صراخ مستمر، وضربات متكررة، نوبات غضب يومية، يدمر ألعابه، يكسر الأشياء، معاناة طفل لم يتجاوز الثامنة من عمره، مضطرب السلوك عدواني مع الآخرين مزعج في التعامل، مفرط الحركة.
وكثيرا ما تسأل الأم: هل العدوان نزعة طبيعة في طفلي أم اكتسبه من المجتمع؟
الحقيقة أن الطبيعة قد أعطت كل إنسان القدرة على أن يسلك سلوكاً عدوانياً تحت وطأة الشعور بالخطر على مختلف صوره، أو رداً على عداء الآخرين له، فأكثر الأمهات رقة وعذوبة لا تتردد فى الهجوم على كلب يهدد طفلها، كما أن الرجال الذين تمتلأ قلوبهم بالشفقة والرحمة، يمكن أن يتدربوا على القتل بين صفوف الجيش في أثناء الحرب.
إن الأطفال يولدون وعندهم نسبة متفاوتة من الحافز أو النزعة إلى العدوان، وإن كان من الممكن أن تتغير هذه النزعة كثيراً من أثر الخبرات التي يمر بها الأطفال في مراحل النمو التالية: فالأمهات يعلقن أحياناً على النشاط المفرط الذي يتميز به أحد أطفالهن وهو بعد جنين في الرحم، ثم يستمر عليه في أثناء مرحلة الطفولة. وغنى عن الذكر أن أحد الأطفال الصغار يبدو عليه الرضا والوداعة منذ الشهور الأولى، على حين أن طفلاً آخر يظهر طبيعته النشطة ونفاد صبره منذ بلوغه شهراً واحداً من عمره، فهو يجاهد بكل قواه كي يرفع رأسه الثقيل فوق رقبته الصغيرة الضعيفة، كلما استيقظ من نومه في طلب الطعام، وبعد شهرين يجاهد كي يشد جسمه للجلوس بمجرد أن نمسك بيديه .
يتعلم الطفل من صغره أن يغضب في مواقف دون أخرى، وهذه المواقف تتغير بتقدم العمر وزيادة الخبرات ونمو الإدراك، وإلى غير ذلك من العوامل التي تزيد من مفاهيمه للعالم الخارجي، وتصحب حالات الغضب عادة تغيرات فسيولوجية مثل: زيادة النبض، أو ارتفاع الضغط، والتوتر، وهذه كلها أشياء ليست مكتسبة، وللحالة الانفعالية الغضبية فائدتها في استعداد الشخص للمفاجآت والدفاع عن النفس، أما مظاهر التعبير عن الغضب فيكتسبها الطفل أثناء تفاعله مع البيئة، ولذا فهي تختلف باختلاف عمره، والثقافة التي يعيش فيها، ونوع التربية التي يلقاها، وكذلك موقف الكبار منه .
وتقسم مظاهر التعبير عن الغضب في مرحلة الطفولة المبكرة إلى ثلاثة أقسام:
1_ تفريغ الشحنة الانفعالية للغضب بطريقة عشوائية، ويتمثل ذلك في صراخ الطفل ورمي نفسه على الأرض ... إلخ. ويحدث ذلك عادة في السنة الأولى .
2_ المقاومة الحركية أو اللغوية، وتتمثل في رفض الطفل تلبية ما يطلب منه بالكلام أو بالحركة .
3_الانتقام، ويتمثل ذلك في السباب أو العض أو الضرب ... إلخ . كذلك، فإن عدد مرات الغضب تقل بتقدم العمر، ويفسر ذلك بأن التقدم في العمر يجعل الطفل أكثر فهماً للمواقف الاجتماعية، كما أنه يحاول أن يعبر عن أشياء أخرى غير الغضب، كذلك فإن البنات أقل من البنين في النوبة الغضبية .
ويلاحظ أن هناك بعض العوامل التي تساعد على سرعة استثارة الطفل مثل الوقت الذي تحدث فيه الاستثارة، فقد لوحظ أن الطفل يغضب بسرعة إذا كان في حالة جوع أو تعب، ولذا فهو سريع الغضب في آخر النهار . وتتدخل حالة الطفل الصحية في سرعة تأثره، فالطفل المريض أسرع في غضبه من السليم، كما أن وجود أفراد كثيرين بالمنزل - وبخاصة إذا كانوا غرباء - يزيد من سرعة استثارته، ويفسر ذلك بأن الطفل يشعر بالتوتر وعدم الاستقرار بين الغرباء في مجموعة كبيرة، وعلى العموم فيمكن اعتبار أي موقف يعوق إشباع الطفل لرغباته يثير غضبه.
وبتقدم العمر يختلف التعبير عن الغضب، فيتميز في الطفولة المتأخرة أنه غير عام أو عشوائي كالمرحلة السابقة، بل موجه نحو شيء أو شخص معين وتصبح المشاكل المتصلة بالعلاقات الاجتماعية من أكثر الأسباب المثيرة للغضب، مثل المضايقة في اللعب والظلم وتحكم الكبار إلى غير ذلك.
اضافةتعليق
التعليقات