في مجاهل حياة لاتعرف الرحمة أصبح أهم هدف هو ممارسة الحياة اليومية للناس العاديين وسط هذا النمط من العيش الذي وصلنا إليه عقب الكارثة التي شملتنا جميعا نمطا جديدا من التعامل بين الناس غلبت عليه القسوة معظم الأحيان أو ربما هو محض إمتحان لإنسانيتنا.
ثم نتساءل: مادام جني هذا الخراب كله لنا فما طبيعة الشرور الذي زرعناه؟
لم يكن شروراً مباشراً بل كان عبر الأجيال سم يسري في الأجساد فيكون جيناً متوارثاً من لا يحمله منبوذ في زاوية بيت القصيد أو على رف الحديث المهجور، فتاهت القلوب بين أزقة الأيام وراح أغلبها يبحث عن زيت يوقد شمعة روحه، وأصبح يومه حلقة تكرر نفسها وتعاد كل أربعة وعشرون ساعة فيما قلبه خاوي الأرجاء تنشئ فيه عقدة البحث عن أمان وهمي فخلو القلب يجعل من أركان الروح وهناً على وهن، ليضيع الإنسان بين أبعاده ويفقد زمام الأمور.
أبعاد الشخصية المؤمنة
البعد العقلي: ويعني أن يكون إيمان الإنسان وتدينه قائماً على أساس عقلي وأدلة علمية مستوحاة من القرآن وأحاديث الرسول وآل البيت (عليهم السلام) ومن السنن الكونية، وهو مايسير الإنسان في طريقه فيجعل منه شخصاً طبيعياً.
أما البعد السلوكي: فهو يعني الممارسات الدينية التي يمارسها الإنسان المتدين من صلاة وصيام ومايتبعها.
بينما البعد النفسي: هو المتحكم الأكبر في الإنسان وهو مايقوده نحو الخير أو الشر، لأن النفس هي الدائرة الداخلية في كيان الإنسان التي تتمركز فيها المشاعر والأحاسيس السلبية منها والإيجابية وعلى هذا فإن هذا البعد هو الأهم لأن جل الإنحرافات التي تصيب الإنسان مصدرها النفس وليس العقل.
كما قال تعالى في محكم كتابه في سورة يوسف: {وَمَآ أبَرئُ نَفسِىٓ إِن ٱلنفْسَ لَأمارَةٌۢ بِالسُّوٓءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبىٓ إِن رَبى غَفُورٌ رحِيمٌ}، فالبعد النفسي هو الذي يحدث فيه تفاعل المشاعر والأحاسيس مع وجود الله، مثل الحب والبغض والخوف والرضا والغضب والشوق والمناجاة، هذه المشاعر هي ركيزة الإيمان والمناعة ضد الانحراف والسلاح الذي يشهره المؤمن في وجه الشيطان، وبعد معرفة الأبعاد لابد من تأكيد الجانب المكمل في التحصيل المعرفي وهو القلب، كما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: {أفلَم يَسِيرُوا فِي الأَرضِ فَتَكونَ لَهُم قُلوبٌ يَعقِلُونَ بِهَا أَو آذَانٌ يَسمَعُونَ بِهَا فَإِنهَا لاَ تَعمَى الأَبصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصدُور}.
مفهوم القلب في اللغة والقرآن الكريم
قال أهل اللغة في معناه: هو الفؤاد، والعقل المحض، وخالص كل شيء، وسميت المضغة الصنوبرية قلبا لكونها أشرف الأعضاء لما فيها من العقل وسرعة الخواطر ، والوضع كما يشهد به علم التشريح، وهو سيد البدن، المعول عليه في الصلاح والفساد، ومنه ترد الحياة إلى الأعضاء الجسمية، فهو محل الإيمان والتعقل، والسمع والبصيرة، وكذلك في قوله تعالى: {ولَكِن اللَّهَ حَببَ إِلَيكُمُ الإِيمَانَ وَزَينَهُ فِي قُلُوبِكُم}، وجعله محل رؤية الحق في قوله تعالى: {مَا كذَبَ الفُؤادُ مَا رَأَى}، ثم أنه ورد لفظة القلب في القرآن الكريم في عدة مواضع تبين أهميته كقوله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا} وكذلك في قوله تعالى: {وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}.
فبهذا تتجلى في هذا الإنسان مكوناته المادية والروحية، فهو قبضة من طين، ونفخة من روح، وفي حديث لرسول الله (صلى الله عليه وآله):(ألا وإن في الجسد مضغة: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).
وكذلك في قول الإمام الصادق (عليه السلام):(القلب حرم الله، فلا تسكن حرم الله غير الله)، وهو يجسد صورة تمثيلية واستعارية، حيث يضع على القلب طابع الحرم، والطابع السكني، ويجعلهما موقعاً أو مكاناً لمحبة الله تعالى، فالقلب هو المكان الذي تودع المحبة فيه.
لذلك الإمام (عليه السلام) استعار لقلبك مكاناً هو (الحرم) بصفته المكان الخالص للتعامل مع الله تعالى، وأمرك ألا تشغل هذا المكان بما هو ليس أهلاً له، حينئذٍ لا معنى بأن تسكن سوى الله، وهذا الحب لا يعني خلو الآخرين منه، بل يعني أن محبة الآخر، طلبها الله تعالى، فتكون الظاهرة على هذا النحو، اجعل قلبك خالصا من أجل الله تعالى، أي تحب في الله وتبغض في الله تعالى، وهذا هو منتهى الإخلاص أو الإيمان المطلوب.
إذن، دلالة الحديث المشير إلى أن قلوبنا هي حرم الله تعالى، وضرورة ألا نسكن غير محبة الله تعالى في قلوبنا فإذا تعلقت القلوب بربها طابت لها الدنيا برغم أساها، سائلين منه تعالى أن يمدنا بمحبته، وأن يوفقنا إلى ممارسة الطاعة، إنه سميع مجيب.
اضافةتعليق
التعليقات