أن تترك ملذات الدنيا وألوانها الزاهية من الذهب والفضة والجواري وتأتي إلى أرض صحراء قاحلة، لا زرع فيها، ساحة للحرب في أي وقت ترفع السيوف وتبدأ المعركة، بين شهيد تحت السيوف وبين أسير على النياق، وآخر تحرق قدميه النيران، الخيار هنا صعب وقد يحتاج إلى ارادة وقوة لتقول نعم أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم أو أن ترجع لدنيا الملذات وتجعل من ظلام الليل ملاذا، وأنت تسمع واعية الحسين ألا من ناصر ينصرنا؟ إذا كان الرجال قد اتخذوا من الليل مهربا وقلة من عرف هذه الصرخة وبقي على العهد فكانت أنفسهم مطمئنة راضية بما قد كتب عليها فرجعوا نحو الحسين.
مُؤمِنة، موالية لأهلِ البيت «صلوات الله عليهم» سمعت الصرخة وكانت موجودة في واقعة الطف مع زوجها، وأبت أن تترك عيال الحُسين «صلوات الله عليهم» وحدهم، بل واستهم بكُلِّ ما جرى عليهم من الشواهد، ومن جملة ما نقله التاريخ هو محاورة لطيفة مع زوجها تدلّ علىّ عُمقِ إيمانها وحُبّها للإمام الحُسين "صلوات الله عليه".
ففي ليلةِ عاشوراء، وحينما جمع الحُسين «صلوات الله عليه» أصحابه ليستعلم حالهم، وبعد أن تكلّموا ما تكلّموا، وخطب هو «صلوات الله عليه» فيهم، وكان ممّا قال:
- " وَمَن كان في رحله امرأة فلينصرف بها إلى بني أسد".
فقام علي بن مظاهر وقال: - لماذا يا سيّدي؟!
فقال «صلوات الله عليه»:- إنّ نسائي تسبى بعد قتلي، وأخاف على نسائِكم من السبي.
فمضى علي بن مظاهر إلى خيمته، فقامت زوجته إجلالاً له، فاستقبله وتبسّمت في وجهه، فقال لها: - دعيني والتبسّم.
فقالت: - يا ابن مظاهر أنّي سمعتُ غريب فاطِمَة «صلوات الله عليهما» خطب فيكم، وسمعتُ في آخرها همهمة ودمدمة فما علمت ما يقول.
قال: - يا هذهِ إنّ الحُسَين (عليه السلام) قال لنا: "ألا ومن كان في رحله امرأة فليذهب بها إلى بني عمّها؛ لأني غداً أُقتل ونسائي تسبى".
فقالت: - وما أنت صانع؟!
قال: قومي حتى الحقك ببني عمّك بني أسد.
فقامت ونطحت رأسها في عمودِ الخيمة وقالت: - والله ما أنصفتني يا ابن مظاهر!، أيسرّك أن تسبى بنات رسول الله «صلى الله عليه وآلة وسلم وأنا آمِنة من السبي..! أيسرُك أن تُسلب زينب أزارها من رأسها وأنا أُستَر بازاري.!
أيسرك أن تذهب من بناتِ الزهراء «صلوات الله عليها» أقراطها وأنا أتزيّن بقرطي.!
أيسرُك أن يبيّض وجهك عند رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم » ويسوّد وجهي عند فاطمة الزهراء عليها السلام!؛
والله أنتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء.
فرجع علي بن مظاهر إلى الحسين «عليه السلام» وهو يبكي، فقال له الحسين: - "ما يبكيك؟!".
فقال:
- يا سيدي أبت الأسديّة إلّا مواساتكم.
فبكى الحسين وقال: - "جُزيتم منا خيراً".
تصوري عزيزتي أن يكن رد الامام الحسين هكذا ماذا سيكون عملك، أي جزاء سينالك من الحسين وأي خير .
نسوة عرفن معنى الجزاء فقدموا ونالوا خير جزاء والفضل، ألا يكفي قول امام زمانهم الامام الحسين عليه السلام في حقهم: (جُزيتم منا خيراً) .
_____
اضافةتعليق
التعليقات