في خضم العولمة ومع متطلبات العصر تتغير الكثير من المفاهيم والقواعد، في كافة مجالات الحياة، فهل ياترى يعتبر النص الديني أحد هذه المتغيرات، أم أنه من الثوابت التي لا تقبل المرونة؟!
هناك قول للامام الصادق عليه السلام يقول فيه: حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة.
وحسب اعتقاد المسلمين فإن الرسول محمد صلى الله عليه وآله هو آخر الرسل ودينه هو ختام الديانات، وعليه فليس هناك مجال لرسالة أخرى تغاير هذه الرسالة.
من هذين النقطتين نستطيع أن نستنتج أنَّ أحكام الشريعة ثابتة لا تتغير إلى يوم البعث، فتطور البلدان وتغيّر الأحوال والعقليات وتقدم الحضارات واختلاف الأجيال لا يتعلق بالنص الديني وتعاليمه، فهي نواحي اجتماعية واقتصادية وسياسية لاترتبط بالدين.
أليس كذلك؟
في الحقيقة، هناك عدّة آراء حول هذا الموضوع، وهناك اختلاف جلي بين العلماء والمذاهب، قد لا يكون ظاهرها يتعلق بسؤال بحثنا، لكنها أفكار ومعتقدات وبتعبير أدق مقدمات تؤدي لنتائج تقربنا إلى الاجابة عن مانروم له.
هناك عدة حقائق قد توضح الصورة وتبين الطريق الصحيح لفهم الحقيقة حسب بعض وجهات النظر.
1_ نعم، بلا شك هناك ثوابت دينية لم ولن تتغير شئنا أم أبينا، ومنها بعض الأحكام التي تتعلق مثلاً بالصلاة والصيام والعبادات والمعاملات بشكلٍ عام، وقد يأتي سائل ويقول، ولما ذلك؟ ولما لا تتغير حالها حال الكثير من الأمور؟، والجواب قد نعرفه وقد لا نعرفه، أو قد نفهمه وقد لا نفهمه، وهو يتعلق أحيانا بعليّة الشرائع، وإشكالية هذه الاحتمالات التي يصرّ الكثير الكثير من الذين لا شغل لهم ولا عمل سوى حشر أنفهم وإتعاب أذهانهم في سبب منع كذا وجواز ذاك وعدم منطقية ماوراء كل كذا وذاك، هذه الاشكالية إحدى أجوبتها هو أنه قد تكون هناك مصلحة خاصة لا يعرفها سوى واضعها من جهة، ومن جهة أخرى هي أحكام تعبّدية لا تؤثر في جوهر حياة الفرد مهما تطورت وتغيّرت وتبدّلت من ناحية شكلها ولونها وطعمها.
2_ عندما يبحث الانسان حول الكثير من القواعد الفقهية يجد روايات نبوية جميلة ومفيدة ومنها قاعدة الميسور، والضرورة.
حقيقةً يشعر المتعمّق والباحث في النصوص الدينية بغصّة وألم عندما يسمع البعض ينعت ديننا الحنيف بالقسوة أو التخلف والرجعية، فديننا دين يسر ومرونة وضعه الله من أجل راحة وسعادة ومصلحة الفرد، لكنّ الفهم الخاطئ والجامد هو الذي أراهم العكس، فهناك الكثير من الاستثناءات التي يبيحها الشرع للفرد عندما يواجه عائق ما أو احراج، "فللضرورة أحكام" فالدين يجوّز أكل ماحرّم أكله مثلاً بشكل عام في شكلٍ خاص آخر أو اضطراري، مثل الخوف من هلاك النفس أو موته، وبالطبع بقدر وشرط محدد وغير مطلق.
وأيضاً تتغير شكل أو حتى آلية التطهير عند أذية النفس سواء جسدية كانت أو نفسية، فقد يتبدل الوضوء أو الغسل إلى تيمم مثلاً، بل في بعض الحالات يحرّم الشرع على الانسان أن يضر بصحته أو حتى إراقة ماء وجهه في سبيل تنفيذ حكم ما.
والغيبة والكذب قد تجوّز أحيانا، الغيبة على الفاسق، والكذب لاصلاح ذات البين، وللتقية وجوه وحالات مختلفة قد تكون نفاقا في أخرى، والقصاص والعقوبات أيضاً يتغيّر حكمها في حالات كثيرة، مثل حكم السارق أيام المجاعة مثلاً.
المقام لا يسع لذكر حالات أخرى، لكن مانريد قوله، هو وجود تغيّرات كثيرة تناسب الوضع الخاص أو حتى العام، الفردي والجماعي.
3_ ترتبط هذه النقطة بأختها التي سبقتها، وهي مدى صحة أو قوة ومتانة الموضوع أو الحادثة أو تفسير وتوضيح النص الديني سواء كان آية قرآنية أو حديث شريف.
أي علينا أن نسأل دائماً وأبداً عن المصدر، من الذي فسّر ذلك الحكم أو الآية، من نقل، أين ومتى؟، ما مدى ثقتنا بذلك الشخص أو الجماعة؟
هناك كلمتين علينا أن نضعها كقرطين على أذنينا، وهما: التاريخ يكذب..
نعم، التاريخ في الأغلب يضلل ويحرّف ويظلم ويخفي ويحرق ويبقي مايريد، بالطبع نقصد مدوّنيه الذين كتبوه وسيف السلاطين يعلو أعناقهم..
إذن، من أين نأخذ ديننا وأحكامه؟ الاجابة على هذا السؤال هي التي تقرر مدى صعوبة أو سهولة ويسر الدين في حياتنا اليومية..
فالمشرّع الحقيقي والصادق هو النبي وآله، وهم الذين قدّموا أحكام الله التي هي في مصلحة العبد، فشتّان بين الخليفة الذي يدّعي الاسلام ويؤمن بل ويُكره الناس على الايمان "بفكرة الجبر" وكون الانسان مسيّر، وبين روايات أهل البيت التي تقول حول القضاء والقدر: لا جبر ولا تفويض، بل أمر بين أمرين!.
من أجل كل ذلك وإذا جاز لنا التعبير كان من ثمرة الفهم الخاطى أن أصبح سوق ديننا سوقا جامدا، لأنه سوق لا يروّج إلا لكل صعب ومعقّد وما ينافي العقل والفكر الحر.
إنَّ ديننا دين سمح يعتمد على التفكير والاختيار الواعي ويراعي بعض المتغيرات التي تحصل بطبيعة الحال في المجتمعات، أما من يقرأ الدين ويحكم عليه بالمحدودية وضيق الأفق فهو إما لا يفقه أو فسّر وأوّل النص بما يناسب هواه ومصلحته، وإما أنّ ما يقرأه لا يمت للدين بصلة أو هو يقيس الدين بالرجال!.
بعد كل تلك المتاهة، لا عجب إن أتى الامام في آخر الزمان واعتقدنا أنه أتى بدين جديد علينا!.
اضافةتعليق
التعليقات