لنبدأ أولا منذ بدء الخليقة وعند نشوء الانسان على هذه الأرض نجد أن (الإله والعبادة).. هما اللغزين الأكثر إثارة لهُ، شعوره الباذخ بالفضول وقوة شغفه العقلي يجرفهُ دائما للاستطلاع ولاشباع جوعه العلمي والروحي.
فبدأ بالبحث والاستكشاف لحل ما يكتنفهُ الغموض ولمعرفة حقيقة الوجود والأشياء.
وعلى هذا الأساس رسم طريقيين متوازيين، لكنهما بنفس القوة والصلادة التي تثبت أحقيتهما على الآخر:
1. طريق الحضارة وهو ما يتعلق
"بالإله"، تُعنى بالتقدم التقني وعلاقة الانسان بالطبيعة.
2. طريق الثقافة ما يتعلق بالأديان والعبادات فهي استمرارية لقوانين السماء تهتم بعلاقة الانسان بأخيه الانسان وعلاقته بالدين.
هذا الأساس يعتبر حجر زاوية ونقطة انطلاق لكل الأمم والشعوب والقبائل ومن هنا بدأ الصراع (المادي – الروحي) يؤرق ذات الانسان ويشعره بالعجز في أحيان كثيرة.
فتفرقت الأحزاب وتباينت آراءها. منهم من أنكر وجود الروح والدين وكفر بوجود خالق عظيم فأخذ ينسب المخلوقات بأنها جزء من الطبيعة وأن الانسان ما هو إلا حيوان متقدم، تطور تدريجيا ليصبح بهذا الشكل المعاصر مؤيدا بذلك نظريات داروين وأبحاثه العلمية.
أما البعض الآخر فقد اهتدى بصفاء روحه لعالم مجهول، جنحت به بعيدا لعالم من الفن والألوان وأن هناك شيء أسمى من المادة، فهو يستعذب ما يراه من جمال ويتوق لتصويره بالصور واللوحات كما فعل مايكل انجلو برسم لوحاته الشهيرة على سقف كنيسة سيستين في ايطاليا، حيث تعتبر ابداع فني ضخم مثير للدهشة لما يتضمنه من تجسيد بارع لقصص الأنبياء منذ هبوط سيدنا آدم وصولا لنبي الله نوح عليهم السلام.
ما ذُكر أعلاه ينفي كوننا جزء من الطبيعة وأننا ماديون"انتجتنا الطبيعة بتفاعل ذراتها" وأيضا يُظهر مدى أهمية الدين والفن بحياة الانسان وأن هناك صِدام فكري سحيق يتعارض مع الحالة النفسية الصحية للانسان التي لا تستقر إلا بوجود الدين والسكون الروحي لوجود خالق عظيم لهذا الكون بث الروح في أجسادنا لتتسامى عن قاع المادة والسلوك الحيواني المتأصل في تكويننا.
بعد كل هذه المعُطيات نستنتج أن تحقيق التوازن بين المادة والروح يجسد "معنى الانسانية" وأن هذا التوازن يُحققه "العقل" كــ كونترول مُتأهل للحُكم، سخره الله للذات البشرية وبدونه تتقشأ هباءً.
وفي خضم كل هذه الفوضى والاخفاقات المتكررة إلا أن للانسان الثراء الكافي لانتشال واقعه من براثن التخلف ومهما كانت الظروف، لكن متى أراد، فالارادة الصلبة والقابلية على التصميم من مقومات التغيير وأن للإنسان أن يصنع تاريخه بنفسه لا أن يُكرر حماقاته.
ما نشهده اليوم كأُناس معاصرين من الألفية الجديدة هو أشبه ما يكون بنزاعات العصور الجاهلية المظلمة، لأن تطور الحضارة والثقافة لم يجد في ذات الانسان المعاصر تلك السعة في استقبال الأفكار البناءة والحفاوة بها لكي تثمر بطراز غير مألوف، نُلاحظ دائما هناك عادات جاهلية تمنعه، وإن كان بمظهر متمدن، لما له من عمق الأثر في ظهور الهمجية و"الحُمى الغبائية" فالتعصب عادة جاهلية، مصادرة حقوق المرأة والطفل عادة جاهلية، إباحة القتل وسفك الدماء عادة جاهلية وكل هذه الموروثات الجاهلية ليس للتاريخ يدُ في تكرارها بل هو الانسان نفسه من يكرر عاداته وسذاجته رغم تطوره حضاريا كانسان مادي إلا أن روحه جوفاء مقعرة.
نأمل بحقبة زمنية مُشرقة ثقافيا لأنها ضرورة أكثر من كونها مسألة اختيار .
اضافةتعليق
التعليقات
2021-01-04
مقالات مميزة لفرح منعم