في زمن اختلطت فيه الموازين، وأصبح هناك تشويه لبعض المبادئ وتحويلها من أبجديات في حياة الملتزمة على خط نساء أهل البيت (عليهم السلام) إلى أمور يمكن التنازل عنها أو حتى التقليل من قيمتها وتهميشها واعتبارها تقييد وانغلاق عن العالم لنشر الالتزام الديني، بينما الحق حق، والنور نور، فهل رأيتم يوماً ما نور يحتاج أن تسلط عليه الأضواء كي يُرى؟!
هكذا ببساطة في خصوص التعامل مع العفة والحجاب والستر في العالم الرقمي، فالعباءة نور يحفظ صاحبته ومن حوله من أن تنالها شيء من الظلمات، والمرأة بشكل خاص هو كائن خلق ليكون نوراني باث للنور ووعاء لصناعة ذوات نقية ذات أنوار الهية، لكن بالشكل الذي وضعه تعالى وأراده، لا ما تمليه علينا الحداثة، وتطور وسائل التأثير.
فلو تأملنا قليلاً بهذا التساؤل: إن أهل الظلام طالما صنعوا هذه الوسائل لنشر ظلماتهم، لماذا يسمحوا لأهل النور باستخدامها؟ ببساطة لأنهم جعلوها فخاً لا ينجو منه إلا من رحمه الله تعالى ووعى واعتصم بحبل الله تعالى، فنحن نرى كم من مؤمنة دخلت بنية نشر النور -مشكورة- لكنها وقعت بفخ الافتتان وبدأت تتنازل شيئاً فشيئاً عن أنوارها، اظهار طرف العباءة وشيء من اليد ثم وجهها بالنقاب/ الكمامة مغوشاً، ثم تكتفي بيدها ساتراً لجزء من وجهها، ثم تظهر بكلها وتلقي بالعباءة، ثم الحجاب، أو تبقى بحجاب ناقص من كل معانيه وهكذا تصبح جزء من منظومة أهل الظلمات.
لهذا كل من يدخل في هذا العالم لينشر النور عليه أن يراجع أبجديات تدينه في كل يوم، ولا يدخلها إلا بعد أن يؤسس لنفسه قاعدة إيمانية راسخة وخطوط حمراء يضعها أمامه دائماً يعتبر تجاوزها هي خطوة من خطوات الشيطان، فيتمسك بها متى ما وجد إنه قد بدء يقترب من ذلك الفخ الإبليسي، أن يجد صحبة صادقة صالحة لها ذات المستوى أو أعلى من الالتزام، يكونون له عين وعوناً قبل الوقوع فيما لا يحمد عقباه.
فمسألة الثبات ليست فقط مسألة دعاء بلسان ولا اطمئنان بعمل هنا أو خدمة هناك، بل هي أكبر وأخطر في الواقع، إنها أشبه بمقاتل يحارب ولكن الحصون التي بناها لحفظه مشيدة في أرض الأعداء، مثل هذا كيف له أن يأمن على نفسه في هكذا مكان؟!
وأهل البيت (عليهم السلام) هم عروة الله الوثقى التي من تمسك بها نجا، ولهذا لا يمكن أن يشعر الواحد منا أنه لا يستطيع الثبات أو معرفة ما عليه وما له؛ طالما إنه يأخذ منهم رشده وهداه، ويعمل بما صدر عنهم.
نشر المؤمنة ذات العباءة لصورها بين القبول والرفض
إن من الأمور التي كثير ما تقع بها الأخوات المؤمنات اللواتي يسعين للخدمة والعمل للإسلام بحيرة هل نشرها لصورها ومقاطع الفيديو التي تظهر به للتشجيع على العباءة والحجاب الكامل فيه اشكال أم إنه أمر ممدوح ومرضي عند صاحب الزمان (عجل الله فرجه)؟
نجد جواباً وشافياً ووافياً من خطبة سيدتنا وعمة إمام زماننا (عليهما السلام) في هذه الفقرات [أمن العدل يا بن الطلقاء؟! تخديرك حرائرك وإمائك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن،...، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والغائب والشهيد، والشريف والوضيع، والدني والرفيع].
دروس عملية من العالمة الغير معلمة لنا في التعامل مع هذه الأمر
أولاً: السيدة (عليها السلام) هنا أبدت موقفها تجاه ما فعله طاغية زمانها بمخدرات العترة، فمع إنهن تعرضن لهذا الموقف من إبداء الوجوه وتصفحها من قبل الغرباء -عن إضطرار -أثناء مسيرة السبي في الأسواق والدخول في قصور الظلمة، أي إن هذا التصفح كان وقتي أو لحظي، إلا أن السيدة استنكرت هذا الفعل وأبدت عدم قبولها ورضاها عن حصوله.
أما ما يحصل اليوم هو أن تصفح وجوه النساء المؤمنات المبديات لوجوههن هو بمحض إرادتهن، فهن من يقمن بنشر الصور والفيديوهات، وهي أبقى زمننا فلن يتصفح وجوههن من سيرى وقت النشر بل هي موجودة إلى ما شاء الله ويمكن أن تحفظ وتنشر في أماكن أخرى، فهذا الإبداء منهن غير الواعي يجعلهن عرضة لما استنكرته السيدة من فعل صدر من عدو لأهل البيت.
إذن فلتحذر كل واحد لها ارتباط بالسيدة زينب (عليها السلام) من نفسها فقد تكون هي العدو الذي يدعوها لفعل ذلك، فتكون عرضة ليتصفح وجهها القريب والغريب، والداني والشريف! فالأولوية هي لحفظ النفس مهما بلغت قيمة وشرافة تلك الغاية التي من أجلها تفعل ذلك.
ثانياً: أن السيدة (عليها السلام) كانت مدركة لحجم المسؤولية التي كانت عليها في حفظ خدر وعفاف وستر أمانات الإمام الحسين (عليه السلام) عندها فهي (عليها السلام) لم تغفل عن ذكر هذا الفعل وأبدت عدم رضاها التام عن حصوله، فهي لم تستنكر ذلك لنفسها فقط كونها فخر وسيدة الخدر العلوي بل لجميع من معها من النسوة.
وهكذا الزينبية الواعية هي ترى أن عفاف وستر وحجاب أخياتها وبناتها هي أمانة عندها ومسؤولة عن حفظه متى ما كانت لها أدوار في ذلك، فهي كما لا تبدي وجهها ليتصفحه القريب والبعيد والشريف والوضيع، هي تحفظ ذلك لأخياتها، أحياناً البعض يتسامحون بنشر وإظهار الأخريات في فعالية ما أو اجتماع ديني، ولكن صاحبة الأمر لا تسمح بأن يظهر حتى خيالها، فهذا وجه من وجوه خيانة الأمانة.
ثالثاً: للسيدة لفتة مهمة جداً في قولها [أمن العدل يا بن الطلقاء؟! تخديرك حرائرك وإمائك] فهذا الظالم فعل بنساء العفة والحياء ما لا يرضاه لخواص النساء من أهله بل وحتى إمائه! فكيف بالمؤمن فهو أولى بأن لا يرضى لأهله فعل ذلك، هذا من جانب.
ومن جانب آخر السيدة تلفت انتباهنا إلى ما يجب أن تعيه كل مؤمنة تجد مدحاً أو تشجيعاً أو دعماً أو قبولاً من هذا وذاك لنشرها لصورها أو أي ما يوحي لشخصها وخصوصياتها، لتنظر بعين البصيرة ولتكتشف كم هي مغرر بها! ولتسأل ولتبحث ولترى لمن يفعل ذلك معها: هل يقبل ذلك لأهله، لزوجته، لأخته، لأبنته؟ الجواب: كلا! فهو بالنتيجة لم يكن منصفاً ولا عادلاً معها بذلك، فعليها أن لا تحسن الظن بأي شخص يرضى لها ما لا يرضاه لأهله.
رابعاً: أن السيدة (عليها السلام) تعلمنا بهذا النص بالنسبة لها أن لا فرق بين امرأة كبيرة أو فتاة صغيرة في هذا الأمر، فهي ذمت فعل يزيد بشكل مطلق، وهكذا تتعامل المؤمنة الواعية مع مسألة إبداء وجوه الفتيات الصغار سواء من بناتها أو بنات أخياتها، فهي لا تكتفي بأن تلبسها العباءة بل لابد من غرس الوعي بقيمتها، فالأمر أصبح يُتساهل به ويتم نشر الصور والتبرير عن ذلك بأنهن صغار-وإن كان بحسن نية لأجل نشر العفاف- لكن المؤمنة هي صاحبة بصيرة ونظرة واعية وبعيدة فلا تفعل ما يبدو حسناً الآن.
الوعي بعواقب نشر صور الفتيات المحجبات والمرتديات للعباءة
أولاً: عندما ترى إن عفاف هذه الطفلة هي أمانة امام زمانها كما أن عفافها وحجابها أمانته عندها فهي لن تخون الأمانة ولن تجعلها عرضة ليتصفح وجوهها الغرباء، فهي جزء منها.
ثانياً: هي صاحبة نظرة بعيدة نعم الآن خصوصية هذه الطفلة هي بيدها وهي مسؤولة عنها ولكنها بالنتيجة ستكبر يوماً ما وقد تكون ردة فعلها واحدة من اثنين: إما أنها لن تكون راضية عن فعل أمها بنشر خصوصيتها فهل لديها إجابة ترضيها لذلك اليوم؟ وإما ستعتاد على الظهور وتعتبر إن هذا هو الطبيعي مع العباءة والحجاب، فعندما يتم رفض تواجد صورها على مواقع التواصل في الكبر ستجد أن ذلك تناقض في سلوك أمها، فهي.. هي لم تتغير هي البنت وهي المتجلببة في عبائتها صغيرة كانت وكبيرة!!
بالنتيجة المؤمنة والأم الواعية تجد أن من مظاهر حفظ العفاف والحياء في هذا الزمان هو عدم نشر صورها الخاصة ومن هي مسؤولة عنها أو شيء مرتبط بخصوصيّتها كبنت، فهذا هو الأقرب لنهج عمة إمام زماننا، وبذرة أصلح في قلبها لتنمو وهي محصنة قوية لا تتزعزع أمام الدنيا ومغرياتها، ولتثمر قوة في الحياء والحرص على إنها ثمينة وغالية لا يطلع على خصوصياتها أياً كان، لا إنها ترى قيمة عفافها وحجابها بصورة هنا ومدح هناك واعجابات في عالم هو افتراضي بالأصل.
ونختم بهذا السؤال الفيصل: لو كانت هذه هي الطريقة الأمثل أو الأصح لنشر الوعي والتثقيف على العفاف ونشر النور فنساء العلماء وأهل الفضل أولى بالقيام بذلك، فلم لا نرى لهن ظلاً ولا نسمع لهن صوتًا، مع أن أغلبهن عالمات مجدات عاملات ومربيات وأستاذات وطالبات علم؟! فإن كنتِ ترين صعوبة في أن تكون نساء العترة هُن المقياس في هذا الأمر فليكن سلوك أمثال هؤلاء النسوة الفضليات لكِ هو المقياس.. فهو أثبت لنور عفافك وأشد أثراً وأبقى.
اضافةتعليق
التعليقات