يمثل الاعتدال محور التوازن في جوانب الحياة المختلفة، فمثلما البخل يعتبر من الصفات المذمومة، الإسراف كذلك يمثل صفة مذمومة، والأمر ينطبق مع كل الأفعال والصفات التي تتجاوز حد التوازن وتأخذ منحى الإفراط أو التفريط.
وهنالك مثل مشهور يقول "كل شيء يزيد عن حده ينقلب ضده" فهو يعني بأن كل الأشياء حتى الإيجابية والحسنة منها لو زادت عن حدها الطبيعي انقلبت إلى أمر سلبي.
فالإنسان السوي يجب أن يستخدم قانون "لا إفراط ولا تفريط" في كل مجالات حياته المختلفة، إذ يقول أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام): لا ترى الجاهل إلا مفرطا أو مفرطا"[1].
ومثلما ذكرنا بأن الإفراط يشمل كل زوايا الحياة المختلفة الإيجابية منها والسلبية، ولعل الجميع يتفق على أن قراءة الكتب هو أمر إيجابي وحسن، ولكن الافراط به يعتبر أمرا سلبيا لأنه سيتجاوز من خلاله حد التوازن، ويتحول إلى هوس أو وسواس قهري، أو ما يدعونه اليوم ببلومانيا.
"وهو هوس الكتب أو داء العباقرة أو مرض المثقفين بالإنجليزية: Bibliomania ويمثل مرضا نفسيا وهو نوع من أنواع الوسواس القهري.
غير معترف به على أنه اضطراب نفسي من قبل الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية DSM-IV، تبدأ أعراضه بشكل غير ملحوظ في سن صغير حيث يمتلئ المريض بالبهجة والسعادة لمجرد رؤيته الكتب ثم تتفاقم هذه السعادة في جمعه الكثير منها.
كما وأشار بعض الخبراء النفسيين إلى أن اضطراب «الببلومانيا» أو هوس جمع الكتب حالة متطرفة من حب الكتب، هو نوع غريب من الهوس يطلق على من لديه مكتبة كبيرة تفيض بالكتب، والذي يشعر بالشره الدائم لامتلاك الكتب ولا يعقه شيء في امتلاك أي كتاب يراه، فهو لا يرى سوى كتاب جديد لا يمتلكه ويرغب به بشدة.
ولا يجب الخلط بين هوس الكتب وبين البيبليوفيليا، وهو حب الكتب (الصحي نفسيا)، وبالتالي لا يعتبر اضطراب نفسي إكلينيكي.
لا يشترط المهووس نوع محبب من الكتب، إنما يود امتلاك أي كتاب، تحت ذريعة أنه يمكن أن يحتاجه في المستقبل، فهو لا يتحمل رؤية كتاب ليس ملكًا له، أو حتى مجلات أو جرائد، والببلوماني إنسان على الأغلب يرتدي نظارة طبية ويصاب بصداع مزمن لعدم قدرته على ترك الكتاب الجيد في الوقت المناسب، ويفترض أنه لا يملك رصيد في البنك أو كونه من الأغنياء، لأنه ينفق كل ما يملك من الأموال على شراء الكتب فقط، إضافة إلى ذلك أنه يرفض أن يعير أحدًا كتاب، مهما كان قريبًا منه فهو لا يثق في أحد ولا يأتمنه على كتابه."[2]
ولأن المريض النفسي غالبا يفقد السيطرة على سلوكياته، فقد تجد الكثير منهم يقوم بتصرفات عدوانية أو غير سوية ومن أبرز الشخصيات التي تعاني من الببلومانيا هو "ستيفن بلومبرج" والذي يمثل أكبر سارق للكتب في العالم!
"فقد سرق نحو 23 ألف و600 كتاب من طبعات أولى ومذكرات أصلية بيد أصحابها، وأدين بسرقة 20 مليون دولار أنفقها كلها على الكتب، وقد تم عرضه على أكثر من طبيب نفسي وأكدوا جميعاً بأنه يعاني من حالة متطرفة من الببلومانيا (عشق الكتب والقراءة). وإثر ذلك تم إيقافه وإعتقاله".
بلا شك حب القراءة مثلها مثل الكثير من الأفعال التي تمثل أمرا جيدا للغاية ولكن ما إن يتحول الموضوع إلى هوس حتى يفقد إيجابية ويقود صاحبه إلى ارتكاب أفعال غير مقبولة مجتمعيا ولا حتى دينيا، وتتحول هذه الحالة الإيجابية إلى مرض فيفقد على أثره لمسته الحسنة وينعكس على صاحبها بالسوء وتقوده إلى الظلام، لهذا السبب وصانا الدين بالاعتدال وعدم التفريط في الأمور كلها.
وهذا الأمر يوضح لنا بأن الابتعاد عن المنهجية التي وضعها الدين لنا لن يحقق إلاّ الاضطرابات النفسية والإكتئاب وغيرها من الأمراض النفسية الكثيرة التي سببها الأول والأخير هو الابتعاد عن توصيات الدين.
ولأن القراءة هي من الأمور المهمة التي يركز عليها الدين جدا، فليس من الغريب أن تكون الآية الأولى التي نزلت على قلب رسول الله هي "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ"[3].
ولكن النقطة الأهم هي أن نراعي موضوع الإعتدال وأن نتأكد بداية من أن الغاية الإلهية من وراء القراءة قد تحققت والتي تتمثل:
١-تطور الإنسان سواء من الناحية الفردية (الشخصية، الأكاديمية، المعرفية...).
٢- السعي في كسب العلم والمعرفة في سبيل الرشاد وزيادة مستوى الوعي والإدراك عند الإنسان.
٣-انعكاس العلوم والمعارف المكتسبة على المحيط والمجتمع.
٤-الخوض في المعارف الإلهية والأساليب الدينية التي قدمت للإنسان خارطة من الأوامر والنواهي التي تصنع له حياة مثالية وتطبيقها على الحياة الواقعية واستشعار أثرها على الحياة البشرية، ونقل التجربة إلى الناس العوام.
٥-استشعار الخير من القراءة على النفس أولا وعلى الأسرة والمحيط ثانيا.
وفي النهاية من عاش الحياة وفقا للخطة الإلهية التي رسمها المتعال للبشرية سيستشعر الطمأنينة والاستقرار في حياته، ومن جرب ذلك ثبت له بأن الدين هو دستور الحياة المثالي، والأسلوب الوحيد الذي بإمكانه أن يقود الإنسان إلى العيش بطريقة أكثر سلمية وإيجابية...
فالطمأنينة لن تتحقق إلا بعد أن يلتزم الإنسان بالكتالوج الذي أمرنا الله بإتباعه ليسود الخير والسلام وتعيش البشرية بهناء في هذا العالم.
اضافةتعليق
التعليقات