يقول تعالى في القرآن الكريم: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر/ 9)، ويقول: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طه/ 114). وتؤكّد الأحاديث ضرورة التعلّم في الصّغر، باعتبار أنّه كالنقش في الحجر، وأن التعلم في الكبر كالنقش على الماء، وما إلى هنالك من أحاديث تشدّد على ضرورة الاهتمام بالعلم.
يلعب التعليم دورًا مهمًا بالنسبة للفرد والمجتمع، إذ يعد الهدف الأساسي من التعليم هو مساعدة كل فرد على تنمية قدراته المعرفية والإدراكية الخاصة، كما يركز على تنمية القيم والمواقف والسلوكيات الّتي تُمكّن جميع أفراد المجتمع من تعلّم العيش بسلام معًا، وفي عام 1960 ميلاديًا أقرّت اليونيسكو بضرورة تكافؤ فرص التعلّم لدى جميع أفراد المتجمع لجميع الفئات العرقية والقومية والدينية، إذ يعد التعليم هو الطريقة السريعة لمساعدة الناس في تحسين معرفتهم وخبراتهم، إذ ينعكس التعليم على المجتمع كثيرًا، ومن أهمية التعليم في بناء المجتمع أنه يساعد في التركيز على الجانب الإنساني الاجتماعي، ويساعد بتحسين حال المواطنين؛ لأنه عن طريق التعليم تنشر الثقافة والتوعية، كما يساعد في جعل المواطنين مسؤولين على القيام بواجباتهم الوطنية.
ويهدف التعليم أيضًا إلى إصلاح المواقف والأفكار الخاطئة الّتي تكوّنت عند الأطفال، كما يعمل التعليم على محي التصرّفات الخاطئة الّتي تؤثّر على المجتمع كالعنصرية، والكراهية، إضافة إلى تحسين قيمة المواطن، ومساهمته في التكافل الاجتماعي وجعل المواطنين يدركون أهمية التعاضد والتعاون لمحاربة أيّ ضرر يلحق المجتمع؛ لأنه يكون حينها شخصًا مسؤولًا يدرك مسؤولياته وواجباته الّتي من المفترض أن يؤديها، كما يجعل الناس على اطّلاع دائم، ومع التعليم المناسب يأتي الوعي المجتمعي السليم، الأمر الّذي يؤدي إلى تفاعل المواطن مع الأحداث الّتي تجري في المنطقة بطريقة حضارية ومناسبة.
إنّ التعليم حقّ أساسي من حقوق الإنسان وشأن جميع حقوق الإنسان، فهو حقّ للجميع وغير قابل للتصرّف، بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو العرق أو الوضع الاقتصادي. إنّ حقّ التعليم هو الحقّ في التعلّم: شحذ العقل لكي يكون ذاته.. لكي يكون الإنسان نفسه.
أهداف التعلم:
- توسيع وتحسين الرعاية في مرحلة الطفولة المبكرة، والتعليم، وخاصّة للأطفال الأكثر ضعفاً.
- تكمن أهمية التعليم في مرحلة التعليم المبكر بوصفها المرحلة الأساسية لتشكيل شخصية الفرد، وبناء معارفه ومهاراته الأولى التي توجه مسار حياته المستقبلية في كافة شؤونه العامّة والخاصّة.
- كفالة أن يتمكن جميع الأطفال وخاصّة الفتيات والمحرومين، من الحصول على تعليم ابتدائي مجاني وإلزامي ذي نوعية جيِّدة.
- القضاء على التفاوت بين الجنسين في التعليم الابتدائي والثانوي وتحقيق المساواة بين الجنسين في التعليم.
- كفالة تلبية الاحتياجات التعليمية لجميع الشباب والكبار من خلال الحصول على التعليم بشكل متساوٍ، وتنفيذ برامج المهارات الحياتية.
- تحسين مستويات محو أمية الكبار بنسبة 50 في المائة بحلول وخاصّة في صفوف النساء، وتوفير تكافؤ الفرص للحصول على التعليم الأساسي والتعليم المستمر لجميع الكبار.
- تحسين جميع جوانب نوعية التعليم وضمان تفوق نوعيته.
ويكمن وراء هذه الأهداف الإدراك بأنّ الحصول على التعليم وحده لا يكفي – إذ إنّ نوعية التعليم ومدته يتمتعان بنفس القدر من الأهمية. وفي كثير من البلدان النامية، يصل أقل من 60 في المائة من تلاميذ المدارس الابتدائية الذين يلتحقون بالصف الأوّل إلى الصف الأخير من التعليم المدرسي. لا يكمن الهدف في التحاق الأطفال بالمدرسة فقط، بل يجب عليهم أن يكملوا الدراسة. ويجب أن تكون قيم ومبادئ حقوق الإنسان القوّة الموجهة في الفصول الدراسية.
في الواقع، تعتبر أهداف توفير التعليم للجميع في غاية الأهمية من أجل تحقيق جميع الأهداف الإنمائية للألفية. وباستطاعة التعليم أن يحسّن الصحّة، ويزيد من الاستدامة البيئية، ويساعد على القضاء على الفقر والجوع. وفي المقابل، فإنّ تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية سيساعد الأطفال على الاستفادة من الحصول على التعليم ذي النوعية الجيدة.
يتطلب تحقيق التعليم للجميع التزاماً عالمياً حقّاً، ويجب أن تعمل الحكومات والمجتمع المدني ووكالات التنمية ووسائل الإعلام معاً من أجل مساعدة جميع الأطفال، في جميع البلدان في العالم، لتحقيق حقّهم غير القابل للتصرّف في التعليم الجيِّد.
رسالة التعليم
لكن الإسلام يترك قضية وضع النظام التربوي كمفردات تفصيليّة، لجهة أسلوب التعليم ومناهج التعلم وما إلى ذلك للإنسان، باعتبار أنّ هذه الأمور تختلف من شعب إلى شعب، ومن زمن إلى زمن. لذلك، لم يضع له أيّ تشريع تفصيلي، بل ترك أمر اكتشافه لخبرات الإنسان ذاته. ولكنّ القاعدة الأساس في هذا النظام، هي إعلاء قيمة العلم أوّلاً، وتنظيم العلاقة بين العالِم والمتعلّم، والّتي يجب أن تقوم على الاحترام الشّديد.
تعتبر رسالة التَّعليم مهمة، لأنَّها تتّصل برسالة الأنبياء والرّسل الذين اصطفاهم الله لإخراج النّاس من ظلمات الجهل والخرافة إلى نور العلم والمعرفة، رسالة التّعليم لها بعدان أساسيّان؛ الأوّل تربويّ، والثاني تعليميّ. البعد التربوي يتعلّق بزرع حبّ التعلّم، والبحث عن الحقيقة، والتزام الأخلاق، وحسن المعاملة والسّلوك مع النّفس ومع الأصدقاء والمجتمع ومع الله سبحانه وتعالى، وهو من الأهميّة بمكان كبير في صياغة شخصيّة المتعلّمين، الذين من المهم أن يلتزموا بالقيم الأخلاقيّة والإنسانيّة في معترك الحياة الخاصّة والعامّة، ومن ثم يأتي البعد العلميّ الذي يشمل توضيح الحقائق والمعلومات والمفاهيم والقوانين والأنظمة العلميّة التي تخضع لها جميع الكائنات من الذّرة إلى المجرّة، من خلال النّظريات والتّطبيقات العمليّة، لتقريبها إلى أذهان الناشئة وعقولها، بالانطلاق من السَّهل إلى الصّعب، ومن المسلّمات إلى الحقائق، باستخدام الوسائل التعليميّة المتعدِّدة، ولا سيّما منها السّمعيّة والبصريّة والتكنولوجيّة.
لذلك من الضروري أن يتحلّى المعلّم بالأخلاق الحميدة والسّيرة الحسنة، وأن يحاول أن يكون قدوة حسنة لتلاميذه قولاً وفعلاً وسلوكاً، إلى جانب إتقانه مادّته التعليميَّة، واعتماد الأساليب والطّرق التدريسيّة الحديثة الفاعلة والتفاعليَّة، وأن يبتعد عن أسلوب التّلقين، كما عليه أن يجدّد في عمليّة التحضير اليوميّة والأسبوعيّة والسنويّة، أي في خططه التّعليميّة، لتتناسب مع المتعلّمين، انطلاقاً من الحديث النّبويّ الشّريف: «أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم».
وأخیراً، لكي ينجح المعلّم في رسالته، عليه أن يتحلّى بالصّبر وطول البال ورحابة الصّدر، وأن يستوعب طلابه، وأن يحفِّزهم لطلب العلم، كما ورد في الدّعاء المرويّ عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف): «وتفضّل على علمائنا بالزّهد والنّصيحة، وعلى المتعلّمين بالجهد والرّغبة»، أي أنّ على المعلّم أن يرغّب تلامذته بطلب العلم، ويعمل على تشجيعهم ليبذلوا الجهود الكبيرة المطلوبة منهم، لامتلاك المعرفة واكتشاف أسرار الحياة والمادّة والكون.
اضافةتعليق
التعليقات