في صالة الإنتظار، كان الجميع يجلس بهدوء تام، يُخيم الصمت على أرجاء المكان حتى يُخيل إليك أن لا شيء حيُ فيها..
مزق ذلك الهدوء صوت التلفاز الذي إعتلى فجأة دون سابق إنذار، الكل اهتز هزة خفيفة أرجعته إلى يومه، فالكلُ بدا أنهُ كان غارقاً بأمرٍ ما يشغلُ فكره ويحتلُ الجزء الأكبر من صمته..
نظراتنا كانت تُحدق بالتلفاز بهدوء، وكأننا لـلتو إستيقظنا من غيبوبة ما، علامات الشرود كانت واضحة على تفاصيل وجوهنا رغم محاولاتنا بإخفاء ذلك والظهور وكأننا منتبهين لما يجري حولنا باءت بالفشل..
أمقتُ الإنتظار، فهو يعيثُ في القلب خراباً ويُورث الحُزن والهم، يقتاتُ على تلك الثواني فيُجردها من كل ما خلا العدم..
المُحلل يقفُ خلف مكتب صغير عليه نتائج العينات، كل عينة تحملُ اسماً ما، ينادي بهم اسماً تلو الآخر، علامات الترقبُ على وجوههم بادية بوضوح لا تخفيه إبتسامة خجولة، البعض، يعودُ مُستبشراً والآخر يعودُ وقد مات الأملُ في عينه وكأنه قد وصل لنهاية المطاف..
مازلتُ أنتظر دوري، فقد كان التحليل الذي أُريده حساساً جداً، جاءني فأخبرني الدكتور بضرورة الإنتظار إسبوعاً كاملاً، كون الجهاز المُستخدم دقيق جداً يختلفُ عن بقية الأجهزة حتى يصل لنتائج دقيقة!.
بينما كنتُ أستمع إليه بكل ما أوتيتُ من سمع خوفاً من هروب معلومة ما، قال: كوني صبورة وانتظري إلى الأسبوع القادم وأنا جداً مُتأسف فنتيجتك لن تظهر اليوم!.
شعرتُ بالخذُلان، فهذا يعني مازال عليَّ أن أعيش إسبوعاً كاملاً تحت سطوة الإنتظار!.
رجعتٌ لبيتي وأنا أجرُ أذيال خيبتي، يثقلني التعب، أكاد لا أقوى على رفع قدمي، وأجفاني قد أرهقها النُعاس، رميتُ نفسي على فراشي، ورحتُ أغطُ بنومٍ عميق أخذني من ميدان الإنتظار وأسلمني لسلطانه..
لم أستيقظ إلا وآذان المُغرب يرتفع في الأرجاء، صوته كان بعيداً جداً فأنا ما زلتُ في نومي، الصوتُ كان يعلوُ تارة ويخفتُ تارة أخرى، لابد من القيام حتى أُقيم فرضي، رفعتُ جسدي وكأنه جثة هامدة وصرتُ أمشي خطواتي وأنا نصفُ مستيقظة، توضأتُ وصرتُ أستعدُ لصلاتي..
أكملتها، مازلتُ جالسة على سجادتي، أبحر في موج أفكاري، حتى قاطعني صوت التلفاز مرة أخرى!.
اللهم كنُ لوليك الحجة ابن الحسن!.
كان يتعالى الصوت بدعاء الفرج! كان صفعة أيقظتني من غفلتي! انتشلتني من قاعي كما ينتشلُ الطير سمكته من أعماق البحر..
أعيش لحظات الإنتظار المُنغمسة بالقلق من أجل نتيجة ما! أُمارس حياتي بكل جوانبها دون أن أعي أو ألتفت حتى لإمام زماني!.
تمر الجُمعة تلو الجُمعة ولا يناله مني دعاء صغير أو ندبة!.
يقفُ على جادة طريقي، ينيط الأذى من هُنا ويرفعُ هماً من هناك يضع يده على قلبي حين يتناوشني الحُزن ويربطُ عليه بالشدائد، ثم ما يلبثُ أن يمنحني فرحاً يجري دموعي شكراً عند نهاية كل صبر!.
تفيضُ من يده الطُهر شلالات الخير التي تُغرقني دون ان ألتفت إليها، يمنحني أنفاساً جديدة بأيام جديدة مع أمل يتولد لرحلة جديدة بعد كل نكبة، يرعاني ويرعاني حتى تخجل الملائكة الكرام من إهمالي، تقصيري وأبتعادي!.
ثم يأتي القلبُ العاصي مُتذمراً مُستاءً من هوى قد غلبه أو أذى قد لحقه من شخص ما، يلهثُ وراء هذا وذاك، يغتاضُ حُزناً من فرط تقصيرٍ لحق به دون أن يلتفت حتى لذلك الظل الذي لو رفع كفه الطُهر لساخت المصائب به، أليس هو القائل: (إنَّا غيرُ مُهمِلينَ لمُراعاتكُمْ، ولا ناسينَ لِذِكرِكُمْ، ولَولا ذلك لَنَزَلَ بكُمُ الَّلأوَاءُ واصطَلَمَكُمُ الأعدَاءُ).
أليس هو القائل: (فإنا نُحيط علماً بأنبائكم ولا يعزب عنا شيء من أخباركم)..
نحتاج أن نعيد برمجة أيامنا لتخالط ذكره، تنتهلُ من عذب فيضه، نحتاج أن نعيد ترتيب أولوياتنا، متى ما صار هو أولى أولويتنا عندها سنجد الطريق، سنُعانق النجاح.
نحتاج لكي نهتم، نسأل، ننقطع، نشعر بالأحتياج لذلك الغائب الذي ما غاب عنا، لذلك الذي ما نزح عنا، نحتاج لشعور الإنتظار كما لو أننا ننتظرُ نتيجة حتمية تُحدد مسار حياتنا!.
نحتاج لكي نشعر بأنه القريب الذي دنا فتدلى فكان قاب وريدين أو أقرب، نحتاج أن نغتسلُ من فرط ذنوبنا ونرتدي لباس التوبة ثم نجلسُ على سجادة الإنتظار نرتلُ آيات الترقب، نُسبح برجاء مُنقطع عل قلوبنا تشرقُ إيماناً فيخرجُ الذي يملأها قسطاً ورحمة..
اضافةتعليق
التعليقات