حقا إنه لمن الملفت للأنظار أن نفتتح شهر رمضان المبارك بدعاء اليوم الأول: "اللّهمَّ اجعلْ صيامي فيه صيامَ الصّائمين وقيامي فيه قيامَ القائِمين ونبِّهْني فيه عن نومةِ الغافلين".
فهناك صيام يوصف بأنه صيام الصائمين، وفي المقابل هناك الغياب والغفلة، فكيف يكون صيامنا صيام الصائمين؟ صياما له روح وباطن، ولا يتوقف عند المعنى اللغوي للصيام وهو "الإمساك" فيكون صيامنا مجرد إمساك عن جملة من الأمور حددها لنا الشرع في وقت معين من اليوم دون أن يكون لهذا العمل العبادي العظيم أي مردود معنوي أو ثمرة ملموسة .
قطعا أن الله لا يريدنا أن نجوع ونظمأ، ونُحرم من أمور أحلّها لنا دون أن يكون لذلك هدف أو حكمة وهذا ما ذكرته الآية القرآنية {لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ}؛ فالتقوى هي خاتمة المطاف، وهي الهدف الأسمى، والحصيلة المعنوية التي تقودنا إلى فضاء لا نهاية له من الألطاف والعطاءات الزاخرة بالكرم الإلهي!.
فكيف نحقق هذا الهدف، كيف نجعل التقوى هي الثمرة المرجوة من هذا الشهر الفضيل؟
لقد منّ الله علينا بأن هدانا لاتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، فهم الأدلّاء على طاعة الله ومرضاته، وتراثهم الروائي وسيرتهم العطرة غنيان، وزاخران بالإرشادات والتوصيات التي وضعت بين أيدينا وصفة كاملة، ورسموا لنا معالم الطريق بجلاء، ولم يتركونا للحيرة والاجتهادات الشخصية .
توصيات المعصومين (عليهم السلام) وخصوصا خطبة النبي (صلى الله عليه وآله) عند حلول شهر رمضان حددت لنا ثلاثة محاور سلوكية في هذا الشهر المبارك .
الأول - محور العلاقة مع النفس من خلال تصحيح النيّة، وتطهير القلب بالتوبة النصوح، والعزم الصادق على إصلاح النفس والارتقاء بها، وتهذيب الجوارح من كل عمل أو تفكير يخدش حرمة وقدسيّة الشهر.
الثاني - محور العلاقة مع الله تعالى من خلال الأعمال العبادية من واجبات ونوافل، بصورة مكثّفة تختلف عن المألوف في سائر الأيام والشهور، تعكس الرغبة في استثمار كل دقيقة بعمل عبادي يقرّب إلى الله تعالى؛ وعدم إهدار الوقت الثمين بعد ما وصفه الرسول (صلى الله عليه وآله) بأنه الأفضل من بين الشهور والأيام والليالي والساعات، فهو زمن استثنائي له خصوصية لا ينبغي الاستخفاف بها والتغاضي عنها.
ثالثا- محور العلاقة مع الناس من خلال التواصل المبنيّ على حسن الخلق، والرحمة والإيثار، والكرم، وتقديم العون بكافة صوره وأشكاله، أو على الأقل كفّ الأذى عن الآخرين لمن عجز عن تقديم أي عون أو مساعدة وذلك أضعف الإيمان!
حقيقة أنه برنامج عمل متكامل، وما علينا إلا استحضار الإرادة والعزم على التطبيق لنحقق النتيجة وهو الخروج من الشهر بكيان جديد كمن ولٍد حديثا ولا نكون مصدقا لقول أمير المؤمنين (عليه السلام):
(كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا العناء، حبذا نوم الأكياس وإفطارهم).
اضافةتعليق
التعليقات