السعادة هي الكنز الثمين الذي يبحث عنه كل الناس، ويسعى لبلوغه كل واعٍ بإن قيمته وراحته تبدأ مما يَحوي عالمه الداخلي الذي يعيشه، والذي بطبيعة الحال ينعكس على عالمه الخارجي المُعاش؛ فهي تقرن بالثمار الأبقى ذات المقدمات المعنوية الأنقى.
وهنا إمامنا الصادق (عليه السلام) يُعطينا خريطة بأربع خطوات لتحصيل تمام السعادة وليس كمالها أو درجة من درجاته، وذلك بقوله (عليه السلام): [ما كل من نوى شيئا قدر عليه، ولا كل من قدر على شيء وفق له، ولا كل من وفق أصاب موضعا له، فإذا اجتمعت النية والقدرة والتوفيق والإصابة فهنالك تمت السعادة](١).
بلى! تمام السعادة ذلك الشعور الوجداني الجميل، الذي يُعطي للإنسان طاقة وحيوية واستمرارية، متى ما بلغ مراده، أو نجح في خطوة من خطواته بأي ميدان، فكلما كان الإنسان سائراً وفق هذه الخريطة فإن سعادته لن تكون منقوصة أو مشوبة أو حتى مؤقته بل تامة.
إذ إنه (عليه السلام) بدأ حديثه بنفي تحصيل تمام السعادة عند طالبها متى ما انتفت أحدى هذه الخطوات، ففي ذلك تنبيه وتحفيز لنكون من أهل الحرص والدقة في سيرنا، فهو صلوات الله عليه من أهل معدن العلم، فلكل خطوة محلها الخاص، وعلى أثرها يترتب ما هو آت.
فالنية دون حركة خارجية يعني فكرة ضائعة في عالم الخيال، والجهل بالقدرات والإمكانيات فينا يعني اتلافها أو بذلها في غير موضعها الصحيح، أو ضياعها بالإهمال وعدم تنميتها وتطويرها، فيكون وجودها مكنونة فينا، معدومة الفعالية في واقعنا، بل وقد ينظر صاحبها لنفسه على إنه مفتقر لها، فيعيش تعيسا!.
كما إن ترجمة النية إلى قصد وحركة، وتحويل الفكر إلى فكرة، لكن بنية غير طيبة يعني عدم الوصول إلى الخطوة الثالثة وهي التوفيق، فنحرم - بالنتيجة الخطوة الرابعة- فلا نصيب الموضع الصحيح في تنفيذها.
فكمال السعادة قد يَحصل من كل ثمرة تجنى أو أثر يترك بعد حياة ذلك الإنسان دنيويا، لكن تمام السعادة لا يستحصل إلا بأن يكون لذلك تجسيد طيب وزاد جيد له في عالم الحياة الآخرة الأبدية، إذ قال تعالى: ((مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلْأخِرَةِ نَزِدْ لَهُۥ فِى حَرْثِهِۦ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِۦ مِنْهَا وَمَا لَهُۥ فِى ٱلْأخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ)) [الشورى:٢٠].
فالنية لابد أن تكون بالأصل لأي هدف أو عمل هو لبذل النعم المعطاة لنا من الله تعالى في كل ما يُحب ويرتضي لننال التوفيق ونصيب في كل خطوة نتحرك بها، فنضعها فيما فيه سيرفعنا ويكون لنا في ذلك اليوم العصيب ذخرًا.
إذن الخطوة الأولى هي [النية] أي أن نوجد النية الصادقة لكي نتمكن من الوصول للخطوة الثانية وهي الإرادة القوية، التي بها تترجم النية إلى بلوغ المقصد، وعمل خارجي؛ فنبصر ما موجود لدينا من [قدرات] ومواهب وإمكانيات وهي الخطوة الثانية، ثم نصل للخطوة الثالثة وهي [التوفيق] أي هداية الله تعالى التي نعرف بها كيف نُسخر قدراتنا، وفي أي مكان أنفع نضعها ونبذلها، وهي الخطوة الرابعة [الإصابة].
-----
اضافةتعليق
التعليقات