أقامت جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية جلسة نقدية إلكترونية حول المجموعة القصصية (نساء حول الشمس) بحضور الكاتبة والأستاذة تسنيم الحبيب من دولة الكويت، وبدأت الجلسة حول أهمية الكتابة وتسليط الضوء على قصص نساء أهل البيت (عليهم السلام).
قالت الحبيب: نلاحظ ان الكاتبة اختارت للنص للقصصي عنوانا مكونا من كلمة واحدة (السدم)، ما هو السدم، السديم الغبار الكوني الكثيف ويعتبر من أجمل العناوين المختارة تقول الكاتبة: " بدأ الليل يلفظ أنفاسه، والصبح تنفس في صدر السّماء، صاح الديك في المدينة، كعادته في كل صباح يوقظ أهل القرية، أفاقتْ البدوية من نومها، تفتح عينيها بصعوبة، بعدما بدأ ضوء الصباح يتسلل الى حجرتها، الساعة السادسة والنصف قامت والنعاس يغازلها، بدأت العصافير تزقزق مرفرفة بأجنحتها نحو السّماء، وقفت على تلك النافذة الكبيرة التي شيّدت من الطين تطلّ على شرفة البيت العربي حيث الجدران المزخرفة، وفي وسط الشرفة بركة من الماء تشرب منها الطيور، وتعانق الجدران الأزهار المعلّقة الورد الجوري وأغصان الياس، وعلى أطراف البيت تتربع شجرة السدر" .
اختيار الكاتبة الزمان بوقت الفجر ، بمجرد كلمة البدوية يعرف القارئ عنصران الزمان والمكان القرية ، صور جميلة جدا وهي تصف البيت العربي واجواء القرية، حيث يشعر القارئ بهذا المكان ولغة جميلة جدا، قد يكون التوقيت في الشخصية التي يعرفها الشيعي انها ملتزمة في اداء الواجبات .
بدأت النص في افعال ماضية ، تعابير جميلة جدا مع توظيف المكان للنص، جلستْ مع أبيها وأمّها يتناولون الطعام على حصيرة صنعتْها من سعف النّخلة، صحن من التمر وكأس من حليب، ورغيف من خبز الشعير، تحدثها أمّها ثمامة بنْت سهل بن عامر، عن أوضاع القرية وما يجري فيها، فاطمة تناقش وتشارك أسرتها في الحديث، تعلو دقّات قلبها كلّما ذكر أبوها أنّ هناك من تقدّم لخطبتها من رجال القرية، يعلو ملامحها فرط الخجل فتلوّن أعلى وجنتها فتصبح زهرية كلون الورد في أوّل فصله.
هل تستمر الكاتبة في صيغة المضارع بعدما كانت صيغة ماضية، تعابير رائعة صور شعرية متكاملة .
"كل من في القرية ِيعرف أنّ أباها سيد القوم وكبيرهم وسعيد الحظ من يقال أنّه تزوّج ابنة حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيدِ بن كعب بن عامر بن كلاب، فخر رجال العرب، شاء القدر أن يجلب لها رجلا لا نظير له من الخلق، بعد سنوات من الانتظار، طرق بابها طالباً الزواج منها، وسيم تعلو ملامحه الرجولة والشهامة عريض المنكبين أسمر الّلون، ذو هيبة علوية، من العرب سيدها، فخر قريش، سمعت أباها وهو يصفه أسد الله الغالب، ذو الفقار.
هناك حوار ولكنها لم تذكر الكاتبة قالت وقال وانما ادخلت الحوار مع الحدث فكان جدا جميل.
سمعت فاطمة حديثهما، أطرقت رأسها حائرة؟ توافق وتعيش زوجة أب لهؤلاء الأيتام وهي في ربوع شبابها؟ أم ترفض وتنتظر؟ تمسك بذيل معطفها وتجعله على جسدها كثوب العرس الأبيض، وتطير به محلّقة في سماء أحلامها، كم أنا سعيدة لكوني زوجة لهذا الرجل، يا لحسن حظي ِبعلي، تناثرت أوراق السعادة على رأسها.
الانتقال بصيغة المضارع مبررة جدا للكاتبة، حوار داخلي لشخصية النص عندما يتعلق بمأزق داخلي، من سمات الكاتبة جعلت صور شعرية عندما تتحدث الشخصية مع نفسها اسلوب محترف جدا وانسيابية عالية .
ودخلت الفلكلور في الوصف القصصي .
دخلت العروس تسلّم على الأولاد، ارتبكت، وتبعثرت الكلمات عندها، سفكت عيونها من الأدمع ما سفكت، من أنا حتى أكون هنا معكم، ترتعش من برودة يديها وجسدها، تمنّت أن تكون خادمة في هذا البيت، تضع يدها على الأخرى، وتنزل دمعاتها على وجنتيها، ومن ثم تغمض عينيها تنظر للحسن الولد البكر لأبيه وترى آية الحسن والخلق في ملامحه، ثم يصيبها البكاء..
على يمينها شاب جميل أنيق، يتعرق وجهها بشدة وتتنهد بخجل منه، فتاة صغيرة سرحت شعرها بنفسها، تسلّم عليها أهلاً أمّاه وبصمت الّليل الرهيب سمعت هذا الصوت الشجي من طفلة فارقت أمّها، هل ستكون زوجة أب؟ أم الأُمّ البديل؟ تصارعها الحيرة فتمسح على رأسها
تعريف الشخصيات والحدث بدأ يقترب من التعريف للقارئ جميل جدا ولكن كان لابد من تعريف القارئ من هم اولاد الزوج حتى تخجل الزوجة من اولاد زوجها، وكان لابد من مراعاة التاريخ في نقل سن السيدة زينب عليها السلام في صورة نمطية للحدث ونقلها التاريخ .
" مرّت الساعة تلو الأُخرى، ولم يرحل ظلام هذه الليلة بعد، فما زالت النجوم معلّقة في سماء المدينة، ترى من نافذة الحجرة الأيتام وهم يفترشون الأرض، يناقشون الأمر فيما بينهم منهم من يتذكر أُمّهم فيترك الحجرة ويبكي، وآخر يجلس في جوار شقيقته ويذرف الدموع، إنّها أيضا فاطمة!" ، تشبه والدتي في الاسم.
بينما يجلس الاطفال وحالة البكاء كان من الممكن تغير صور النص .
تفترش أحلامها البيضاء في ليلة العرس، نص جميل جدا .
لكنّها لم ترقد لتنام، تتكئ على الجدار الممزق تنفّست الصعداء، افترشت سجادتها المصنوعة من بقايا خيوط الصوف، وتوجهت نحو ربّ كريم يسمع تراتيل روحها ويتقبّل دعواتها وإن كانت بهمس من أجل هؤلاء الأيتام، أكملت دعواتها وتركت مناجاتها معلّقة في السّماء، خيوط الفجر تحلّق في الأعلى، ضوء الشّمس ينير حجرتها، تئنّ روحها كمداً وحزناً كلّما نظرت إلى الأولاد، طلبت من زوجها علي أنْ يغيّر اسمها وأن لا يناديها من اليوم بفاطمة خوفا على قلوب الأيتام من الوجع والألم، فقالت: من اليوم أنا أسمي (أُمُّ البَنين)
فقرة جدا جميلة .
تردد الصّدى في المكان، لحظات مرت والكل أصبح في متناول الحيرة من فعلتها، غيّرت اسمها وقبلت أن تكون جارية وليست زوجة تقارن بأُمّهم أي سيدة هذه؟ ولماذا هذا الاسم، روح حرّة تركت قيود الهوى وحب الأنا، صمت الجميع لم يكونوا يتوقعون الخبر، ربما أي شيء آخر كان في مخيلتهم، ثمّة شيء يشدها إلى تلك البراءة، كأنّهم حروف من المصحف نزلت للتو من السّماء، تردد على مسامعهم قصة قصيرة عن سر اسمها ( أمّ البنين) اقتربت منها البنت الصغيرة تجلسها بقربها يا سادتي سأقص عليكم رؤية أبي حزام الكلابي في ليلة من الليالي حين كانت أُمّي تقص لي حكاية قبل النوم، كنت أجلس كما تجلسون الآن؟
" يوم ما كان أبي في سفر مع أصحابه، وقد نام فرأى في عالم الرؤيا أنّه قد انعزل عن أصحابه ناحية في أرض خصبة وبيده درّة يقلبها وهو متعجب من حسنها، وإذا به يرى رجلًا أقبل إليه من صدر البرية على فرس وسلّم عليه، وسأله بكم تبيع هذه الدرة عندما رآها في يده، فقال له أبي بأنّني لا أعرف قيمتها حتى أُقدّر لك ثمنها، لكن أنت بكم تشتريها، فقال له الرجل، أنا أيضًا لا أعرف لها قيمة، لكن أهدها إلى أحد الأُمراء، وأنا الضامن لك بشيٍء هو أغلى من الدراهم والدنانير، فقال له ما هو؟ قال أضمن لك به عنده الحظوة والشرف والزلفى والسؤدد أبد الآبدين"..
توظيف قصة ثانية مع هذه النص اسلوب جدا جميلة ، وقلة ما تذكر حتى على المنابر ونقلت النص التاريخي كما هو السياق.
وعند عودته من سفره بشروه بولادتي، وأنّ أمي قد أنجبت له أنثى، فتهلّل وجهه لذلك، وقال في نفسه قد صدقت رؤياي، وقال لهم أسموها فاطمة، وكنّوها بأم البنين، ابتسم الأولاد وعرفوا أنّ الحلم قد تحقق وأنّها الآن شريكتهم في هذه المنزلة بين ثنايا قلبها تجد الكثير من الحب، وبتراتيل الوفاء ترتل على مسامعهم أربعة آيات منها، مضت أيامها معهم، سنين ضاحكة، مستبشرة، عجيبة تلك السنون جمعت ألوان الطّيف ليتها احتفظت بلون واحد!.
الكاتبة نجحت في ايصال الفكرة ونقلت حدث تاريخي جميل وقل ما ينقل.
بين ثنايا قلبها تجد الكثير من الحب، وبتراتيل الوفاء ترتل على مسامعهم أربعة آيات منها، مضت أيامها معهم، سنين ضاحكة، مستبشرة، عجيبة تلك السنون جمعت ألوان الطّيف ليتها احتفظت بلون واحد!!.
بجمرة الأشواق المتزايدة يوما بعد يوم تنتظر سبعة أشهر لتنجب أخاً لهؤلاء الأولاد! وكم هو قاتل الانتظار، يحرق باقي أيامها، فلا سبيل لها غير ذلك، طويلة هي المسافات وإن قصرت، تناغي جنينها بأسمائهم، انقضت ساعات قليلة، الهدوء والسكون يغرقان المكان"
اسلوب بليغ جدا للكاتبة، وهذه الفقرات من اجمل فقرات النص تضرب الأمواج في ذاكرتها، تحتضن بقايا السنين الراحلة.
"عجاف الحزن والوجع، تقدمت البنت خطوة نحوه شاخصة عيناها تعثّرت ولم تبال فمازال نظرها بعيون القلب الجارحة، تحاكي الأيتام وتواسيهم بفقد أمّهم، ولكن تبقى لأرواحهم آهات تسمعها نجوم الليل الهادئ، الأيام تمر ولا توحي بشيء ما داني الحدوث، حتى أنّ العصافير كانت تلهو غير عابئة بأيِّ طارئ".
تذكرت حادثة لم يمض الكثير عليها، أحسّت بشيء يدغدغ ذاكرتها يحاول أن يعيدها إلى ما وراء الأمس، عندما كانوا ينتظرون ولادة أخيهم محسن" تفاصيل جدا جميلة وبليغة هذه الاشارة الى محسن السقيط "وكيف رحل.
" تنطوي السنون، كما تنطوي الصحف، وتبقى عليها أثر بعض التفاصيل، نهار يذهب ونهار يأتي، كزهرة تقاتل من أجل الرّبيع، تعلّم طفلها طقوس الوفاء والتضحية، تطلب منه بـأن ينادي اخوته بألقابهم لا بأسمائهم احترامًا وتقديراً لهم تقول قل له سيدي، فأنت يا ولدي ابن البدوية"
انتقالات سريعة عجلة زمانية والمحافظة على الحدث مقتل أمير المؤمنين وزواج السيدة زينب عليها السلام ، "غاب القَمر دون أن ينير دربها، تعثّرت بالركام، لتعاود المسير مع الأيتام، تحاكي قدرها وتنشد أبيات عزائها، وحده الّليل يسمع صرختها فيلوّن السّماء بلون قلبها،
صورة مشهديه عند الكاتبة جميلة جدا، وتنتقل الى كربلاء ،
كلّ من حولها يذكرها بطيف علي، ضاعت البسمة، واختفت تلك السّعادة من دارها، ها هي رائحته عالقة في زقاق الكوفة، في منتصف السّعادة. وبين كل تلك الأمنيات، جاءت سبع عجاف وأكلت أيّامها، خلجات الحزن تتكسر في قاع صدرها عام الأحزان طرق بابها، أظنّها لن تنتظر طويلاً سيأتي يوم وتذرف بقايا دموعها، اغتال القدر أمنياتها فكانت كمن نكثت غزلها من بعد قوة، ذرفت بقايا الأمنيات عندما علمت بهجرة ولدها الحسين إلى مدينة بعيدة ومعه نخبة من الرجال والنساء ربّما لا يكفي الاحتضان والدموع، في عالم يخلو من الضجيج والحسرات، يغادر الأحبة في فجر الصّباح، جاءته في الصّباح ومعها أربعة أولادها قدمتهم كقربان."
اختارت الكاتبة وصف الانتظار الدقيق وهي مجموعة من صور حركية شاعرية جميلة جدا ، "توالت الأيّام ولم يأت خبر منهم، وحيدة تسكن الدار وترتب أغراض صاحبها هنا بقايا من عطر الحسين، قطعة من القماش كان يرتديها في المعركة تبخرها بتعويذة الفلق، تسكب الماء على عتبة داره لعل صاحبها يعود سالما، مزقها الصّمت، واعتصرها الألم، فلزمت الفراش ولم تقو على الحركة، يكتوي بنار الهجر قلبها."
مهما بعدت المسافة تنذر لعودتهم تزرع الطريق ريحاناً وازهارًا، لكن ليس كل النذور عهود، حتى جاء بشر حاملاً رسالة، وانشد في باب المدينة آيات عزاء، خرجت محدودبة الظهر متعصّبة الرأس، من الذي قتل، تتمنى أن تكون بشارة من حبيبها أو بعض قميص يوسف زمانها الحسين فترد عليها الرؤية، لكن قالها من قبل يعقوب هناك أضغاث أحلام تقتل الرؤيا،
هناك أمور عقائدية ذكرت في النص القصصي جميلة جدا ومن أهم مباني النص فقرة القفلة
"صوت شجي ينعى ما بقى قد يكون النداء الأخير "ذبح الحسين عطشانا"، من تنتظرين بعد، غشاوة سوداء تضرب في عينها تجعلها تفقد البصر لحظة، سقطت ومعها الحسرات والأوجاع مغشيا عليها، ثكلى تودعها الليالي وتقتل ربيعها الأيام، ما زالت تلك الحادثة معلّقة في ذاكرتها، ينتفض جسدها كلّما تذكرت أولادها، تبحث عنهم في دهاليز الأيام. جميل جدا
الكاتبة هنا تراعي الامانة التاريخية من حيث وفاة السيدة الجليلة وحولت الى تساؤل أدبي .
" أصبحت الآن ناخرة الجسد حاسرة الرأس، تداهمها الهموم، ويلاعبها القدر كغصن ذابل، حتّى كسر عودها، و فارقت الحياة بعد صخب الحسرة والوجع، وعندما سألوا عنها قالوا ماتت مسمومة، و جارة أخرى قالت ماتت مقهورة .
في كّل زمان تجد أنّ هناك نسوة تقدّم شيئاً لإمام زمانهنّ فكيف إذا كان الامام هو سيد الشهداء، كما سيكون لنا في ظهور الامام المهدي نسوة كالسيدة اُمّ البنين.
القفلة الادبية كانت رائعة ومناسبة جدا من النص من ناحية لغة والانسيابية الادبية والصور الحركية في النص.
اضافةتعليق
التعليقات