الحفاظ على الخصوصيات الثقافية داخل المجتمع العربي المسلم لا يعني العزلة والتمترس، ولا يتنافى مع التعايش بين الثقافات وتبادل المنافع بينها وإظهار مكنوناتها الإنسانية التي قامت على تكريم بني آدم، مهما بشّر بعض المثقفين المتعجلين بسيطرة النظرة العولمية على هذا الكوكب، قال تعالى: "ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا".
فادِّعاء سيطرة العولمة قد يثبت المستقبل القريب عدم فاعليته، لا سيّما مع التواتر بين المثقفين والمفكرين على أن الدعوة إلى العولمة في كل شيء لم تثبت جدواها؛ لأنها تسير في اتجاه واحد، في ضوء شيوع نظرية المركز أو المحور والأطراف، وأنّ الأطراف ينبغي أنْ تخدم المركز، وأنّه لم يظهر في الأطراف علماء مؤثرون، بل متأثرون، بحيث أصبح الإنسان في الأطراف غير مؤثِّر، حتى إذا ما "رحل" المرء إلى المركز "لا يلبث أنْ يصبح عالماً مرموقاً أو باحثاً لامعاً بعد الهجرة إلى إحدى الدول الرأسمالية المركزية والانخراط في بنائها المركزي المتكامل".
ولذا فلا بُدَّ من التركيز على هذه الخصوصية الثقافية الدافعة لا الحاصرة، وأخذها في الحسبان عند سنّ النظم والقوانين الغربية التي تحكم العلاقات الإنسانية والاجتماعية، وذلك من منطلق أنّ "كرامة الإنسان وحقوقه أمرٌ لازمٌ وثابت له قد ينطلق من معتقد ديني أو نصٍّ قانوني أو موقف إنساني، لكن حقوق الإنسان تبقى في النهاية أمراً لا بُدّ من سعي الأفراد والدول والمنظمات الدولية والجمعيات والمؤسسات المدنية للدفاع عن هذه الحقوق والمحافظة عليها".
لا تعني الخصوصية الثقافية القطيعة الحضارية مع الثقافات الأخرى، فهذه خصوصية حاصرة لا دافعة، كما لا يعني الانفتاح المطلوب على الحضارات مجرّد المحاكاة المتطلبة نكران التراث النافع في مقابل الأخذ بأسباب المعاصرة والحداثة. هذا الموقف يعبر عن صراع مصطنع بين الأصالة والمعاصرة، لا ينبغي الاستسلام له من منطلق تناقض المفهومين وادّعاء تعذُر اجتماعهما في مسيرة حضارية واحدة، في ضوء الخصوصية الدافعة، لا الحاصرة. فلا انغلاق على التراث ولا انفتاح على الحداثة يفضي إلى الانسلاخ من الأصالة. إنها نظرة توازنية فيها قوة في عامل الثقة، وفيها اعتراف بالحاجة إلى الإقلاع.
اضافةتعليق
التعليقات