ندوب غائرة تجرها نظرات شاردة، المشاعر كأس من زجاج يترقب شظاياه وهي تتناثر ويعلو الوجه ابتسامة حائرة، تجر الخطى بعضها والأوراق تطبع واحدة تلو الأخرى، الاسم يعلو الاستمارة، واحدة هنا وأخرى هناك مع كل إعلان عن وظيفة شاغرة.
إعلان ينتظره أغلب الشباب الخريجون، وبالمناسبة أن تكون عراقي يعني جملة (خريج يبحث عن وظيفة)، هي نكتة بكل المقاييس، ببساطة مايتضمنه أهم شرط إعلان وظيفة شاغرة هذه الأيام هو:
خبرة لا تقل عن مدة معينة التي لو كانت متوفرة لدى المتقدم لما كان في هذه المقابلة أساسا فاليوم الحصول على وظيفة في بلد الخيرات هو أشبه بمعجزة تجعل صاحبها يحتضنها بكلتا يديه وإن احتاج الأمر لجعل من القدمين يدين أيضاً ،يبحثون عن خبرة والخبرة لا تتكون دون عمل والعمل لن يأتي بلا خبرة إذاً اترك نفسك في السوق السوداء بعد كل هذا العناء، وفي حقيقة الأمر الوظيفة تحتاج إلى يد خفية وجيب ممتلئ وما يثير السخرية هو واسطة قوية إن وجدت فلن تحتاج لأي من شروط التقديم حتى وإن كنت لا تجيد اللغة العربية نطقاً ومضموناً.
يحكى أنه في إحدى الغابات أعُلِن عن فرصة عمل شاغرة لشغل وظيفة أرنب، لم يتقدم أحد للوظيفة غير دب عاطل عن العمل، وتم قبوله وصدر له أمر تعيين.
بعد مدة لاحظ الدب أن في الغابة أرنبا قد تم تعيينه بوظيفية (دب) ويحصل على راتب ومخصصات وعلاوة دب. تقدم الدب بشكوى إلى مدير الإدارة فجرى تحويل الشكوى إلى الإدارة العامة، وتشكلت لجنة من الفهود للنظر في الشكوى، تم استدعاء الدب والأرنب للنظر في القضية. وطلبت اللجنة من الأرنب أن يقدم أوراقه ووثائقه الثبوتية. فكانت كل الوثائق تؤكد أن الأرنب دب.
ثمّ طلبت اللجنة من الدب أن يقدم أوراقه ووثائقه الثبوتية فكانت كل الوثائق تؤكد أنّ الدب أرنب!، فجاء قرار اللجنة بعدم إحداث أي تغيير لأن الأرنب دب والدب أرنب بكل المقاييس والدلائل. لم يستأنف الدب قرار اللجنة ولم يعترض عليه. وعندما سألوه عن سبب موافقته على القرار أجاب:
كيف أعترض على قرار لجنة الفهود والتي هي أصلا مجموعة من الحمير، لكن أوراقهم تقول إنهم فهود!
هذا ببساطة هو حال الباحثين عن وظيفة دون أن يمتلكوا يداً أخرى فهم أشبه بدب الغابة بلا استئناف فلا فائدة منه سيكتفون بوظيفة الأرنب إن وجدت، أما شهادتك الجامعية فهي مجرد معلومات تكتسبها للنقاشات العائلية أو إن أحببت قم بنشرها لمجرد التسلية أو معلومة عابرة للقراء الذي يبحثون عن فائدة إن وجدوا.
وهذه معلومة جامعية من اقتصادي عاطل عن العمل: (مؤشر البؤس في أبسط صوره يتم حسابه بجمع معدلات البطالة والتضخم، ويقيس معدل البطالة نسبة من لا يستطيعون الحصول على فرصة عمل مقارنة بإجمالي القوة العاملة في السوق، بينما يقيس معدل التضخم نسبة الزيادة السنوية في أسعار سلة من السلع والخدمات الرئيسية في السوق، وبطبيعة الحال يكره الناس ارتفاع معدلات البطالة والحاجة للجلوس على المقاهي طويلا في انتظار فرصة عمل، كما يكرهون الارتفاعات الكبيرة والمتكررة في الأسعار، ولذلك كلما ارتفع قياس المؤشر، كلما ساءت حالة الناس الإقتصادية وازدادوا بؤساً، حتى وإن حقق الاقتصاد معدلات نمو مرتفعة في نفس الفترة).
ربما في السنين القادمة سنتلقى معلومات من شهادات طبية عاطلة عن العمل تلجأ لأعمال لا تمثلها ولا تمت لجهودها بشيء، إن الشباب وهم في أوج اندفاعهم وحماسهم لمزاولة الأعمال التي تثبت وجودهم وتساعدهم في تحقيق ذواتهم، سيشعرون بكم كبير من الإحباط واليأس عندما تبوء كل محاولاتهم في البحث عن عمل يتناسب مع قدراتهم الفكرية والجسدية والعلمية بالفشل، مما يؤدي إلى تراجع الهمم وفتور القدرات وتثبيط العزيمة، فيذبل الشباب اليانع داخلهم كما تذبل أوراق الشجر في الخريف.
عندها يبدأ الشباب بالبحث عن حلول بديلة خارج أوطانهم ومجتمعاتهم وسيزداد الأمر سوءًا، ولا بد أن يُدق ناقوس الخطر الذي ينذر بدمار اقتصادي واجتماعي، ويؤدي إلى تحولات كبيرة وعظيمة وسلبية في بنية المجتمع، وبكل واقعية بعيداً عن التمجيد والمثالية نحن بحاجة لإعادة بناء دولة وليس تصحيحها فهي غير صالحة للعيش.
اضافةتعليق
التعليقات