فقدان الهوية والضياع في بحر المغريات التي تملأ حياتنا باتت المشكلة المحورية التي تُلاحق شباب اليوم!
تراجع أهل الحق إلى الخطوط الخلفية وتقدم أهل الباطل بشتى الخُدع والمغريات والشبهات التي صارت تنتشر كالنار بالهشيم خلَّف لنا جيلاً لا يعلم ماذا يريد؟ بل لا يدري من هو؟ لا يعتزُ بهويته المسلمة ولا يعلمُ عنها شيئاً بل صار يحسبها حملاً يثقلُ كاهله ويضَّيق عليه مدى حرياته ويعيق تقدمه!
وفي محاولة فاشلة منه لتدارك ما مضى منه صار يسبح عكس التيار وينادي بالمفاهيم الغربية اللانسانية لكنها مُؤطرة بإطار إنساني مخادع عله يسد تلك الفجوة بداخله!
ولأننا نشعر بمدى خطورة الأمر وما يرتكز عليه من نتائج تُنبىء عن خطر مُحدق يُهدد الأسر المسلمة التي أرادها الله عزوجل ورسم حدودها وفق إطار إسلامي شيعي يسعى ليكون الممهد لدولته الكريمة التي تُعز الإسلام وأهله وتذل النفاق وأهله أقام ملتقى الغيث الجامعي بالتعاون مع منظمي مهرجان أُفق الإنتظار وبناء الأمل بحلته الرابعة إحتفالاً بهيجاً بمناسبة إشراقة التجلي الأعظم لـواسطة الفيض الالهي ومُقيم دولته العظمى مولانا الإمام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف خاصاً) للشابات من رواد الجامعات العراقية في محافظات: بغداد، الحلة، كربلاء والنجف الأشرف وذلك في 24 شعبان 1444هـ الموافق 17 / 3 / 2023م في مؤسسة أمير المؤمنين في النجف الأشرف.
وسط حضور يتابع بشغفٍ كبير إبتدأ الحفل بكلمة لكريمة آية الله العظمى السيد مرتضى الشيرازي (أم سيد مهدي) حيث تطرقت: لأهم القضايا الإجتماعية التي يُعاني منها شباب اليوم واقفين أمامها حيرى لا يعرفون كيف السبيل لحلها ومن هذه القضايا المشكلة الاقتصادية ومن صورها السكن!
إذ أن الكثير منهم يعيش هذه المشكلة بجميع أبعادها يبحثُ عن حلول هنا وهناك مُتناسياً دينه الذي جاء ليجد له الحل في الصغيرة قبل الكبيرة!
وكمثال نرى القاعدة الإسلامية التي وضعها لحل مثل هكذا مشكلة إذ قال: الأرضُ لله ولمن عمَّرها !
مشيرة إلى قضية جوهرية لو إنها طُبقت بصورتها الصحيحة لما عانى الكثير من هذه المشكلة وشبيهاتها من مشاكل الفقر التي تنهش بجسد المسلم دون أن يرى أيُ تحرك سياسي أو إجتماعي لحلها .. وهي حُرية الاقتصاد، ومنها حُرية إختيار الأراضي، إذ أن الإنسان بل كل الكائنات تحتاج لأمرين جوهريين للحياة هما: الحرية والأمان.
مُنوهة إلى أمرٍ غاية في الأهمية كان قد غاب عن ذهن الكثير حتى صار يتخبط على شفا حفرة من الضياع تحت مسمى الحرية وهو: ليست كل القيود قيود!
فالأدب وإن كان قيداً إلا إنه حياة لصاحبه وكذلك الحجاب والعفة والأخلاق وإن كانت قيوداً إلا أنها في حقيقتها حياة وحرية!
فالميزان للحرية هو ما وضعه الله جل وعلا وما شرَّعه وغيره ما هو إلا قيود تثقل كاهل صاحبها وإن أخذت ظاهراً مسمى الحرية.
إذ لا ينبغي أن يكون مقياس الحرية هم الأشخاص فما يكون حرية لك قد يكون أذى على غيرك بل يجب أن تُقاس الحرية وفق المنفعة والمصلحة العامة لا وفق المصلحة الشخصية، ثم أشارت لالتفاتة عظيمة قد غفَل الكثير عنها وهي أن الله جل وعلا هو القادر المتفرد المحيط بجميع الناس وهو القادر على وضع قانوناً للحرية ينفع لجميع الناس! هذه الحقيقة التي غابت عن أذهاننا فصرنا نبحثُ هنا وهناك عن مفهوم الحرية، لكننا في واقع الأمر صرنا نتجرد هنا وهناك من حرياتنا الحقيقية ونضيع خلف قيود الوهم والضياع، لك أن تتخيل حياةً دون قيود؟ بعدها لك أن تتخيل أن هذه الحياة صارت غابة يسودُ فيها القوي ويهلكُ فيها الضعيف لماذا؟
لأن القيود والحدود ماهي إلا لتنظيم حياة الإنسان ولتمنع سيادة الهرج والمرج التي تأتي من المفاهيم الخاطئة للحرية !
وقد يُثار تساؤل بعد هذه المقدمات عن ماهو المعنى الحقيقي للحرية؟
فالاستعباد الحقيقي والأغلال التي تثقل كاهل الغير هي تلك القيود الحقيقية التي غفلنا عنها! فالتواضع أن تكون حراً من توقع احترام الآخرين لك، والتضحية أن تكون حراً من الأنانية والضغائن، وتقديم المعروف أن تكون حراً من توقع العرفان! وغيرها من القيود النفسية التي صارت تثقلنا وصرنا عبيداً لها تحت مفاهيم الحرية الزائفة !
بعدها كانت الكلمة لسماحة حجة الاسلام السيد محمد علي الشيرازي حيثُ تطرق إلى الدور الكبير والمكانة العظيمة التي يمنحها الإسلام للمرأة بعدما كانت تُوؤد وتُحتقرَ حتى كأنها لا شيء، مُستهلاً حديثه بقصة سن سن وهو عالم مسيحي كان سبباً لأن يفتخر مولانا الصادق والباقر (صلوات الله عليهم) بـالذي خرج منه، فهو والد أعين وهو رجل كان على المذهب السني ولكن كانت له ابنة تُدعى أم الأسود قد تشيعت وحملت هم تشيع إخوانها على عاتقها حتى صار تشيعهم المسؤولية التي تحملها وتسعى لتحقيقها، فكانت لهذه الجهود الجبارة ثماراً مُثمرة خرج منها (زرارة ابن أعين وأخوته) ذلك الذي كان يحملُ روايات أهل بيت العصمة التي أسست مذهبنا الجعفري.
امرأة واحدة حفيدة رجل مسيحي وابنة رجل سني كانت سبباً لأن يفتخر الإمام الصادق (عليه السلام) بما صنعت حيث يقول: لولا زُرارة لانمحت آثار أبي، ولأجل هذا لطالما صرحت الروايات بفضل العالم على العابد؟ لأن العابد يحمل هم نفسه جزاه الله خيراً ويدخل الجنة بذلك، ولكن العالم من يحمل هم نفسه وهم غيره، فهو يحمل مسؤولية اتجاه أهله، أصدقائه ومحيطه الذي يعيش فيه. وبذلك فإن دماء العلماء أفضل من دماء الشهداء.
من هذه القصة يتبين الدور العظيم للمرأة حين يكون همها التربية الصحيحة وكيف إنها قادرة على صنع جيلاً صالحاً أو فاسداً؟
فغرس القيم والأخلاقيات ومعرفة إمام زمانهم في نفوس الصغار والكبار وفي مختلف البيئات هو الدور العظيم الذي يجب أن تتصدى له!
إذ أنها أولاً يجب أن تكون على قدرٍ عالٍ من المعرفة ثم بعدها تبدأ بغرس هذه المعرفة في نفوس من حولها لأن فاقد الشيء لا يُعطيه فمن غير المعقول غرس هذه المعرفة عند صغارها وعند من حولها وهي لا تحمل مقداراً منها!
وكمثال على ذلك لا يخفى على الجميع قصة السيد عباس القمي (قدس سره) مؤلف كتاب مفاتيح الجنان ذلك الكتاب الذي لا يكاد بيتاً شيعياً يخلو منه وهو ثاني كتاب بعد القرآن من حيث الأهمية عند الشيعة، جاء في أحواله إنه حين أراد طباعته وبعد ذهابه لدار النشر أوقف النشر لمدة سنة كاملة؟ وحين سأله لماذا؟
أجابهم: إنني فكرتُ أنهُ من غير المعقول أن أدعوا الناس للعمل بما جاء فيه وأنا لم أعمل ببعض مافيه، ولهذا ذهبتُ وعملتُ بما جاء فيه حتى يكون أكثر تأثيراً في النفوس حين تقرأه...
وإكمالاً لحديثه عن دور النساء العاملات في الاسلام تابع سماحته قصة ثمان أخوات بشرهنَّ رسول الله بالجنة، حيثُ قال: رحم الله الأخوات من أهل الجنة؟
فقد يتبادر إلى الذهن كيف يمكن أن تجتمع هذه الأخوات بنفس درجة الإيمان ليدخلن الجنة؟
وهن أسماء بنت عميس وسلمى والميمونة وأم الفضل وعزة وحميدة وهذه الأسماء العظيمة تحتاج لوقفة تدبر في طيات حياتهن لمعرفة أسباب وصولهن إلى الطريق المستقيم والفوز بالجنة؟
وتستمر النماذج المشرقة التي تملأ سماءنا بالإشراق فهذا رجلاً قد جاء إلى السيدة حكيمة (صلوات الله عليها) وقد سألها: من خليفة الامام العسكري؟ فقالت: ابنه موجود وإن كان غائباً عن الأنظار؟ فقال لها: ولمن تفزعُ الشيعة؟
قالت: تفزع الشيعة إلى جدته أُم أبي محمد زوجة الامام الهادي وأم الامام العسكري. ولو تأملنا بهذا الكلام العظيم لرأينا إنها لم تقل تفزع النساء بل قالت كل الشيعة، وقد يستغرب البعض كيف تفزع الشيعة لإمراة؟
والجواب عند مولاتنا حكيمة حين قالت: كما كانت زينب بنت علي (عليها السلام) مرجع الشيعة بعد إستشهاد أخيها الحُسين (عليه السلام) لأن إمامنا السجاد كان في تقية شديدة وكان كلما يُسأل عن أمر يقول عمتي زينب تقول هكذا.
المكانة العالية التي جاء بها الإسلام للمرأة من عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما جعل لهنَّ كياناً وأخذ البيعة منهن في العقبة وفتح مكة والغدير وإلى قيام المهدي (عجل الله فرجه)، ولكن ما نلاحظه في زماننا اليوم هو تراجع المرأة وضعف دورها وقد يرجع لأسباب عدة منها المحيط الذي تعيش فيه أو إنها فقدت ثقتها بنفسها وغيرها من الأسباب.
فنرى كاتبات كثيرات في العالم كأجاثا كريستي وكاتبة رواية هاري بوتر اضافة إلى التخصصات الأخرى كعلم النفس اللواتي حزن على جائزة النوبل في اختصاصاتهن فعلى المرأة أو أي شخص إذا أراد أن يوفق:
1- العمل بالأسباب الظاهرية: الاجتهاد في أي تخصص هي تعمل فيه كالبييت والطب والهندسة والخطابة وغيرها من الأدوار لابد أن تسعى المرأة الشيعية لتأخذ الصدارة في تخصصاتها !
2- العمل بالأسباب الغيبية: التوسل بالأئمة الأطهار.
كما أضاف الشيرازي أن الذي يحمل الفكر الرسالي لابد أن يعرف الامام الحجة (عجل الله فرجه) لا يتحقق إلا بأمرين:
الأول: معرفة أسماءه وعلى ماذا تدل ومعرفة أهم ماجاء في الزيارات والأدعية، فحمل فكر رسالي إتجاه الإمام هو الهدف الأسمى الذي يجب أن تسعى إليه نساءنا اليوم.
الثاني: معرفة دوره إذ أن دوره شُبه بدور الخضر (عليه السلام)، أي إن دوره هو الحفظ إننا حين نتمتع بالمال الحلال والحفظ والتمتع بكل أنواع الخيرات ماهو إلا ببركاته، حفظ عقيدتنا وإيماننا وديننا مرتبط به وبدعائه فلولا دعائه (لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء).
بعدها كانت لفرقة العلا للتواشيح وفريق الضحى عرضاً مسرحياً مطرزاً بالتواشيح المهدوية إذ عُرضت مسرحية (محطة الانتظار) مع التواشيح من مهرجان أُفق الإنتظار وبناء الأمل والتي كانت مسك الختام الذي أثار العواطف وأنزل الدموع تأسفاً وعفواً وشوقاً عن كل التقصير الذي يُلاقيه إمامنا منا ..
اضافةتعليق
التعليقات