عيني مجدداً.
كم حاولت أن أتغير، كم حاولت أن أتخطى حساسيتي، لكن هيهات، سرعان ما تَكسرني كلمة أحدهم، فأختنق في قاع الخيبة والحزن.. هكذا أكملت مودة حديثها مطالبةً مُستشارتها النفسية أن تساعدها.
تأملت المستشارة حديث مودة بلطف وود، ثم بادرت بالسؤال:
– حبيبتي مودة، أيُّ كلامٍ يجعلكِ بهذا الحال من التحسّس والأذى؟
أجابت مودة:
– عندما ينصحونني، كثيراً ما أحزن وأتذمّر، وأشعر بالضعف والانكسار. لقد حاولت كثيراً أن أعالج الأمر، لكني في كل مرة أكون بهذا التحسس.
هزّت المستشارة النفسية رأسها، ثم أردفت قائلة:
– اسمعيني، حبيبتي:
دائماً الإنسان الذكي تكون ردة فعله جيدة تجاه النصيحة.
عندما يتفحص المرء النصيحة المقدّمة له، فإن كانت لمصلحته، فإن هذا سيساهم بشكل كبير وفعّال في نضجه وتطوّره نحو الأفضل.
صدقاً عزيزتي، مهما كانت النصيحة بسيطة أو سريعة أو مختصرة، وبغض النظر عن شخصية الناصح، فلا بد أن يكون لها قدر من المنفعة ولو بعد حين.
لأن الناصح لا ينصح من فراغ، لا بد أنه رأى الوضع من زاوية لم تريها بعد.
دعيني أذكر لكِ قول الإمام علي (عليه السلام):
«من أكبر التوفيق الأخذُ بالنصيحة.»
أما أمر التحسس، فعليكِ أن تفكّري كيف تغيرين هذا التحسس من أقل كلمة أو تصرّف أو ملاحظة صغيرة؛ لأنكِ قد تخسرين بسبب هذا التحسس إنساناً جيداً أو حالاً جيداً.
ينبع التحسس من الاستماع لصوت نفسكِ أكثر من أي صوت خارجي، وهكذا، كلما نصحكِ أحدهم، تتحسّسين أو تتضايقين أو حتى لا تتقبلين وجوده.
سأوصيكِ بشيء يا مودتي اللطيفة: لا بد لكِ من تعلُّم الاستثمار العقلي، فالعلاقات والصداقات هي استثمار نتغيّر به للأفضل. كلنا بداخلنا نوع من ردة الفعل تجاه النصيحة، ولكن علينا أن نستثمر ما نسمعه بما ينفعنا، وأن نستفيد منه.
تبسمت مودة بعد كلام المستشارة، وكأن شيئاً قد فتح آفاق عقلها وردّ لها روحها، فتشكّرت من مستشارتها، وعزمت أن تطوّر نفسها فتأخذ بالنصيحة بقلبٍ محب.
ثم عادت المستشارة لتقول:
– اعلمي عزيزتي، إن نصيحتي الأبدية لنفسي ولأي إنسان:
علينا أن نستمع للنصيحة، فلا نتكبّر عليها أو على قائلها.
كل نصيحة يجب التفكّر فيها، وتحليلها، وعدم صدّها. علينا أن نكون مرنين في التفكير بها، فلا ننساها، ولا ندير ظهرنا عنها.
من أكبر التوفيق الأخذ بالنصيحة.
هذا القول يجب أن يُحفَر في أذهاننا، لأن بالفعل قد يكون توفيقنا متخبّئاً في كلامٍ عابر قد يضيف لنا الكثير ويغيّرنا للأفضل.
الموفَّقون، إحدى علامات توفيقهم هو الأخذ بالنصيحة، فإذا كنا منهم، فلنشكر الله، وإن لم نكن، فلنسعَ أن نكون منهم.
اضافةتعليق
التعليقات