كنت في رحلة عمل إلى إحدى الدول الأجنبية تتطلب مني البقاء أسبوعا في مدينة تعج بأناس تختلف كل الاختلاف عن البيئة التي تربيت فيها، وبعدما أتممت صفقتي الأولى استضافتني الشركة الخاصة للعمل إلى احدى الفنادق الفارهة، تلك التي تستقبل ضيوفها ب(كاربت) أحمر، وقهوة تركية من الدرجة الأولى.
وبعدما أتممت شرب قهوتي اتجهت مباشرة إلى غرفتي لأرتاح قليلا، بصراحة كانت جميلة جدا، وذات اطلالة رائعة على المدينة..
وبعد قضاء وقت قليل في الاستحمام اتجهت إلى الهاتف وطلبت رقم مطعم الفندق وطلبت وجبة عشاء خفيفة، ومع أن أجواء المدينة كانت تثير شغف أي انسان بأن يتسكع في أزقتها ويكتشف أماكن جديدة ويتناول الطعام في الخارج ولكني كنت منهكا للغاية إذ قضيت يوما طويلا جدا ولم يعد في وسعي أن أتحرك شبرا واحدا خارج الغرفة.
وبعدما ارتديت ملابسي رميت بنفسي على السرير الملكي لارتاح قليلا ثم راح نظري على الطاولة التي احتوت زجاجة نبيذ فاخرة!.
بصراحة لم أعلم ما نوعها ولكن من زجاجتها وطريقة تغليفها كانت تبدو غالية الثمن، تفاجأت بالبداية من وجودها في غرقتي، ولكن بعدها تذكرت بأنني لست في دولة إسلامية!، وهنا لا يحرمون الخمر.
وبعد لحظات طُرق الباب وجاؤوا بالعشاء الذي كان نباتيا للغاية لكوني لست متأكد من أنهم يجهزون الطعام ويذبحون الذبائح بطريقة إسلامية وشرعية وهل يحتوي طعامهم على منتجات الخنزير أم لا، أتممت عشاءي بهدوء وغرقت في نوم عميق.
وانتهت مدة بقائي في هذه المدينة الجميلة ووظبت أغراضي للمغادرة.
اتجهت إلى (الريسبشن) وأكملت إجراءات مغادرتي للفندق وشكرتهم على خدمتهم الرائعة، وبعدما تفقدوا الغرفة سألني الموظف حائرا، لقد كانت زجاجة النبيذ ضيافة الفندق لكم، لماذا لم تحتسوها؟، ألم تعجبكم؟ ولكنّا حاولنا جاهدين بأن نختار أفخر أنواع النبيذ لضيوفنا الأعزاء.
ابتسمت له وقلت: الأمر ليس كذلك أنا حتى لا أعرف ما هو نوع النبيذ الذي كان موجودا في الغرفة، ولكني مسلم وشرب الكحول في ديني هو حرام، لهذا السبب لم ألمس تلك الزجاجة.
رفع الموظف حاجبيه دلالة على التعجب وابتسم، وقال: نعم أنا سمعت بأن النبيذ محرم في بلدانكم ولكنه لذيذ وأنت لست في بلادك الآن، قلت له: الإسلام لا ينحصر في دولة معينة، ثم إن الله موجود في كل مكان، هنا وهناك وفي كل مكان.
بقي الموظف متعجبا من قوة الوازع الديني الذي يجعل الفرد يسيطر على رغباته وشهواته.. على هذا القدر انتهت محادثتي معه وغادرت الفندق متجها للمطار عائدا من حيث أتيت.
وأنا في الطائرة بقيت أفكر مع نفسي كثيرا، وخطر في بالي الحظر الذي قامت به أمريكا على تجار بيع الخمور قبل أكثر من مئة سنة، والتي أعقبت الكثير من المخالفات والاعتقالات، وانتهت بالفشل ولم تستطع أن تسيطر على هذا الأمر واعترفت بذلك وأتاحت بيع الخمور مرة أخرى.
وكيف أن الإسلام استطاع أن يسيطر على ذلك، ربما لأن الانسان المسلم لم يخضع إلى الرقابة الحكومية والمخالفات والاعتقالات، وإنما إلى رقابة ذاتية، فشرطي الذات أقوى من شرطي الدولة، وشرطي الذات لا يقتصر على أمريكا فقط وإنما موجود في كل مكان، وكل زمان، وهذه هي الحقيقة التي لا يمكن انكارها، الدين دائما أقوى من القانون، وهذا السبب الواقعي الذي جعلني لا ألمس تلك الزجاجة ولا أقترب من النوادي الليلية وافتعال المنكرات بالرغم من اتاحتها، وبينما كنت مستمرا في الثرثرة مع نفسي حتى بلغنا طاقم الطائرة من خلال مكبرات الصوت عن دخولنا إلى جو الوطن، وطلب من المسافرين ربط أحزمة الأمان والتهيؤ إلى الهبوط.
اضافةتعليق
التعليقات