يعتبر التفكير التكاملي أحد أنماط التفكير المثلى للإنسان، والذي تتكامل فيه الجهود وتتظافر فيه الطاقات، ولا يكون التكامل الا إذا وجد مبدأ التعاون، وكان هو روح العمل وأساسه، ثم إن الجوانب التخصصية المختلفة لابد من جمعها والتأليف بينها لأن التداخل والتأثير بين الجوانب المختلفة يوجب ذلك.
والحق أن التفكير المنشود هو التفكير المقصود، الذي نقصد اليه قاصداً، ونتوجه لإيجاده وتحقيقه، ونفرغ له الطاقات اللازمة، وتوفر له الامكانيات المناسبة، والوعاء المعروف لتحقيق ذلك هو مراكز الدراسات والبحوث، والأجهزة المركزية للمعلومات والإحصاءات، والدول منفردة والأمة مجتمعة ينبغي أن تعطي لذلك أولوية وتنفق فيه الأموال وتسخر له الإمكانيات بما يحقق الثمرات.
ولابد من اليقظة الواعية بحساسية ودقة الظروف التي تحيط بالأمة، وشدّة وضراوة الهجمات الإعلامية والثقافية والمعنوية الموجهة لها، وقد آن الأوان ان لا تهدر الأموال والإمكانيات الهائلة في البلاد الإسلامية على الجزئيات، وللقائلين بأن الأمم المتقدمة لها عناية فائقة بالرياضة والفن، لهؤلاء أقول إن تلك الأمم قد انفقت على الجامعات والصناعات ومراكز البحوث أضعافاً مضاعفة، وقد فرغت من وضع القواعد والأسس، وآليات العمل والتمويل التي بها ملكت زمام التقنية وأمسكت بأعنة الصناعة وتفوقت في انتاج الآلة العسكرية، فلا عليها بعد ذلك أن تعني العناية الفائقة بالفنون والرياضيات، غير أن أمة ليس لديها الأسس والمنطلقات ولا النتائج والمنجزات في مثل هذه المجالات عليها أن تعيد النظر في ترتيب الأولويات.
وحتى يكون التفكير منهجياً صائباً فإنه لابد أن يبنى على اليقين لا الظن، (إن الظن لا يغني عن الحق شيئاً) (النجم/٢٨)، وعلى التثبت لا الترخص، (يا أيها الذين امنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) (الحجرات/٦)، ويجب أن يقوم على الحق لا الهوى (قل لا اتبع أهواءكم قد ضللت وما أنا من المهتدين) (الأنعام/٥٦).
ولا مناص من أن يكون أساسه الصدق لا التلون، والصراحة لا المداراة وبعيداً عن النفعية البراغماتية، والميكافيلية التحايلية فالغاية لا تبرر الوسيلة (يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (التوبة/١١٩).
ويلزم أن يعتمد التفكير على الدقة والتفصيل لا الإجمال والتعميم، والمعلومات الدقيقة أساس التفكير والتخطيط، فلا تتحقق الجدوى الكاملة إلاّ بأن يكون التفكير عملاً مؤسسياً لا يعتمد كلياً على الأشخاص، وإن كان يقدر لهم ادوارهم ويستثمر خبراتهم، فالأصل هو المنهج لا الأشخاص، والقضايا لا الافراد، والنظام المنهجي لا المزاج الشخصي.
ولابد من إدراك أن الطريق الى احياء التفكير وجدية العمل ودقة التخطيط وأمانة التنفيذ وكفاءة الأداة كل ذلك طريقه مليء بالعقبات الداخلية والخارجية، فهنالك الروح الانهزامية المستسلمة لتفوق الغير، وهنالك العقلية النمطية الرافضة لمبدأ التغيير والتجديد، وهناك مراكز القوى النفعية التي تقوم مصالحها على الارتباط بالأجنبي، وهناك بيروقراطية الأداء في الأجهزة الحكومية بل والخالصة أحياناً، وهناك أرباب النفوذ السياسي في الطبقات الحاكمة التي لا ترى لغيرها حقاً أو إمكانية في الإنتاج والانجاز، هذا فضلاً عن الإغراق في الملهيات، والاشتغال بالتفاهات، ولا ينبغي أن يكون –لدى العقلاء والمخلصين- زاداً للتحدي وعاملاً للإصرار، حتى نتحرك شيئاً فشيئاً في مقاومة تلك العوائق، ونتقدم الخطوات الأولى في مسيرة آلاف الأميال نحو اليقظة والنهضة.
اضافةتعليق
التعليقات