إن التنمية المستدامة (Sustainable Development (SD هي العنوان الأساس إذ تشير إلى إعمام الخير والرفاهية على البشرية وحماية الكرة الأرضية من معوقات تحقيق هذه التنمية. وقد ظهرت هذه التسمية، لأول مرّة بوضوح في عام 1987 وذلك في تقرير صدر عن اللجنة العالمية للبيئة والتنمية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة.
وتم تعريفها: التنمية التي تستجيب لمتطلبات الحاضر دون المساس بقدرات الأجيال المستقبلية لحاجاتهم الخاصة، وهذا التوجّه يتطلب وضع أهداف ومقاصد وغايات لضمان تحقيقها، فأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة خطتها الرسمية في أيلول (سبتمبر) من عام 2015 ليتم البدء بتنفيذها في مطلع عام 2016 وتنهي أعمالها في عام 2030.
وقد تم إعمام هذه الخطة على جميع دول العالم وهي البلدان المنتمية إلى منظمة الأمم المتحدة تسعى هذه الدول لتحقيقها على مختلف المستويات المحلي أو الإقليمي أو الدولي. ويتألف مشروع التنمية المستدامة من سبعة عشر هدفاً، ومائة وتسع وستين غاية.
وأخذت الدول في العالم، تسعى منفردة أو مجتمعة مع بعضها وذلك على المستويين الإقليمي أو الدولي لتحقيق مفردات هذه الأهداف.
يعد هذا الهدف محركاً للتقدم والتمكين من تحقيق جميع الأهداف الأخرى للتنمية المستدامة، فهو يتألف من ثلاثة محاور أساسية هي (السلام) و (العدالة) و(المؤسسات القوية).
وإذا ما ساد السلم وسادت العدالة عن طريق المؤسسات القوية فإن ذلك يؤدي الى تحقيق القدرة على حماية المواطن والتكفل بأمانه والمحافظة على حياته والعمل على توفير مستلزمات معيشته ورعايته صحياً ومالياً.
وسنستعرض تعريفات عامة لمفردات المفاهيم الأساسية لهذا الهدف وذلك على الوجه التالي:
أولاً : السلام
يُعد السلام حصيلة للاستتباب الآمن وينجم عن أسلوب التفاهم بين الناس لحل المشكلات أو لوضع المشاريع الحياتية المختلفة لخدمتهم.
والسلام حال من الأمن والاستقرار تسود العالم وتتيح الفرص لحصول التطور والازدهار للجميع. وهناك دراسات كثيرة ظهرت في علوم اللغة والنفس والاجتماع والإدارة والسياسة لتوضيح مفهوم السلام وآليات استتبابه.
وعُرف السلام أيضاً بأنّه محصلة التفاعل بين النظامين المدني والعدالة الاجتماعية.
وقد ورد لفظ السلام في القرآن الكريم بصيغ مختلفة في أربعين ومائة موضع، منها في اثني عشر ومائة موضع ورد بصيغة الاسم، وفي ثمانية وعشرين موضعاً ورد بصيغة الفعل وإنَّ مفردة السلام واحدة من أسماء الله الحسنى كما ورد ذلك في القرآن الكريم: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ ).
وورد لفظ السلام في القرآن الكريم على سبعة معان: السلام والعدالة والمؤسسات القوية في نهج البلاغة.
1 - اسم من أسماء الله.
2- الإسلام.
3 - التحية المعروفة.
4- السلامة من الشر.
5- الثناء الحسن.
6 - الخير.
7- الخلاص من كل شائبة.
وبشكل عام فإنَّ للسلام معاني عديدة، من أبرزها:
1 - السلم: أي ضد الحرب أو القتل.
2 - العدل: أي أن تسود العدالة . جميع الأمم ولا تعلو واحدة على أخرى.
3 - السكينة : الشعور بالسلام الداخلي في النفس، والراحة.
4 - التفاهم : أي عدم التقاطع وإعمام الانسجام بين مكونات المجتمع نفسه وبين المجتمعات الأخرى.
ومنذ عام 1945 والأمم المتحدة تعمل هي والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع لها، وهي أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا على حل النزاعات من دون حروب.
ومن أبسط تعريفات السلام هو غياب الخلاف والعنف والحرب بين سكان الأرض، وهو الاتفاق والانسجام والهدوء، بمعنى غياب العنف بكافة أشكاله.
ثانيا : العدالة
وهي مفهوم أخلاقي يقوم على أسس الحق والأخلاق والعقلانية والقانون والإنصاف، وتعرف أيضاً بأنها مجموعة من القوانين الطبيعية التي وجدت مع وجود الكون، وهي سبب تعايش الفقير والثري في مجتمع واحد، وأنها الحق الذي يتمتع به الفقير والثري على حد سواء.
وتعد العدالة قاعدة اجتماعية أساسية لاستمرار حياة البشر مع بعضهم بعضاً، وهي محور أساسي في الأخلاق والحقوق وتعدّ دافعاً للنهوض بالبلدان عن طريق انعدام المحسوبية والمنسوبية، وعدم تفضيل مواطن على سواه خارج أطر القوانين الإنسانية النبيلة.
وتركّز العدالة بوصفها تصوراً إنسانياً في تحقيق التوازن بين جميع أفراد المجتمع من حيث الحقوق، وتحكم هذا التصور أنظمة وقوانين توضع لهذا الغرض.
والعدل هو الإنصاف وإعطاء الفرد ما له وأخذ ما عليه. وقد أستعملت هذه الكلمة في مقابل الظلم والبغي والجور، وأيضاً في مقابل الفسق والفجور.
والعدل والعدالة كلاهما يقوم على المساواة بين الناس، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
وقد ورد ذكر (العدل) أو (العدالة) في القرآن الكريم تسعاً وعشرين مرة في القرآن الكريم.
ثالثاً: المؤسسات القوية
تتمثل المؤسسات القوية بسيادة العدالة واحترام مبدأ المواطنة الحقة بعيداً عن المحسوبية والمنسوبية.
والمقصود بالمؤسسات القوية هنا، بأنها تلك المؤسّسات القادرة على إدارة شؤون الناس على وفق المبادئ الإنسانية السامية في تحقيق السلام والعدالة والمساواة فيما بينهم وعلى وفق الثوابت الخاصة بإدارة تلك المؤسسات.
وإذا كانت المؤسسات ضعيفة فإنَّ احتمالات نجاح تحقيق أهداف التنمية المستدامة
السلام والعدالة والمؤسسات القوية في نهج البلاغة
ستكون أقل بكثير مما ينبغي؛ لذلك فإن جميع الأهداف تدعو إلى صيرورة مؤسسات قوية وفعالة وشفافة وخاضعة للمساءلة على جميع المستويات.
وعندما تُبنى المؤسسات القوية، يجب أن تخضع إلى جملة من المعايير منها:
1-أن تنبع قوتها من عدالة مضامين تحقيقها.
2-أن تسود على الجميع من دون أية مميزات بين أفراد المجتمع.
3-أن تؤدي إلى احترام القوانين الصادرة عن الدولة أو المؤسسات المجتمعية ذات العلاقة.
-4العلاقة بين مفردات هدف (السلام) والعدالة والمؤسسات القوية وأهداف التنمية المستدامة الأخرى.
يعتمد تحقيق الهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة (موضوع بحثنا)، قبل كل شيء على متانة العلاقة بين السلام والعدالة والمؤسسات القوية؛ لذلك عُدت هدفاً واحداً.
والسلام والعدالة من المفردات الإنسانية الإيجابية الطيبة التي تبعث الاطمئنان والسكينة لدى قائلها أو المستمع لها أما من الناحية العملية فإنَّ تحقيق مضامينهما يؤدي إلى رفاه المجتمع وديمومة تنميته عن طريق ظهور المؤسسات القوية.
ولإشاعة السلام والعدالة بين الناس في المجتمعات لا بد من تحقيق الأهداف الأخرى للتنمية المستدامة، إذ يعتمد تحقيق مفردات هذا الهدف على التضافر بين عدد غير قليل من أهداف التنمية المستدامة الأخرى.
اضافةتعليق
التعليقات