يعد مفهوم الاعتدال من المفاهيم ذات الأهمية الأساسية في المجالات كافة وهي مجموعة من القيم تمثل انعكاسات فعلية لدى الإنسان وتفاعله مع أزمات ومواقف على صعيد المجتمع أو الأمة، والاعتدال هو التزام المنهج العدل الأقوم، والحق الذي هو وسط التفريط والتقصير، كما يعرف انَّه الاقتصاد والتوسط في الأمور.
وما التعصب إلا سبب رئيسي لتفرقة المجتمعات وتشتتها، وهو فتيل الفتنة والاقتتال بين فئات الشعب الواحد والأمة الواحدة، والتعصب هو رفض الآخر ورفض التعايش والتوافق معه، ونجد الأسباب المؤدية للتعصب وعدم الاستقامة هو الجهل أو التخلف العرفي وضيق الأفق أو الفهم الديني الخاطئ، أو غياب أخلاقيات التعامل مع المخالف، ولما كان الاعتدال في الإسلام يعني العدل والتوازن والاستقامة والحكمة، قد حذر من كل مايخالف منهج الاعتدال، وبلا أدنى شك أَنَّ الإسلام حضاري، فهو يقدم للبشرية نموذجا من التكامل لا تجد مثله فى أي نظام عرفته الأرض، من قبل الإسلام ومن بعده سواء، وقدم للإنسانية علاجاً كاملا لمشكلاتها، فأكد القرآن على وحدة المجتمع وتماسكه، بمعنى ينبغي أن يتخذ المجتمع من الاعتدال والتوازن طريقاً للحياة وهذه مهمة النخب المعنية بهذا الأمر.
وإذا تحقق ذلك مع مرور الزمن، فإن المجتمع سيكون في هذه الحالة صانع الاستقرار. وهو المحفز على التغير والإبداع والتجدد وهو الطريق الأمثل نحو بناء دولة مستقرة تسعى إلى التطور والتقدم. فالاستقامة والاستواء، هو وسط بين الغلو والتنطع، والاستقامة: هي التمسك بأمر الله فعلاً للطاعات، وترك المعاصي والسيئات، قال الله - تعالى -: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود] .
أمر الله في هذه الآية النبي"صلى الله عليه وآله" وأمته بالاستقامة على شرع الله ونهاهم عن الطغيان؛ فالله يريد منا استقامة بلا طغيان فالاعتدال من المفاهيم ذات الأهمية الأساسية إذ هي تعامل الإنسان ضمن نظام حضاري، يعكس اعتدال أفكاره وتقبل اختلاف الآخر.
كماهو أمر ضروري وجوهري في حياة المجتمعات الحديثة، مما له أثر كبير في اشاعة وحدة المجتمع وسبباً لتطورها، وهي ليست مجرد ترف فكري وإنما هي ووفق جميع الاعتبارات الأسلوب الأساس القادر على جعل المجتمع مكاناً صالحاً للحياة سواء. والاعتدال هو بلسم العلاقات مع الآخرين، وروح الاتصال الصحيح ومن دونه تصبح الحياة جافة جدا وتفقد قيمتها، ولايصبح للاتصال معنى ولا روح وهو أساس مهم جداً في العلاقات البشرية.
ويرى العالم (ديفسون) أن الشخص المعتدل اجتماعياً يكون فرداً موجها نحو الآخرين أكثر من توجهه نحو الذات ويتميز بقابلية الصفح مع من أخطأ بحقه. فالإنسان له حرية الفكر وحرية التعبير وحرية التصرف، وإبداء رأيه، واحترام شخصيته كإنسان بصرف النظر عن جنسه وعرقه ولونه؛ وإنما تكريمه يأتي من كونه هذا الإنسان الذي كرمه الله على سائر مخلوقاته، سواء بإرسال الرسل إليه وهدايته، أو بمنحه هذا العقل الذي هو أداة التفكير والتميز والاختيار بين المتناقضات والبدائل، أو حينما قرر أنه محاسب على مابدر منه وسوف يبعث لكي يحاسب على أعماله الخيرة أو الشريرة.
قال الله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى}. والمتأمل في آيات القرآن يلحظ أنه كتاب طواف في الكون، متغلغل في شؤون الحياة يتناولها بالسرد والحكم، ويشرح وصاياه للفرد والمجتمع والدولة، فلايدع ريبة ولا شبهة إلا أزاحها. يستحيل أن يفرط في قضية تعني الناس من معاشهم أو معادهم. وهو دين الشمول. يشمل الأمة بكل شعوبها وأوطانها، التي جعلها الله أمة وسطا. بعيدة في كل شؤونها عن الحديَّة، وهذا ما يؤهلها للشهادة على الأمم.
فيجب على المسلم أن يستقيم على شرع الله بلا غلو وطغيان؛ فلا يقصر عن الاستقامة فيقع في التفريط، ولا يجاوز الحد فيقع في الإفراط، فالغلو في الدين أو في المعاملة ضرره عظيم وشرُّه مستطير، وآثاره سيئة للغاية على الفرد نفسه وعلى أسرته، وعلى مجتمعه وأمته. كما إن الحياة الهادئة لا تصلح بغير توسط في الأمور وإن التوفيق بين متطلبات الدين وشؤون الدنيا والمصالح العامة والخاصة أمر مرهون بتوافر القدرة على انجاز المهام كلها، فالمطلوب أن يكون الإنسان بكل ماتحمله هذه الكلمة من مضامين عالية وثمينة، حب الإنسانية والتضامن مع الناس، والتعاطف الوجداني والاحساس بوجودهم. ولابد من السعي لتفعيل دور قيّم الاعتدال، وتهيأة وتفعيل الأفكار والآراء للتعامل مع القضايا الأخلاقية بأسلوب يتسم بالسلم الأهلي والمرونة والترويج لتنمية الشعور باحترام الآخر، والاعتراف به وبحقه في ممارسة أفكاره، وعقائده بالطريقة التي يؤمنون بها.
ولابد من السعي الحثيث لنشر ثقافة الاعتدال في المجتمع بشأن التعريف بالثقافة الوسطية وتوظيفها في الإصلاح، من خلال تنظيم وتوظيف تكنولوجيا المعلومات الحديثة ومواقع التواصل الإجتماعي، فهي الأسرع والأنفع، بالإضافة إلى دور المدرسة الكبير في التربية، وتطوير المناهج التعليمة الحديثة المجددة بما يخدم خطاب الاعتدال.
وبالتأكيد لا نغفل عن دور الأسرة وتوجيهها للأبناء وتربيتهم على الاستقامة وإلالتزام بكتاب الله كونه المرجع الأول في تربية الإنسان وتقويم سلوكه وفق النواهي وماهو مشروع للإنسان. كما أنَّ من الضروري تنظيم حملات إعلامية تهدف إلى توعية المجتمع، وتوسيع دائرة الدورات التثقيفية للشباب ومالها دور كبير لنشر فكر الاعتدال، فالعالم أحوج مايكون إلى استجلاء الأهداف الإنسانية للوصول إلى مجتمع قادر على استيعاب الحياة الكريمة بكل أفرادها.
اضافةتعليق
التعليقات