تختلف أشكال الكتابة والغاية من وراءها، وتتباين الأهداف بين كونها مجرد وسيلة للمتعة، أو تقديم رسالة معينة للمجتمع، فضلاً عن كونها في بعض الأحيان مصدراً للرزق، في هذا الجاتب أجرى موقع (بشرى حياة) استطلاع للرأي سأل فيه بعض الكاتبات في الموقع السؤال الآتي:
هل يحتاج الكاتب أن تكون له رسالة في الحياة أم هي مجرد متعة ومصدر رزق واثبات للذات؟
تقول الكاتبة نجاح الجيزاني:
الكتابة أو التدوين بكل أشكاله، لابدّ أن يعكس شيئا من العمق الروحي للكاتب، وإلا فهي لا تعدو أن تكون تجربة فوضوية عارمة تنتهي بفوضى الأحاسيس والمشاعر.
أما عن الهدف فهو مما تنطوي عليه نيّة كل كاتب، والحياة كما نعرف قائمة على الهدفية وليس العبثية، فهناك كاتب يهدف من وراء كتاباته الشهرة والظهور الذي يرضي غروره، وهناك من يمتهن الكتابة، فيجعل من الكتابة مصدر رزقه وقوت عياله، وهناك من الكتّاب مَن يفرغ شحنات غضبه ونقمته من الحياة على الورق( وكأنه شعلة من غضب ولهب)، غير مبالٍ بما تحدثه كلماته وأفكاره في نفس القارىء المتلقّي من مشاعر الإحباط واليأس والقرف والخ...
وأرى شخصيا أن الكاتب عندما يكون حرّا، يكون أكثر صدقا في التعبير عن تصوراته ومتبنياته الفكرية، فالذين يكونون أعضاء ضمن مؤسسات ثقافية داعمة، يكونون عرضة للتنازل عما يؤمنون به، فهم مجبورون على أن يخطبوا ودّ ورضى المؤسسة التي ينضوون تحتها.. وهذا مما يقيّد الكتابة ويجنح بها نحو اتجاهات أخرى.
أما الكاتبة أمل شبيب الأسدي فتقول:
(كن في الحياة كعابر سبيل واترك وراءك كل اثر جميل فما نحن في الدنيا الا ضيوف وما على الضيوف إلا الرحيل)). فما أجمل أن يكون لنا هدفًأ في الحياة، نصبوا له، نسعى لتحقيقه، ننصب له جسور الاهتمام والمحبة. نعم الكاتب يجب أن تكون له رسالة في الحياة لنفسه، والآخرين بل، يجب أن يشاركهم الموج. ونحن نعلم أن البعض يكتب لأنه لايملك إلا أن يكتب. لأن لامناص له إلا أن يكتب.
فالكتابة: أشبه بعمل طبيعي نقوم به؛ لأنه من الضروري للحياة كالشهيق، والزفير. فهي مخزون عميق داخل الانسان نحن من نغذيه معتمدين على التجربة والثقافة، إنها إنقاذ من الضياع النفسي والروحي.
هي الحياة، قليل من الفرح تمنحنا، إلا أنها في الألم تمنحنا الكثير، من هنا تنطلق الحروف فنعيش الحياة بوجهيها الداخلي والخارجي وبذلك تمنحنا تلك الظروف دفقًأ من الكتابة، وبصور مختلفة، إن الكتابة بحروفها الجميلة مثل البراكين مهما مرّ الزمن تبقى مشعة مضيئة بأحداث ووقفات لا يمكن تجاهلها وتحضر إلى الذاكرة سريعًأ.
وتحكي القصص وتنثر بين سطورها، إضافات للتراث المعرفي الانساني؛ لتصل الرسائل إلى اصحابها مع تعاقب الزمان. والخلاصة تكمن: إن الكتابة هي العلاقة بين كاتب ومتلقي.
الكاتبة فهيمة رضا تقول:
نملة صغيرة، تخرج بكل عزيمة تقطع مئات الأمتار لتصل الى ماتريد، لن يهدأ لها البال حتى ترجع الى المستنقع حاملة معها ماطاب من الطعام فربما يُغدر بها، أو تتحطم تحت أرجل الناس ولكن لا تلتفت عن هدفها طرفة عين!
ربما يبلغ طولها اثنين ميلي متر أو خمسة وعشرون ميلي مترا ولكن هذه الصغيرة تمتلك هدفا وتسعى لتصل الى مبتغاها!
عندما تحمل حبة على ظهرها ربما تسقط لمرات عديدة ولكن بكل عزيمة ترفع الحبة وتحملها مرة اخرى، حتى تصل الى المستنقع، هذه الحشرة الصغيرة لديها عزيمة واستقامة ونحن ؟
كل شيء في هذا الكون وجد لسبب ما و لهدف ما ولإيصال رسالة ما ، إنها هدية الله أراد ربنا للإنسانية الارتفاع والعلو، لذلك كلما يرتقي الشخص يشعر بأهمية رسالته وهدفه ، و تتغير اهتماماته ، و على قدر المعرفة ستتغير الأهداف و العزيمة.
فالمبتدئ النرجسي سيبحث عن اثبات ذاته من خلال كلماته ، و لكن العظيم لا يحتاج الى اثبات للذات ، كلماته هي التي تتكلم عنه بأعلى الأصوات.
أما الكاتبة خديجة الصحاف فقالت:
قال أحدهم ما مضمونه : الكاتب ذلك الإنسان الذي يقنعك بوجود الشمس المشرقة في الخارج بينما هو جالس في غرفته .
فالكتابة علاقة بين كاتب ومتلّقي، ومادام الكاتب قادرا على إقناع المتلّقي والتأثير عليه فهو صاحب رسالة شاء ذلك أم أبى، قصده او لم يقصده ، فالقارئ يتاثر بما يقرأ وقد يتبنى وجهات نظر الكاتب وفلسفته ورؤاه مهما كان دافع الكاتب وهدفه من الكتابة ماديا أو غيره .
ولا بد إننا جميعا نحمل تجربة لكتاب قرأناه وتأثرنا به وترك انطباعا عميقا في وجداننا ولا زلنا نحتفظ به في ذاكرتنا .
الكاتبة الإمريكية ماركريت ميتشل كتبت روايتها الشهيرة (ذهب مع الريح ) لأنها كانت تشعر بالملل بعد ان تعرضت لحادث أقعدها الفراش لمدة ثلاث سنوات، ولم يدر بخلدها أن روايتها ستحقق النجاح الساحق، وحتى عندما تحولت إلى عمل سينمائي حقق الفلم نجاحا كبيرا وإلى اليوم يعتبر الفلم من انجح الأفلام التي انتجتها السينما الإمريكية حيث يُحتفظ به في صندوق خاص وكأنه كنز من الكنوز الثمينة .
اما تجربة الكاتبة البريطانية (جاي. ك. رولينغ) مؤلفة سلسلة روايات هاري بوتر فهي من اغرب تجارب الكتابة، حيث تعتبر سلسلة القصص الخيالية تلك من اكثر الكتب مبيعا، وعندما تحولت إلى سلسلة أفلام كانت اكثر الأفلام واردا؛ وبذلك انتقلت الكاتبة من امرأة كانت تعيش على معونات الحكومة إلى سيدة ثرية تعيش في قلعة، وكل ذلك بسبب تقبّل الناس لهذا العمل الأدبي والسينمائي وتفاعلهم معه !!
ومثال آخر قصة (آلام فارتر) للكاتب والفيلسوف الألماني كوته، في هذه القصة ينتحر البطل في النهاية، وعندما نشرت القصة انتحر عشرات الشباب في اوربا تأثرا بقصة البطل؛ قطعا الكاتب لم يقصد من عمله الأدبي أن ينتحر أولئك الشباب ولكنها رسالة وصلت بشكلٍ ما الى المتلّقي وتأثر بها، وهناك العشرات من الأمثلة على ذلك لا يمكن ذكرها بهذه العجالة! .
إذن الكلمة تؤثر، والكاتب صاحب رسالة ولو لم يقصد ذلك، وحتى لو كان قصده المال أو الملل او ملئ الفراغ فهو سيؤثر قطعا؛ وإذا كنا نعتبر أنفسنا كتّاب رساليون أصحاب مبدأ وعقيدة فنحن مسؤولون امام ضمائرنا وأمام الله عن كل كلمة نكتبها وكل رسالة نوصلها للآخرين؛ فقد تكون كلمة فيها هداية ورُشد تنير لهم الظلام، وقد تكون كلمة ضلال نتحمل وزر من تأثر بها وتبنّاها إلى يوم القيامة .
وعذرا للإطاله فالسؤال مختصر لكنه ينطوي على بعد عميق ودقيق .
الكاتبة زهراء وحيدي عبرت عن رأيها قالئلة:
(الإنسان بلا رسالة هو انسان فارغ)، وهذا الأمر ينطبق على كل الفئات البشرية في العالم، واما فئة الكتّاب فالأمر مضاعف معهم لأنهم يخاطبون شريحة مجتمعية كبيرة وأفق التواصل عندهم أوسع.
فالغرب اليوم يحملون رسالة التضليل والفسوق ويتفنون في طرحها إلى المجتمعات المتحفظة لأهداف دنيوية خبيثة. واما الفئة الأخص التي تتحدد بالمسلمين فرسالتهم تكون أكبر بسبب التكليف الالهي الذي يحمله الفرد المسلم تجاه دينه وأمته.
والتي يجب أن تعادل كفة جبهة الضلال، وتكون أقوى وأشد لمقاومتهم وردعهم فكريًا.
فالكاتب المسلم مسؤول أمام الله عن توعية الناس وفضح هواجس العدو مقابل رصاص التضليل الذي يطلقه الغرب على عقول الشباب والفتيات اليوم. وأصل الرسالة تنبع من عمق الاحساس بالمسؤولية تجاه الأمة والدين الاسلامي في ظل الهجمات الفكرية التي نتعرض لها اليوم من قبل العدو.
وأما الكاتب الذي يرى من كلماته سلعة تسويقية يرفع بها منسوب المال والشهرة فهو إنسان فارغ ومتجرد من المبادىء. ومقصر كبير أمام مسؤولياته وتكاليفه الشرعية والمجتمعية.
فكيف شعور الكاتب وهو يرى كتّاب الغرب يحاربون بأقلامهم من أجل رسالة ضالة وهدف دنيوي بحت، بينما هو يبيع قضيته ويتاجر بكلامته ولا يبالي بالهدف الأخروي الذي حدده الله له!.
الكاتبة زينب التميمي تقول:
هنالك الكثيرمن النقاط والأهداف التي تتحدد في قلم الكاتب وممارسته للتدوين، إحدى هذهِ الأهداف أن يبدأ الكاتب بالشعور بالتجارب بالطريقة التي يريد ان يعيشها.
الهدف من هذهِ العملية هو التدريب على الإحساس بالحياة كما يريد أن يعيشها. الكون لا يعرف أو لا يهتم إذا ماكانت تردداتك التي تقوم ببثها هي استجابة لشيء ما تعيشه، أو كأستجابة لشيء تتخيله، في كلتا الحالتين سيقوم الكون بتوفيرها لك.
إذا ماقمت بإعادة كتابة السيناريو بشكلٍ كافٍ، ستبدأ بقبوله كواقع، وعندما تتقبله بالطريقة التي تتقبل فيها الواقع_ سيُصدق الكون وسيستجيب بالطريقة ذاتها.. كما أن الأدب ينقذنا من الوحدة ومن الجهل والكثير من الأمراض الذاتية والنفسية، إنها بمثابة اليد التي تُنقذنا من الخواطر السيئة. لذلك القلم لم يكن يومًا مصدرًا كافيًا ليكون المال هو الهدف من الكتابة. إنما رسالة فالقلمُ لسانٌ ناطق وقد يُسمع أكثر من الصوت..
الكاتبة مريم حسين تقول:
الكتابة أو التدوين مرادفٌ للديمومة، إذ لطالما يكون المرء مستمر في وجوده على هذه الأرض فهو يكتب، تختلف طرق الكتابة وأهدافها، وكل هدف مرتبط بالآخر، فهي إثبات ذات ووجود بالمرتبة الأولى وآلية نقل رسائل وفكر ثانياً، وهي علاوة على ذلك مصدر دخل، لكنها تشبه الرسم والموسيقى وباقي الفنون والهوايات التي يستمتع أصحابها بالانغماس فيها، فلن يتوقف صاحبها عن الإنتاجية فيها حتى وإن لم تدر عليه أي ربح، فبهجة الكاتب بتأليف كتاب خاصة به لا تُقاس بأرباح البيع بقدر ما بهجته بإنه وضع احاديث روحه وهِبة الله له بين طيات الورق.
نكتب لنشعر باننا لا نزال أحياء، لا نزال نشعر وهذه المشاعر يمكننا تحويلها إلى كلمات، ستموت في الوقت الذي تُصبح فيه عاجزاً عن وصف ما تشعر به، لا جهل أعظم من جهل المرء بنفسه، حين لا يعرف أين هو من الحياة، ماذا يفعل هنا، وهل نبضُ قلبه يُسري فيه الحياة، أم يُبقيه على قيدها مُجبراً مُكبلاً بالضياع؟ في الأوقات التي اشتاق لنفسي بها، أعود لأكتب، لم أكن صادقة ابداً كما أنا أمام الكلمات، كذبتُ في كل شيء، كذبت في حديثٍ وفعل، لكن لم يحصل أبداً أن خلوت بمُعجم لُغتي وشرعتُ بالكذب.
الكاتبة زينب الأسدي تقول:
إذا استطعنا أن نفرز بين الكتابة العلميّة والأدبيّة تُعدّ الكتابة الأدبيّة من الفنون والمهارات الممتعة التي تطمئنّ لها النفس وتثير فيها الدهشة ولكن لو قمنا باستقصاء لما أضيف من أعمال حرّكت المشاعر العالميّة نجد أنّها ذات محتوى إنساني عالٍ وقد تجاوزت بذلك عتبة الخواء، لذا نستطيع أن نجزم أن الكاتب المحترف لا يستطيع الثبات في هذا المجال ما لم يلتمس الموضوع المثير الذي يهمّ المتلقّي الشعبي ويتحدّث عنه ويثير ما يدور في خوالجه ويكون لسانه الناطق.
الكاتبة هدى المحمداوي تقول:
حتى تستوطن الكتابة معاقد الروح ، وشرفات الرؤى ، لابد أن تكون رسالة ، تستحوذ منافذ الفكر ، والخيال ، هنا تثبت الفكرة جدارتها بين قريناتها من امهات الفكر والثقافة ، الكتابة المتحركة ، والتي تحتل الصدارة لدى قارئها ، هي المتجردة من ذات الاستغلال ، وجمع الغلال ، كتابة مع هدف ، رسالة ناطقة جامعة الغاية مع الاسلوب ، لتضفي بريق الاخلاص وتقدم ما لديها لبلوغ ماتريد وتهدف ..
سعة الكتابة ، تختصر الفكرة ، ربما ب مَيل أو بحروف متقلبة ذات مزاج مرتفع الحرارة ، لترضي خصما ربما أو مناشدة لذوي الارواح التي ضخمتها أفكارا مترهلة ، هذه الكتابة وان حققت مساحة لنفسها لغرضا ما، ألا أن نورها يخبو مع مرور الوقت ولاتجد من يهتف بها أو لها ، فالبيت الذي لايزهو بذكر الله وكلمته وكتابه ، هو بيتا خاويا يصيبه الصدأ تدريجياً .
ولكي .. تكتسب الكتابة رونقها الخاص بها، لابد لها أن تتبنى ماتقول ، ليكون لها طعمها الخاص بها ، وموقفها المعتمد عليها فالكتابة التي لاروح فيها ، كتابة قد ضاعت رسالتها أبان ابتدائها ومقامها ، في عداد أيامها.
تتنوع مصادر الكتابة تبعا لكاتبها وطبيعة انتماءه ، كتابة نابعة من الوجدان ، تحمل بين طياتها عالما من التحدي ، لهي افضل كتابة واروعها ، متأصلة من ذات الايمان والاعتقاد ، الكتابة بمزاياها هي أجمل المتعة وخليل للنفس ، على مختلف اطوارها ، سواء كانت مصدر رزق معنوي أو مادي ، بالتالي ، الكتابة هي بحد ذاتها رسالة ، فالأمم الماضية ، لولا الكتابة ماخُلدت، بغض النظر ، عن أي كتابة كانت أو تكون.
وأخيراً عبرت الكاتبة نرجس العبادي عن رأيها قائلة:
رسالة الكاتب هي روحُ قلمهِ، لذلك ممارسة الكتابة كهواية أو متعة تنعكس تماماً في مضامين ونوعية حروفه...
الكتابة هي رباطٌ عجيب يربطُ ما بين الخلودِ والفناء، يكونُ فعّالاً فقط وفقط إذا صاحبهُ إيمانٌ بقضيّة الحرف وأساس وجوده، فالتدوين يعني تثبيت الرأي و شرح أفق الكاتب وإيمانه وعقيدته من دون أن يتفوّه بها، فالكتابة هي محكمةٌ على الكاتب قبل أن تكون على القارئ، فهي تُعلن نتائج القضايا التي تدور داخل ذهنه وروحه وتُعكس على القارئ على حدٍّ سواء، لذلك إن كان الكاتب يتخذ الكتابة أداة ملئ الوقت أو الجيب فقط من دون مسوغات إيمانية، ستكونُ محدودة (أي محدودة المعنى والوصول ) ولها صلاحية إنتهاء
اضافةتعليق
التعليقات