من صفات الانسان وخصائصه المتوارثة أنه خلق عجولا وكثير من آيات الذكر الحكيم تدل على هذه الصفة المتلازمة في الانسان كما في قوله تعالى: "خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون"، ومعنى العجلة هي طلب الشيء في أوانه، فالإنسان يريد أن يتحقق ما يصبو إليه في الوقت الذي يريده وبالشكل الذي يرضيه، إذا لم يتحقق له ذلك فإنه يكون متذمراً..
والانتظار من أكثر الأمور التي يكون به الانسان في عجالة، ويتمنى أن تنقضي لحظات الانتظار بأسرع وقت، فالإنسان يصاب بالجزع في انتظاره لشيء ما كنتيجة تحليل على أقل تصوير أو حتى عودة شخص عزيز، ولكن هذا الجزع في انتظار منقذ البشرية الامام الحجة بن الحسن (عجل الله تعالى فرجه الشريف) مختلف وله لذة مختلفة ويأخذ جوانب أخرى، فعندما نشعر بظلم الحياة وقسوتها تنزل دموعنا وننظر إلى السماء مع اطلاق رجاء تعجيل الفرج لبث العدل، وعندما نرى يوما بعد يوم وجود خلايا تحاول تخريب صورة ديننا الكريم بجميع الأشكال والطرق تدمع عيننا ونرجو أن يظهر امامنا لننجو من هذه العاصفة السوداء وفي كل زيارة لإمامنا الحسين عليه السلام ننفجع بمصابه الكريم ونطلق دموعا إلى السماء لإظهار منقذ البشرية الامام المنتظر للأخذ بالثأر. ومن هنا جاء معنى الانتظار لترسيخ تعلق الانسان وارتباطه بربه الكريم وايمانه العملي بأن الله عز وجل غالب على أمره وبأنه القادر على كل شيء والمدبر لأمر خلائقه بحكمته الرحيمة بهم.
إن قضية الامام المهدي المنتظر التي بشر به الاسلام وبشرت بها الأديان من قبل، قضية انسانية قبل أن تكون قضية دينية أو اسلامية فأنها تعبر عن ضرورة تحقق الطموح الانساني بشكله التام.
وخير دليل الأحاديث الشريفة التي تحث على ضرورة التحلي بالانتظار الحقيقي، الذي يؤهل للفوز بمقام صحبة الامام المهدي (عج) كما يشير إلى ذلك الامام الصادق (ع): (من سره ان يكون من اصحاب القائم فلينتظر).
عظمة آثار انتظار الفرج
أكدت الأحاديث الشريفة وباهتمام بالغ على عظمة آثار انتظار الفرج، بعنوانه العام الذي ينطبق على الظهور المهدوي كأحد مصاديقه البارزة، وكذلك على انتظار ظهور الامام بالخصوص، فبعضها تصفه بأنه أفضل عبادة للمؤمن كما هو المروي عن الامام علي (ع): (افضل عبادة المؤمن انتظار فرج الله).
وعبادة المؤمن أفضل بلا شك من عبادة مطلق المسلم، فيكون الانتظار أفضل العبادات الفضلى إذا كان القيام به بنية التعبد لله وليس رغبة في شيء من الدنيا ويكون بذلك من أفضل وسائل التقرب إلى الله تبارك وتعالى، كما يشير إلى ذلك الامام الصادق (ع) في خصوص انتظار الفرج المهدوي حيث يقول: (طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته والمطيعين له في ظهوره أولئك أولياء الله الذين لاخوف عليهم ولاهم يحزنون) ولذلك فإن انتظار الفرج هو (أعظم الفرج) كما يقول الامام السجاد (ع) فهو يدخل المنتظر في زمرة أولياء الله.
وتعتبر الأحاديث الشريفة أن صدق انتظار المؤمن لظهور امام زمانه الغائب يعزز اخلاصه ونقاء ايمانه من الشك، يقول الامام الجواد (ع): (...له غيبة يكثر أيامها ويطول امدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون). وفق مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي.
وحيث أن الانتظار يعزز الايمان والاخلاص لله عزوجل، والثقة بحكمته، ورعايته لعباده، فهو علامة حسن الظن بالله، لذا فلا غرابة أن تصفه الأحاديث الشريفة بأنه (أحب الأعمال إلى الله) وبالتالي فهو (أفضل أعمال أمتي) كما قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام.
فالانتظار يرسخ تعلق الانسان وارتباطه بربه الكريم، وايمانه العملي بأن الله عزوجل غالب على أمره، وبأنه القادر على كل شيء، والمدبر لأمر خلائقه، بحكمته الرحيم بهم، وهذا من الثمار المهمة التي يكمن فيها صلاح الانسان، وهو الهدف من معظم أحكام الشريعة وجميع عباداتها، وهو أيضا شرط قبولها فلا قيمة لها إذا لم تستند إلى هذا الايمان التوحيدي الخالص الذي يرسخه الانتظار، وهذا أثر مهم من آثاره الذي تذكره الأحاديث الشريفة نظير قول الامام الصادق (ع) (ألا أخبركم بما لايقبل الله عزوجل العبادة عملا إلا به.. شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله والاقرار بما أمر الله والولاية لنا والبراءة من اعدائنا، يعني الأئمة خاصة، والتسليم لهم والورع والاجتهاد والطمأنينة والانتظار للقائم (عج).
الانتظار أفضل العبادات
إنَّ من أهم نتائج انتظار الفرج تنميةَ روحيةِ الرجاء بالله في الإنسان المؤمن، حيث يُشاهد أمامَه مجالاً وسيعاً من الفضل والكرم والخير الإلهي، الذي سوف تظهر مصداقيَّتُها في تلك الدولة العظيمة المباركة، وهي دولة المهدي المنتظر صلوات الله وسلامه عليه، تلك الدولة الكريمة، التِّي يعزُّ الله بها الإسلام، وأهلَه، ويذلُّ بها النفاق وأهلَه، ومن الطبيعي لمن يمتلك هذه الرؤية، أن يحتقر العالم الذي يعيشه بما فيه من المُغريات الخلاّبة الدنيوية والتسويلات الشيطانية، وهذا الأمر (أعني تحقير المظاهر الدنيويَّة )، هو أوَّل خطوة يخطوها السالك إلى الله، وهي (التخلية)، التِّي تستتبعها (التحلية)، ومثل هذا الإنسان المؤمن قد وصل بالفعل إلى مُستوى من العرفان
والعبودية، بحيث يكون لسان مقالِه حالِه وعملِه هو (صلِّ على محمدٍ وآل محمد، وأثبتْ رجائك في قلبي، واقطعْ رجائي عمَّن سواك حتى لا أرجو إلا إيّاك..) ، ( بحار الأنوار، ج 86 ، ص 216 ، رواية 30 ، باب 44).
ثمَّ يترقَّى في العبوديَّة فيقول: (بسم الله الذي لا أرجو إلاّ فَضله)، ( بحار الأنوار، ج 90، ص 164، رواية 15، باب 9)، (يا من أرجوه لكل خير)، (بحار الأنوار، ج 47 ، ص 36، رواية 35، باب 4).
هذه الروحية، إن تركَّزت في الإنسان المؤمن فسوف تُعمِّق جذورَها، فتقمع جميعَ الأشواك
والموانع الصادَّة، لتنشرَ فروعَها الطيِّبة وثمارَها الجنيَّة في السماء، حتَّى تؤتى أكلَها كلَّ حينٍ بإذنِ ربِّها. فكيف لايكون الانتظار أفضلَ الأعمال بل أفضل العبادات، وهو الذي يُخيِّم على جميع الأعمال، ويُلقى الضوء عليها. وفق مكتبة الامام المهدي.
كيف يكون الانتظار؟
فلنبرمج لأيام حياتنا، ونضع لها خططاً للتطوير والإصلاح، فمن تساوى يوماه فهو مغبون، ولنحاول أن نرى ما هو النقص فينا، فلقد منّ الله تعالى علينا بالعيش في بيوت مؤمنة تعوّدنا فيها على الصلاة والصيام وحضور المجالس، وهذه نعمة كبيرة، ولكن هل يكفي هذا أم أن أمامنا مدارج أخرى للتكامل يمكننا أن نرتقي من خلالها؟.
إن علينا تحديد نقاط الضعف في شخصيتنا، والسعي لعلاجها، ومن ضمن نقاط الضعف التي نعاني منها؛ سوء الظن، الذي هو من أسوأ ما يبتلي به المؤمنون، وهذه فتنة لهم، وهي أسوأ الفتن، فنحن نعتقد دائماً أننا أهل الجنة وأن الآخرين مأواهم النار، فلنستغل ذكرى ميلاد الإمام الحجة عجل الله فرجه لإصلاح أنفسنا، وإزالة هذه الخصلة السيئة من أنفسنا؛ الخصلة التي نهانا الله سبحانه عنها قائلاً: والمؤمنون هم المخاطبون في هذه الآية الكريمة، ثم يستأنف تعالى قائلاً: ﴿ ... وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ... ﴾ وللأسف فإن هذه الصفات السلبية معشّشة في نفوسنا، وعلينا أن نحاول ونجاهد من أجل اقتلاعها، لنعيش مؤمنين صالحين، ولنكون من المنتظرين حقاً لفرج إمام زماننا. وفق مركز الاشعاع الاسلامي.
كيف نبني علاقتنا بالإمام المنتظر؟
إن الإمام المهدي عجل الله فرجه موجود معنا، والواجب أن نصلح أنفسنا لنشعر بوجوده ونعمق علاقتنا به، بل قد نحظى بشرف رؤيته واللقاء به في بعض الأوقات والأماكن، فذلك شيء ممكن بإذن الله تعالى. ولكن كيف يمكننا أن نصلح أنفسنا ونزيد من ارتباطنا وحرارة علاقتنا به عجل الله فرجه؟
هناك عدة خطوات يمكن أن نقوم بها في هذا السبيل، وهي خطوات بإمكان كل شخص منا القيام بها بتوفيق الله له، وبلا صعوبات وتعقيد، إذا ما صمّمنا وامتلكنا الإرادة الإيمانية لذلك، منها:
1. زيارة الإمام عجل الله فرجه والسلام عليه بعد الانتهاء من أداء صلاة الصبح، ولو بجملة واحدة هي: السلام عليك يا مولاي يا صاحب الزمان.
2. كذلك وبعد الفراغ من كل صلاة، وكما ندعوا لأنفسنا وآبائنا وأمهاتنا وإخواننا المؤمنين، لابد من الدعاء للإمام عليه السلام ولو بقدر قليل من الأدعية الكثيرة المعروفة في هذا الخصوص.
3. وحتى عند تجمعنا وجلوسنا للحديث والتشاور و..، يجب أن يكون دعاؤنا للإمام والتطرق إلى ذكره ولو بعد الانتهاء من أحاديثنا الخاصة؛ فهو أيضا عجل الله فرجه ذاكر من يذكره، وداع لمن دعا له.
4. تخصيص يوم واحد في الأسبوع، وبالذات يوم الجمعة لقراءة الأدعية والزيارات الخاصة بالإمام، كدعاء الندبة، ودعاء العهد، وإحدى الزيارات الخاصة به.
5. وحتى في مشاكلنا والأزمات التي نواجهها يوميا، والأحداث المفاجئة التي قد نتعرض لها فنتضايق منها.. فإن من الجميل والواجب أن ندعو الله سبحانه ببركة الإمام الحجة أن ييسر لنا أمورنا ويقضي حوائجنا. وفق مكتبة الامام المهدي.
إن كل ذلك وغيره من الخطوات الإيجابية المطلوبة، يجعلنا نعايش حضور الإمام عجل الله فرجه ونكوّن معه علاقة صميمية. ومرحلة بعد مرحلة، ودرجة بعد أخرى، سنجد أن نورانية الإمام الشريفة المباركة ستجذبنا إليها وتأخذ بأيدينا وتدفعنا إلى الإمام، وقد نحظى في يوم ما بلقائه والتزود من فيض نور وجوده وبركته. فنحن كما ندعو له ونسلم عليه ونزوره و..، فهو أيضا يفعل ذلك تجاهنا، وبذلك نبني علاقتنا به وتستمر هذه العلاقة وتنمو وتتكامل.
اضافةتعليق
التعليقات