من بين النخيل لاحت قُبة زرقاء في سماء قد تدنت غيومها لتنال شرف معانقتها، سكينة تملأ المكان وهيبة تُخرس اللسان، عند الباب وقبل الدخول سمعت حلقة الباب تتساءل بحرقة، أينكم من إذن الدخول؟ هل تعلمون في ضيافة من أنتم في هذه اللحظة؟ أنتم على أعتاب بيوت أذن الله أن تُرفع ليُذكر فيها ويُطاع، أتعرفون عند أي كريم أنتم؟ هُنا ملاذ من اشتدت عليهم الصعاب وصرعتهم الدُنيا بالإبتلاءات..
أجبت: بلى عند السيد محمد، وماذا تعرفين عنه، جاءني السؤال، رحت أجوب ذاكرتي لأخرج بكُل ما هُناك عن السيد محمد، هو ابن إمامنا الهادي وعم مولانا المهدي عجل الله تعالى فرجه، وهو من خيار أبناء الأئمة عليهم السلام.
استوقفتني وقالت قبل الدخول لحرمه اسمعي مني شيء عنه: هو السيد محمد ابن النور العاشر الهادي ترعرع في كنف والده فنشأ على التقوى والورع والعلم والعبادة، ولد من السيدة الجليلة (سليل)، التي حت بشرف قول الإمام الهادي عنها:(سليل مسلولة من الآفات والأنجاس) لسمو مقامها وطهارتها.
أربع وعشرون عاماً في جانب والده كانت كافية لتكون منه صورة أخلاقية إنعكاساً لصورة والده وأخيه سادات الأخلاق.
هل تعرفين لقبه؟ بلى أجبت بسرعة العارف، سبع الدجيل، وهل تعرفين سبب تسميته بهذا اللقب، فكرت قليلاً وقلت أعرف أن هذه المنطقة تُعرف بالدجيل ولكن لا أعرف بالضبط سبب تسميته بهذا الاسم، قالت: لُقّب بـ (سبع الدجيل) لما ظهر عبر مر الزمن من حماية لزواره من اللصوص وقطاع الطرق الذي كانوا منتشرين في كل مكان، فكان لا ينال أحداً من زائريه أيّ أذى حينما يقصده، وهذا اللقب من أشهر ألقابه، ورُوي إن سبب إطلاق هذا اللقب عليه: إن قبره الشريف كان مكاناً خالياً من الناس وقراهم وهو يبعد عن بلد بـ (خمسة كيلومترات)، ومن المعلوم إن مثل هذه المناطق الخالية تكون مرتعاً للصوص وقطاع الطرق فكان الزائرون لمرقده الشريف يشاهدون سبعاً ـ أسداً - ضارياً يجوب الأرض حول القبر وهو لا يدع أحداً من اللصوص يصل إلى زواره بسوء.
هيا اقرأي إذن الدخول وادخلي جنته، عند الباب المؤدي لضريحه قفي وسيُكمل الباب سرد مايعرفه عن هذا السيد الجليل، انحنيت هذه المرة بخضوع أكثر، فكم مقصرة أنا في معرفة هذا العظيم، دخلت حرمه فهب نسيم الروحانية من جدرانه يحمل حرمه نفحات مهدوية علوية، سلالة شاء الله أن تعلو لها في كُل البقاع قباب ومنارات تهدي الضائعين وترفع المستضعفين وتُظهر قدرة رب العالمين.
وقفت على الباب أقبله تبركاً، همست أن زدني معرفة بالسيد محمد، فبدأ بالصلاة على محمد وآله وقال: كان عليه السلام في حياته منهلاً لرواد العلم وطالبيه من بلدان شتى، فكان يرجع إليه البعيد والقريب في جميع ما كان يواجههم من مشاكل ومسائل.
وحتى بعد وفاته كان ومازال العلماء يلوذون بقبره ويرتشفون من نبع إخلاصه في خدمة الدين، قال الشيخ عباس القمي في منتهى الآمال: (وأما السيد محمد المُكنى بأبي جعفر فهو المعروف بجلالة القدر وعظم الشأن، وكفى في فضله قابليته وصلاحه للإمامة وكونه أكبر ولد الإمام علي الهادي (عليه السلام) وزعم الشيعة أنه الإمام بعد أبيه لكنه توفي قبل أبيه).
دخلت لضريحه ما أن لمحت الشباك حتى انسابت قشعريرة الهيبة في جسدي فطأطات رأسي إجلالاً، وأخذت أجر بذاتي إلى دفء قربه ولساني يردد: ( السلام عليك أيُّها العبدُ الصالح، المطيعُ للهِ ورسولهِ، السلام عليك يا محمّدَ بنَ عليّ الهادي، ولا حَرَمنا الله بركتَك وبركة آبائك الطاهرين، ورزقنا اللهُ شفاعتَكم يومَ الدِّين).
عند تشرف يدي بمسك شباكه انتبهت لوجود قطعة خضراء (علك) معقودة، سمعتها تقول قد عُقدت هنا قبل ساعات وكُنت آخر الآمال لصاحب حاجة مستعصية وقُضيت حاجته الآن، فعند باب الحوائج تُقضى الحوائج.
اضافةتعليق
التعليقات