• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

أصنام خفية في معابد القلوب

جنان الهلالي / السبت 03 آيار 2025 / تربية / 569
شارك الموضوع :

ما أجمل أن يقف الإنسان كل يوم ليسأل نفسه: من أعبد في هذا العمل؟ الله، أم صنمًا خفيًا باسم آخر؟

ليس كل من نطق بالشهادتين قد تحرر قلبه من الأصنام؛ فثمّة صنم لا يُرى، لكنه يسكن الأعماق، يُعبد بصمت، ويُقدَّم له الولاء والطاعة دون وعي: صنم الهوى، وصنم الأنانية، وصنم المال، وصنم الجاه. هذه الأصنام لا تُنحت من حجر، ولا تُعلَّق على الجدران، بل تُربَّى في القلب، وتُخدَم كلما ضعفت البصيرة وتراجع الإخلاص.

يقول الله تعالى في كتابه الكريم:

"أفرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً" (الفرقان: 43)

هذه الآية تكشف جوهر المشكلة: أن الإنسان قد يظن أنه يعبد الله، لكنه في الحقيقة يتبع هواه. في كثير من الأحيان، يغفل الإنسان عن حقيقة ما يفعله، وهو يظن أنه يسير على طريق الطاعة، بينما هو في الواقع يعبد رغباته، ويُلَبّي أهواءه، ويجعل منها مرجعًا أعلى يحتكم إليه في اختياراته وسلوكياته؛ فهو لا يسأل نفسه: ماذا يريد الله؟ بل يسأل: هل يناسبني هذا؟ هل يوافق هواي؟ هل يحقق لي مكسبًا أو راحة أو لذّة؟ ثم يكسو قراره بعبارات شرعية وتبريرات ظاهرها الحكمة، وباطنها التهرب من حقيقة الطاعة لله.

هذا النوع من الشرك الخفي لا يظهر في صورة عبادة صنم أو طقس باطل، بل يتسلل إلى القلب حين يُقدِّم الإنسان ما يحبّ على ما أمر الله به؛ فيُطيع شهوته، ويتجاهل أوامر الله، وربما يتذرع بالتأويل والتسويف والتخفيف، وهو في الحقيقة يُعيد تشكيل الدين على مقاس هواه، لا على ما أراده الله؛ فتصبح الطاعة شكلية، والمقصد منها مدفوعًا بدوافع دنيوية أو نفسية، لا بإخلاص التوجّه إلى الله وطاعته كما يحب هو، لا كما نحب نحن.

ومن هنا جاءت خطورة هذا الشرك الخفي، الذي يحجب الإنسان عن رؤية نفسه بصدق، ويجعله يعيش في وهم الطاعة، وهو بعيد عنها في جوهرها.

فالعبادة ليست مجرد أداء للطقوس، بل هي خضوع حقيقي لله، وتحرّر من كل سلطان داخلي أو خارجي يحاول أن يُنافس مقام الربوبية في قلب الإنسان. فحين يُقدّم المرء طاعته المطلقة لماله، أو جاهه، أو نزواته، فإنه قد نصب لنفسه صنمًا جديدًا، وأقسى ما في هذا الصنم أنه خفيّ، لا يُرى، ولا يُكسَر بسهولة.

وهذا الصنم الخفي قد يسكن القلب سنين طويلة دون أن يشعر به صاحبه، لأنه لا يُعبد في معبد ظاهر، ولا يُقدَّم له القربان في طقس معيّن، بل يُعبد حين يُبرر الإنسان لنفسه سلوكًا يعلم في داخله أنه لا يرضي الله.

يُعبد حين يخشى ضياع منصب أو مال أكثر مما يخشى غضب الله. يُعبد حين يصمت عن الحق خوفًا على سمعته أو مكانته أو راحته النفسية. حين يختار ما يريحه على ما يُرضي ربّه، في اللحظة التي تتقدم فيها مصلحة النفس على أمر الله، يُولد هذا الصنم ويكبر مع كل تنازل يُغلّف بذرائع منطقية.

وكلما تغلغل في القلب، أصبح كسره مؤلمًا؛ لأن كسر الصنم يعني أن يواجه الإنسان نفسه بالحقيقة: أن يعترف بأنه قدّم شيئًا آخر على الله، وأن عليه أن يُغيّر طريقته في التفكير، ويُعيد ترتيب ولائه وانتمائه ليجعل الله أوّلًا في كل شيء.

وهذا لا يحدث دون جهاد داخلي عميق، وصدق مع النفس، وتوبة حقيقية تكشف للإنسان أن العبادة ليست مجرد ممارسة شكلية، بل هي معركة مستمرة بين هوى النفس وصوت الإيمان، بين دعوة الراحة الفورية ونداء الحق الذي لا يلين.

إن أخطر الأصنام هي تلك التي لا يراها الناس، والتي تجد في القلب معبدًا لها، وفي النفس مبررات لبقائها. يبرر الإنسان تعلقه بها تحت مسميات براقة: الطموح، الحرية، الكرامة، بينما هو في الحقيقة أسير لأهوائه، يعبد ذاته من حيث لا يشعر.

إن المؤمن الصادق في سعيه لرضا الله، لا يرضى أن تبقى نفسه ملوثة بما علق بها من ذنوب أو شوائب، بل يسعى جاهدًا لتطهيرها وتزكيتها. يدرك أن الطريق إلى الله لا يُسلك إلا بقلب نقي، وروح خاشعة، فيراجع أعماله، ويحاسب نفسه، ويتأمل في مواضع الزلل. لا يُبرر تقصيره، ولا يُغطي عثراته بحجج واهية، بل يعترف، يتألم، ويتوب.

هو يعلم أن الخطايا لا تُغسل بكلمات على اللسان فقط، بل بالدموع الصادقة، وبالعزم على التغيير، وبالعودة الجادّة إلى الله، بترك ما لا يُرضيه، والإقبال على ما يحبّه.

فكل ذنب يسكن النفس هو حجاب بين العبد وربّه، وكل معصية تُرتكب وتُهمَل، تترك أثرًا في القلب يطمس نور الإيمان شيئًا فشيئًا، حتى يغدو المرء غريبًا عن ربه وهو يظن أنه قريب.

ولذلك، لا يكفي الإيمان الظاهري، ولا الأقوال المنمّقة، بل لا بدّ من تطهير مستمر للنفس، من توبة تتجدّد، من يقظة دائمة، من شعور داخلي بأن رضا الله هو الغاية العظمى، وأن ما دونه زائل، مؤقّت، لا يستحق أن يُؤثر عليه.

فحياة المؤمن الحقيقي هي رحلة تزكية لا تنتهي، يقوده فيها الشوق إلى الله، والخوف من فوات لقائه. وتحرير القلب من هذه الأصنام يبدأ بالصدق مع النفس، وبمراجعة حقيقية للعلاقة مع الله، ومحاسبة دقيقة للنوايا والأفعال.

فالإخلاص لا يتحقق إلا حين يسقط كل ما سوى الله من عرش القلب، ولا يعلو فيه غير وجهه تعالى.

علينا أن نُعيد النظر في دوافعنا:

هل نُصلي لله، أم لمظهر اجتماعي؟

هل نطلب العلم لله، أم للسمعة؟

هل نساعد غيرنا لله، أم لنشعر بتفوق أخلاقي؟

كلما صدقنا في الإجابة، اقتربنا أكثر من التوحيد الحقيقي، وكلما تجاهلناها، تمادت الأصنام الخفية في الاستقرار داخلنا.

ما أجمل أن يقف الإنسان كل يوم ليسأل نفسه: من أعبد في هذا العمل؟ الله، أم صنمًا خفيًا باسم آخر؟ فلا شيء يستحق أن يُعبد، أو يُطاع طاعة مطلقة، إلا الله الواحد القهار.

الانسان
الدين
الشخصية
السلوك
الوعي
الايمان
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    إشراقة السيدة الزهراء .. معجزة الشمس الخالدة

    تجاوز سطح الخلاف: كيف يختبئ الاتفاق خلف سوء الفهم؟

    الحشمة المهدورة خلف ستار القرابة

    مع تغيّر الفصول… الصحة النفسية في الخريف تحت المجهر

    ‏ ما بعد الرومانسية: اختيار يصنع العمر

    دخلاء العلاج الطبيعي.. بين وهم المعرفة وخطورة الممارسة العشوائية

    آخر القراءات

    البشرة.. درع الحماية الأكبر في جسدك

    النشر : الثلاثاء 14 آيار 2024
    اخر قراءة : منذ 11 دقيقة

    آثام حمراء

    النشر : الثلاثاء 15 ايلول 2020
    اخر قراءة : منذ 11 دقيقة

    تعاني من شعور سلبي دائم؟ طرق فعَّالة للتخلص من الإحساس بالضيق

    النشر : الأثنين 27 شباط 2017
    اخر قراءة : منذ 11 دقيقة

    القضية الحسينية: مدرسة الأجيال الناجحة

    النشر : الأحد 07 تشرين الاول 2018
    اخر قراءة : منذ 11 دقيقة

    الإساءة إلى جسدك.. أسبابها وآثارها

    النشر : الأثنين 31 تموز 2023
    اخر قراءة : منذ 11 دقيقة

    مبتكر مغربي يطور سلة تسوق متحركة صديقة للبيئة

    النشر : الثلاثاء 19 شباط 2019
    اخر قراءة : منذ 11 دقيقة

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    من درر شيخ الأئمة: "أن تنجو بنفسك… هو أرقى رد"

    • 553 مشاهدات

    تجاوز سطح الخلاف: كيف يختبئ الاتفاق خلف سوء الفهم؟

    • 481 مشاهدات

    الحشمة المهدورة خلف ستار القرابة

    • 420 مشاهدات

    محاولة الانتقال إلى الأفضل..

    • 377 مشاهدات

    المرايا المشوّهة: كيف نصنع انعكاساً أوضح لأنفسنا؟

    • 352 مشاهدات

    علماء يكتشفون سببا مفاجئا لتناول الناس كميات أكبر من السكر

    • 318 مشاهدات

    بحر الزائرين: ذكرى استشهاد الإمام العسكري تعيد رسم خريطة الولاء في سامراء

    • 1201 مشاهدات

    الشورى: وعي ومسؤولية لبناء مجتمع متكامل.. ورشة لجمعية المودة والازدهار

    • 1167 مشاهدات

    الإمام الحسن العسكري: التمهيد الهادئ لعصر الغيبة

    • 1105 مشاهدات

    العباءة الزينبية: رمز الهوية والعفاف في كربلاء

    • 1087 مشاهدات

    اللغة الإنجليزية عقدة الجيل: لماذا نفشل في تعلمها رغم كثرة الفرص؟

    • 1069 مشاهدات

    مشاعرُ خادم

    • 677 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    إشراقة السيدة الزهراء .. معجزة الشمس الخالدة
    • منذ 22 ساعة
    تجاوز سطح الخلاف: كيف يختبئ الاتفاق خلف سوء الفهم؟
    • منذ 22 ساعة
    الحشمة المهدورة خلف ستار القرابة
    • منذ 22 ساعة
    مع تغيّر الفصول… الصحة النفسية في الخريف تحت المجهر
    • منذ 22 ساعة

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة