مهنة المعلم من المهن التي إما أن تحبها حباً جماً أو تكرهها كرهاً جماً، بصفتك ممارس لها أو مستفيد منها، وبينما لا نقول عن مهنة كالطب سيئة لأن طبيباً واحداً كان سيئاً نحن قد نكره المعلمين والتعليم بسبب معلم واحد سيئ تعميماً يؤذي الفرد نفسه قبل أي أحد آخر.
ولكنني في هذه المساحة سأحدثك عن التعليم بعيداً عن الشعارات وبعيداً عن التجارب السيئة لنغوص عميقاً في قلب المعلم الإنسان المخلص المُحب لعمله، والساعي لصنع عالم أفضل من أولاد قد لا يتحملهم آبائهم، نتحدث هنا عن من يقوم بمهنة نقل العلوم والمعارف والخبرات، أنقل إليك تجربة إنسانية تحلى أصحابها بتواضع العلماء وصدق الصالحين وأخبروني بما لم يخبروك به.
- أنه يتعلق بالطلاب:
لا يمثل له الطلاب مجرد أرقام، أو واجب مهني عليه القيام به، بل هم قطعة من قلبه، يحبهم، ويهتم لأمرهم، ويحرص على مستقبلهم، لذا يمكن القول بأن المعلم كتلة من الحب والاهتمام والحرص تمشي على الأرض، وأن التعليم من المهن التي تجعل للمرء بدل القلب أربعين قلباً كلها مشغولة بالطلاب.
- هناك طالب مميز في قلبه:
هناك طالب من بين الطلاب يتميز بموهبة ما، أو بحاجة إلى رعاية خاصة، أو له شخصية فريدة ومحبوبة قريبة من القلب، أو شخصية يكن لها كل الاحترام ولو كان فارق العمر أقل لأصبحوا أصدقاء، هؤلاء الطلاب أقرب من غيرهم، ولكن هذا التفضيل ليس تمييزاً لأحدٍ دون آخر من الناحية العلمية، فهما أمرين منفصلين تماماً لا تداخل بينهما نهائياً.
- أنه يبذل جهداً في إعداد دروسه:
مهما كان معلماً مخضرماً فهو يعد دروسه وامتحاناته باجتهاد كما لو كانت محاضرته الأولى، لأن الطالب يستطيع تشخيص ضعف الإعداد مباشرةً، ويبدأ بالتضجر والملل، ولا تترسخ المواضيع في ذهنه ووجدانه.
- أن التعليم يستنفد قواه:
إن الوقوف للتحدث لساعات طوال في اليوم في محاولة لجعل أحدهم ينتبه ويركز ويفهم يجعل صدى صوت الإنسان يتردد في رأسه، وفكه يتدلى، ولا يعود يشعر بظهره أو ساقه.
لا يستطيع الإنسان أن يتحدث مطلقاً بعد عودته إلى المنزل لساعة أو اثنين، فقد طور أساليب للحديث عبر الإشارات.
وقد تسبب هذه المهنة زيارته المتكررة لأطباء المفاصل والحنجرة والعيون.
- أنه بحاجة إلى الاستراحة:
فترة الاستراحة بين أوقات الدرس ليست من حق الطالب فحسب، بل من حق المعلم أيضاً، المعلم ليس آلياً، بحاجة إلى وقته الخاص ليعود للدرس القادم بنفس الطاقة والقدرة على إيصال الأفكار.
- أنه يتمنى لو كان الدرس المسجل فكرة معمول بها:
أن المعلم الذي يعيد نفس المادة في أكثر من صف وعلى أكثر من دفعة لكم يتمنى أن يسجلها ليعرضها في بقية الصفوف والسنوات دون أن يتعين عليه تكرار نفس الكلام مرة أخرى ويتوقف عند نفس النقاط ويكرر شرحها.
- أنه يمشي على نصل السيف:
يعلم من تجربته كطالب سابق أن كلام المعلم مؤثر في الطلاب لذا هو يحاول بقدر ما يستطيع مجاهدة نفسه لقول وفعل الصائب من الأمور، ولكنه أحياناً ينسى أهمية عمله، لا يقدر عطاءه، يشعر بالإحباط وينهكه العمل عندما لا يرى نتائج آنية مهما حاول واجتهد، وربما تعصف به رياح الحزن والمتاعب، فلا يعود قادراً على مساعدة نفسه والطلاب، لذا يقع في صراع بين ما عليه فعله، وما يقوم بفعله.
- أنه يفخر بطلابه المتميزين:
تعتقد أنك حين تتميز في حياتك فأنه سيعود الأثر عليك فقط؟ إن تميز طلاب أي معلم هو سعادة عظيمة له، وهو يذكرهم في أحاديثه لأصدقائه وللدفعات الجديدة، ويفخر بأنهم وصلوا إلى النجوم، هو الوحيد - بعد الأبوين - الذي سيسره أن تكون أفضل منه كل ذلك السرور.
- أنه يتعلم من طلابه:
لا يستحي المعلم أن يتعلم من طلابه، فهو قد يستزيد منهم معرفة لاتصالهم بما يستحدث من تقنيات وأفكار، كما أن ملاحظات الطلاب العفوية وتصرفاتهم تلفته إلى أخطائه لتهذيبها، فلا يجد صعوبة في الاعتراف بخطأه وتحسين نفسه والمضي قدماً إلى مزيد من فهم النفس وتطويرها.
- أنه يشعر بمرور الزمن بصورة أكثر حدة:
بينما يربي الأشخاص العاديون بعض الأطفال ولديهم وظائف ذات تسلسل هرمي يرتقونه مع الزمن، يربي المعلم المئات كل عام، والطلاب يكبرون سريعاً ويتغيرون، فيصبح ذلك الطفل الذي درسه قبل عامين أو ثلاثة إلى رجل أو امرأة أطول من معلمهم ضخمي الجثة وقد نضجت أفكارهم ويستعدون لدخول حياة جديدة، وقد يدرس أخوة الطالب وأبنائه والأحفاد، هذا يجعل المعلمين يشعرون بأن الزمن يمر سريعاً وأنهم واقفون في محلهم يراوحون مكررين ذات المنهج حيث أن التعليم مهنة لا تصاعد فيها، وما يجعل المعلم محباً لعمله هو الطالب وحده.
- أنه مُحاط بالحب:
لا يوجد مهنة كالتعليم تجعل الإنسان يسمع كلمة "أنا أحبك" وما يعادلها ويشاكلها كل يوم تقريباً، ولو كان معلماً للأطفال فسيحصل على الكثير من العناق الصادق.
المعلم تحيطه عيون المحبة والتقدير أينما حل، ولا تفارقه كلمات الإطراء والثناء، فيشعر وكأنه قد ملك العالم كله.
وبينما يعاني الناس من قلة الحب، يعاني المعلم من فائض منه، ذلك الفائض الذي يرمم ويعالج ويضيئ الروح، ويجعل لعطائه معنى يساعده على النهوض كل صباح والاستمرار.
- أنه يحب عمله جداً:
هو لا يحب عمله فقط بل هو مغرم به، متوله عليه، لا ينقطع حديثه عن الطلاب والتفكير بأساليب تطوير عمله، يشعر باكتئاب عند حلول العطلات الطويلة، أو عندما تمنعه الظروف من مزاولة عمله، يشعر أنه طفل أو شاب للأبد لأنه يعاشر الأطفال والشباب، روحه لا تهرم، ولديه الكثير من القصص المشوقة ليرويها رغم هدوء حياته، ولديه شبكة علاقات اجتماعية مثيرة للإعجاب، وهو كما المشاهير يحيطه الناس بكثير من الحب والاحترام أينما حل، ويدعون له كثيرا بظهر الغيب وهو لا يعلم.
إنها مهنة تختبر صبر الإنسان اختباراً شديداً لكن من يستطيع مداواة العشاق من جنونهم؟
اضافةتعليق
التعليقات