• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

أصنام خفية في معابد القلوب

جنان الهلالي / السبت 03 آيار 2025 / تربية / 336
شارك الموضوع :

ما أجمل أن يقف الإنسان كل يوم ليسأل نفسه: من أعبد في هذا العمل؟ الله، أم صنمًا خفيًا باسم آخر؟

ليس كل من نطق بالشهادتين قد تحرر قلبه من الأصنام؛ فثمّة صنم لا يُرى، لكنه يسكن الأعماق، يُعبد بصمت، ويُقدَّم له الولاء والطاعة دون وعي: صنم الهوى، وصنم الأنانية، وصنم المال، وصنم الجاه. هذه الأصنام لا تُنحت من حجر، ولا تُعلَّق على الجدران، بل تُربَّى في القلب، وتُخدَم كلما ضعفت البصيرة وتراجع الإخلاص.

يقول الله تعالى في كتابه الكريم:

"أفرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً" (الفرقان: 43)

هذه الآية تكشف جوهر المشكلة: أن الإنسان قد يظن أنه يعبد الله، لكنه في الحقيقة يتبع هواه. في كثير من الأحيان، يغفل الإنسان عن حقيقة ما يفعله، وهو يظن أنه يسير على طريق الطاعة، بينما هو في الواقع يعبد رغباته، ويُلَبّي أهواءه، ويجعل منها مرجعًا أعلى يحتكم إليه في اختياراته وسلوكياته؛ فهو لا يسأل نفسه: ماذا يريد الله؟ بل يسأل: هل يناسبني هذا؟ هل يوافق هواي؟ هل يحقق لي مكسبًا أو راحة أو لذّة؟ ثم يكسو قراره بعبارات شرعية وتبريرات ظاهرها الحكمة، وباطنها التهرب من حقيقة الطاعة لله.

هذا النوع من الشرك الخفي لا يظهر في صورة عبادة صنم أو طقس باطل، بل يتسلل إلى القلب حين يُقدِّم الإنسان ما يحبّ على ما أمر الله به؛ فيُطيع شهوته، ويتجاهل أوامر الله، وربما يتذرع بالتأويل والتسويف والتخفيف، وهو في الحقيقة يُعيد تشكيل الدين على مقاس هواه، لا على ما أراده الله؛ فتصبح الطاعة شكلية، والمقصد منها مدفوعًا بدوافع دنيوية أو نفسية، لا بإخلاص التوجّه إلى الله وطاعته كما يحب هو، لا كما نحب نحن.

ومن هنا جاءت خطورة هذا الشرك الخفي، الذي يحجب الإنسان عن رؤية نفسه بصدق، ويجعله يعيش في وهم الطاعة، وهو بعيد عنها في جوهرها.

فالعبادة ليست مجرد أداء للطقوس، بل هي خضوع حقيقي لله، وتحرّر من كل سلطان داخلي أو خارجي يحاول أن يُنافس مقام الربوبية في قلب الإنسان. فحين يُقدّم المرء طاعته المطلقة لماله، أو جاهه، أو نزواته، فإنه قد نصب لنفسه صنمًا جديدًا، وأقسى ما في هذا الصنم أنه خفيّ، لا يُرى، ولا يُكسَر بسهولة.

وهذا الصنم الخفي قد يسكن القلب سنين طويلة دون أن يشعر به صاحبه، لأنه لا يُعبد في معبد ظاهر، ولا يُقدَّم له القربان في طقس معيّن، بل يُعبد حين يُبرر الإنسان لنفسه سلوكًا يعلم في داخله أنه لا يرضي الله.

يُعبد حين يخشى ضياع منصب أو مال أكثر مما يخشى غضب الله. يُعبد حين يصمت عن الحق خوفًا على سمعته أو مكانته أو راحته النفسية. حين يختار ما يريحه على ما يُرضي ربّه، في اللحظة التي تتقدم فيها مصلحة النفس على أمر الله، يُولد هذا الصنم ويكبر مع كل تنازل يُغلّف بذرائع منطقية.

وكلما تغلغل في القلب، أصبح كسره مؤلمًا؛ لأن كسر الصنم يعني أن يواجه الإنسان نفسه بالحقيقة: أن يعترف بأنه قدّم شيئًا آخر على الله، وأن عليه أن يُغيّر طريقته في التفكير، ويُعيد ترتيب ولائه وانتمائه ليجعل الله أوّلًا في كل شيء.

وهذا لا يحدث دون جهاد داخلي عميق، وصدق مع النفس، وتوبة حقيقية تكشف للإنسان أن العبادة ليست مجرد ممارسة شكلية، بل هي معركة مستمرة بين هوى النفس وصوت الإيمان، بين دعوة الراحة الفورية ونداء الحق الذي لا يلين.

إن أخطر الأصنام هي تلك التي لا يراها الناس، والتي تجد في القلب معبدًا لها، وفي النفس مبررات لبقائها. يبرر الإنسان تعلقه بها تحت مسميات براقة: الطموح، الحرية، الكرامة، بينما هو في الحقيقة أسير لأهوائه، يعبد ذاته من حيث لا يشعر.

إن المؤمن الصادق في سعيه لرضا الله، لا يرضى أن تبقى نفسه ملوثة بما علق بها من ذنوب أو شوائب، بل يسعى جاهدًا لتطهيرها وتزكيتها. يدرك أن الطريق إلى الله لا يُسلك إلا بقلب نقي، وروح خاشعة، فيراجع أعماله، ويحاسب نفسه، ويتأمل في مواضع الزلل. لا يُبرر تقصيره، ولا يُغطي عثراته بحجج واهية، بل يعترف، يتألم، ويتوب.

هو يعلم أن الخطايا لا تُغسل بكلمات على اللسان فقط، بل بالدموع الصادقة، وبالعزم على التغيير، وبالعودة الجادّة إلى الله، بترك ما لا يُرضيه، والإقبال على ما يحبّه.

فكل ذنب يسكن النفس هو حجاب بين العبد وربّه، وكل معصية تُرتكب وتُهمَل، تترك أثرًا في القلب يطمس نور الإيمان شيئًا فشيئًا، حتى يغدو المرء غريبًا عن ربه وهو يظن أنه قريب.

ولذلك، لا يكفي الإيمان الظاهري، ولا الأقوال المنمّقة، بل لا بدّ من تطهير مستمر للنفس، من توبة تتجدّد، من يقظة دائمة، من شعور داخلي بأن رضا الله هو الغاية العظمى، وأن ما دونه زائل، مؤقّت، لا يستحق أن يُؤثر عليه.

فحياة المؤمن الحقيقي هي رحلة تزكية لا تنتهي، يقوده فيها الشوق إلى الله، والخوف من فوات لقائه. وتحرير القلب من هذه الأصنام يبدأ بالصدق مع النفس، وبمراجعة حقيقية للعلاقة مع الله، ومحاسبة دقيقة للنوايا والأفعال.

فالإخلاص لا يتحقق إلا حين يسقط كل ما سوى الله من عرش القلب، ولا يعلو فيه غير وجهه تعالى.

علينا أن نُعيد النظر في دوافعنا:

هل نُصلي لله، أم لمظهر اجتماعي؟

هل نطلب العلم لله، أم للسمعة؟

هل نساعد غيرنا لله، أم لنشعر بتفوق أخلاقي؟

كلما صدقنا في الإجابة، اقتربنا أكثر من التوحيد الحقيقي، وكلما تجاهلناها، تمادت الأصنام الخفية في الاستقرار داخلنا.

ما أجمل أن يقف الإنسان كل يوم ليسأل نفسه: من أعبد في هذا العمل؟ الله، أم صنمًا خفيًا باسم آخر؟ فلا شيء يستحق أن يُعبد، أو يُطاع طاعة مطلقة، إلا الله الواحد القهار.

الانسان
الدين
الشخصية
السلوك
الوعي
الايمان
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    أهمية متسلسلة "فوريير" في التكنولوجيا

    كيف أصبح "شات جي بي تي" مرجعاً لحياتنا؟

    7 نساء يشاركن نصائحهن للتعامل مع أعراض انقطاع الطمث

    السم الأبيض؟ أسباب تجعل السكر خطرا على صحتك

    صخب المبالغة: مأساةٌ وجودية!

    الاختيار السليم وعلاقته بالتوافق الزواجي

    آخر القراءات

    ظواهر.. الثقافة الحيوانية

    النشر : الثلاثاء 13 حزيران 2023
    اخر قراءة : منذ 4 ثواني

    المقارنة.. مرض يهدد الحياة الزوجية

    النشر : الثلاثاء 20 تموز 2021
    اخر قراءة : منذ 5 ثواني

    كيف تم ابتكار الإبر الطبية؟

    النشر : الثلاثاء 12 تشرين الاول 2021
    اخر قراءة : منذ 6 ثواني

    كل هذا النجاح انطلق من فأر!

    النشر : السبت 01 تشرين الاول 2022
    اخر قراءة : منذ 11 ثانية

    أوَ كان عليٌ يصلي!

    النشر : الخميس 13 نيسان 2023
    اخر قراءة : منذ 12 ثانية

    هل أبصرتم الفضيحة!

    النشر : السبت 01 تموز 2017
    اخر قراءة : منذ 28 ثانية

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    حوار مع حسين المعموري: "التعايش السلمي رسالة شبابية.. والخطابة سلاحنا لبناء مجتمع واع"

    • 817 مشاهدات

    شوكولاتة صُنعت في دول غربية!

    • 387 مشاهدات

    الهندسة الخفية لتعفين العقل

    • 329 مشاهدات

    أنفاس الرضا

    • 314 مشاهدات

    بماذا يؤمن أتباع "الكارما" وما علاقة الكون والأشرار فيه؟

    • 304 مشاهدات

    الإمام الرضا: حارس العقيدة ومجدد الوعي في وجه الانحراف الفكري

    • 296 مشاهدات

    مهرجان الزهور في كربلاء.. إرثٌ يُزهِر وفرحٌ يعانق السماء

    • 2302 مشاهدات

    يوم الكتاب العالمي: إشعال شموس المعرفة بين الأجيال وبناء جسور الحضارات

    • 1323 مشاهدات

    من كربلاء إلى النجوم... طفل السبع سنوات يخطف المركز الأول مناصفة في الحساب الذهني ببراءة عبقرية

    • 1300 مشاهدات

    جعفر الصادق: استشهاد نور العلم في وجه الظلام

    • 1175 مشاهدات

    إنتاج الرقائق.. بترول الحرب العالمية الثالثة

    • 831 مشاهدات

    الحسد في كلام الإمام الصادق

    • 820 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    أهمية متسلسلة "فوريير" في التكنولوجيا
    • منذ 6 ساعة
    كيف أصبح "شات جي بي تي" مرجعاً لحياتنا؟
    • منذ 6 ساعة
    7 نساء يشاركن نصائحهن للتعامل مع أعراض انقطاع الطمث
    • منذ 6 ساعة
    السم الأبيض؟ أسباب تجعل السكر خطرا على صحتك
    • منذ 6 ساعة

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة