تُعد الأُمهات من الأوائل في الاستعداد لإستقبال شهر رمضان المُبارك على مر السنين، وكالعادة تنشغل أُم البيت بتجهيز مائدة الإفطار والسحور كل يوم باذلة قصارى جهدها ومانحة عصارة خبرتها لتقديم ما لذ و طاب من الطعام والشراب لمدة ثلاثين يومًا على التوالي دون كلل أو ملل .
وما يُثير الدهشة أن في السنوات الأخيرة بدأت الغالبية منهن بتحضير أكثر الوصفات تداولًا وحفظها في "الفريزر" قبل حلول الشهر الكريم بإسبوع أو اكثر قليلًا، وبذلك تكون مستعدة في أي وقت لتقديم هذه الوجبة المميزة بسرعة وسهولة، وتعلوا الأصوات بين رافض لهذا الإجراء كونه قد يضر بجودة الطعام ويسلبه الفائدة و لذة الطعم الطازج، ومؤيد يرى في الأمر حُسن التدبير واختصارًا للوقت والجهد خصوصًا لمن لا يملكن الوقت الكافي لإدارة المنزل .
وأيضًا هناك ما يسمى "بالرُكن الرمضاني" حيث تُخصص مساحة صغيرة في غرفة المعيشة توضع فيها بعض الزينة الرمضانية ونسخة أو أكثر من القرآن الكريم بُغية ختمه، وصحن تقديم يحتوي على التمر أو بعض الحلوى، وهذا الرُكن يُعد التفاتة جميلة توحي بأن هناك ضيف أثير قد حل علينا وسيُحلي أيامنا طوال مكوثه، وكذلك نجد الغالبية من الآباء والأبناء ممن لديهم طقوسهم الخاصة يستعدون للخروج بعد الصلاة والإفطار بوقت قليل للقاء الأصحاب وقضاء أجمل الأوقات برفقتهم .
فإن أجواء شهر رمضان تحديدًا تختلف عن باقي شهور السنة إذ تعم البهجة وتنشرح الصدور وتسكن الأنفس، وهذا ما اعتاد عليه الجميع خلال أيامه المباركة، بيد ما نُلاحظه أن لا اضافة على هذه الاستعدادات ولا تغيير يُذكر قد يُسجل فارقا ما إلا عند البعض القليل، وهذا ما يجعلنا نستعلم الجديد .
لماذا فرض الله علينا صيام شهر رمضان؟
قال تعالى في سورة البقرة آية ١٨٣ : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ". إن الصيام ركن من أركان الإسلام وأَحب الأعمال إلى الله جل جلاله، وهو من العبادات العظيمة التي تعود بالنفع على المسلم في الدنيا والآخرة، ومن أهم ما يظفر به الصائم هو تهذيب النفس واعانتها على الصبر، وذلك ما يجعلنا نشعر بمعاناة الآخرين من الفقراء والمحتاجين كما لو تبادلنا الأدوار، وما يتوجب علينا فعله تجاههم.
وأيضًا ترك المحرمات والشهوات، ما ينمي لدينا الإحساس في التقرب إلى الله أكثر بالصيام والعبادة وبكل عمل صالح نقوم به حيث تغزو قلوبنا الكامدة سعادة منشودة وتغمر أرواحنا الأسيرة غبطة التحرر وكأنما نمت لنا أجنحة نطير بها ونرتقي كلما زاد العطاء وغُفرت الذنوب.
هذا ما يفعله شهر رمضان من تغيير واضح في حياتنا كلما عاد، يجمع العائلة المشتتة في البيت الواحد على مائدة واحدة يتشاركون عليها الطعام ويتبادلون حسن الحديث والإطراء والدعاء لبعضهم البعض وهذا بديهي وروتين سنوي مكرر، إنما يجب العمل على أكثر من ذلك واغتنام هذه الأيام المباركة التي ربما لن نعيشها في العام القادم لذلك نقول "وعساكم من عواده"...
فإن العائلة لابد لها من الالتزام ببعض الأمور منها صلة الرحم ودعوة الأقرباء والأحبة والجيران قدر المستطاع على أمسية من الأمسيات لملاقاتهم والسؤال عن أحوالهم وتبادل طلب المسامحة والصفح وتعليم الصغار هذه الأمور المهمة، فمن كان معنا بالأمس رحل عنا اليوم تاركًا مكانه خاليًا ونحن اللاحقون .
كما من جميل الأعمال ذكر الأموات والتصدق عنهم والدعاء لهم بالرحمة والمغفرة ولا نغفل أبدًا عن التصدق دون "مولانا الامام المنتظر" (عجل الله فرجه) والدعاء له بالفرج، وإن خير ما يفعله الصائم هو تكفل حال يتيم أو عائلة تحوي أيتام، من افطار وامدادات مادية ومعنوية عند المقدرة وبذلك يدخل البهجة والسرور على قلوب عطشى فقدت الأمان والحنان والعطف، عند شراء كسوة العيد وتقديمها لهم بكل حُب ولطف وامتنان .
قد ذكر الله تعالى الحكمة من مشروعية الصيام وفرضِه علينا في قوله "لعلكم تتقون" فإن الصيام وسيلة لتحقيق التقوى ومن أعظم الأسباب التي تعين العبد على القيام بأوامر الدين، من شكر النعم والزهد في الدنيا والترغيب فيما عند الله سبحانه والاكثار من الطاعات وترك هوى النفس، وبذلك تتغير حياة المؤمن وتزدهر بكل جميل.
فماذا لو بقيّة الأمهات تحتفظ بهذا النشاط والاستعداد المُميز في سائر الشهور ليوم واحد على الأقل من كل شهر تُذكرنا فيه "بجَمعة رمضان "، ولو تحول الرُكن الرمضاني إلى رُكن دائم يبعث على حُب العبادة والمداومة على إقامة الصلاة في أوقاتها وقراءة القرآن الكريم، ولو بقينا نقدم المساعدة ما دمنا نستطيع طوال العمر، و لو ثابرنا على الالتزام بالعبادات والطاعات ماذا سيحدث؟ بكل راحة ويُسر سنحافظ على التغيير المثمر الذي يهبنا إياه رب العباد كل عام في شهره الكريم .
اضافةتعليق
التعليقات