العلم مقياس لتقدّم أي دولة في كل عصر، وهو مفتاح للتطوّر والارتقاء الفردي والمجتمعي في أي زمان ومكان، وهو حجر الزاوية في صرح كل مجتمع و من الامور التي بها يكسب الانسان خير الدنيا والاخرة، ومخطئ من يظنّ أنّ العلم والدين ولا سيما الاسلام متضادان فلا يوجد دين سماوي أكثر من الاسلام في الدعوة الى طلب ونشر العلم.
والعلم ليس هدفاً بحد ذاته، بل هو وسيلة لمعرفة الله أكثر والقرب منه وعبادته حق العبادة، ورسول الله (ص) يقول: "بالعلم يطاع الله ويُعبد وبالعلم يُعرف الله ويُوّحد وبه توصل الأرحام ويُعرف الحلال من الحرام والعلم إمام العمل..".
والروايات والأحاديث الشريفة تؤكد على أهمية العلم وثواب طالبه، بيد أنّ أعداء الاسلام حاولوا بشتّى الطرق تفنيد هذه الدعوة وصوّروا الاسلام دين جهل وتأخّر، مستشهدين بذلك بشتّى الشخصيات والمواقف التي لا تمت برسول الله (ص) بصلة.
مدرسة الباقر العلمية.. معلَم اسلامي حضاري
كانت مدة دعوة النبي محمد (ص) 23 سنة وعمره الشريف 63 سنة، وقد قضى الشطر الاكثر في حياته في توضيح الامور العقائدية والدعوة الى توحيد الله وهو ماكان يناسب ذلك الوقت، واشتغل بمحاربة المنافقين وبردّ ادعاءات اليهود والنصارى و التشكيكات والشبهات التي أثاروها، هذا عدا عن الغزوات الكثيرة التي أخذت من وقته صلوات الله عليه كثيراً، ومع ذلك فأحاديثه وكلماته زاخرة بأهمية العلم والعلماء.
وعندما غادرنا رسول الله.. فهل انتهت فعلاً رسالة الاسلام ومبادئه ومنها العلم_ الديني والنيوي_؟!
سيتخبّط كثيراً في ظلمات الجهل ذاك الذي يعتقد أنّ الأئمة ليسوا أوصياء الرسول وخلفائه، وآية ذلك فماذا قدّم غيرهم ممن قدّمهم بعض الناس عن الائمة المعصومين من العلم والمعرفة ناهيك عن الظلم الذي مارسوه؟!
وأمّا جواب كل موالي لآل الرسول(ص)، فهو أنّ مهمّة الرسول لم تنتهِ بعد بل كملّها اثنا عشر إماماً إختارهم الله لهداية الأمة وقيادتها.
ومن ناحية العلم والمعرفة توّلى الامامين الباقر والصادق (عليهم السلام) على عاتقهم أكثر مبادئ العلم ولاسيما العلوم التطبيقية والرياضية والفلكية، فكانت علومهم ونظرياتهم شمساً مشرقة أفادت وأضاءت كل العالم والى اليوم بشهادة العدو والصديق و"الفضل ماشهدت به الاعداء!"..
وبالتأكيد قد استفادا في تلك الفترة التي كانت بيئة خصبة ومناسبة لنشر علومهم وتأسيس جامعة علمية اسلامية خرّجت آلاف العلماء من كل الاختصاصات.
وقد يسأل سائل، إذن لماذا تأخرنا عن ذلك الركب الحضاري، فالعلم عنّا نحن المسلمين يلفظ أنفاسه الأخيرة وهاهو الغرب يسبقنا بمئات السنوات الضوئية في هذا المجال؟!
يقول الامام الباقر(ع): "الكسل يضر بالدين والدنيا".
"من همّ بشيئ من الخير فليعجله، فإنّ كل شيئ فيه تأخير فإنّ للشيطان فيه نظرة".
"لا ينفع مع الشك والجحود عمل".
وهكذا فإن أحد أهم أسباب تأخرنا هو الكسل والتأجيل والتسويف..
"فالراحة الكبرى تنال على جسر من التعب" كما قال ابو تمام، ونظرة الى الدول المتقدمة ومنها على سبيل المثال "اليابان" توضح ما نحن عليه، وعلّنا نستفيد من تجربتها المثيرة..
تلك الدولة التي مزّقت أشلاءها الحرب لكنها نهضت أقوى من قبل وهي الان مضرب المثل في التطوّر والتقدّم في العلم والتعليم.
فهم يعملون كالنمل.. يفكرون و يبدعون و يخترعون ويبتكرون.. الانتاج عندهم ونحن لم نفلح إلا بالاستهلاك..
امتلكوا العلم فأتاهم المال صاغراً وضربوا بذلك عصفورين بحجر، وأما بلداننا فتملك المال ولا تملك العلم فضيّعوا الاثنين.
إذاً، العمل المثابر من جهة.. ومن جهة أخرى نظام التعليم المتقدّم والمجدي نفعاً، فعلماء النفس يؤكدون أن كل شيئ يعود الى الطفولة فهي الارض الجرداء ونحن من يلقي البذور لتزهر غداً، و"العلم بالصغر كالنقش على الحجر" كما هو معروف..
والعلم فن لكن التعليم فن آخر، وهم آمنوا بفكرة أنّ البذور القديمة لاتنمو.. فجددوا وغيّروا وسائل ومناهج التعليم فقامت على الجانب العملي أكثر من النظري ونجحوا أي نجاح في هذه الطريقة.
ونحن لانزال _كمدارس وأهالي_ نلّقن الدروس لأطفالنا بدون فهم ونطلب منهم أعلى المعدلات دون السؤال عمّا يحبون، فكيف ينجح هذا الطفل؟! وكيف يتميّز؟!
يعوزنا طريقة التدريس الممتعة المحفزّة بأسلوب السهل الممتنع، يقول كاتب أمريكي: انها ليست السلعة فقط هي التي تروق المشتري ولكن طريقة لفّها في الوررق.
وهكذا في العلم والتعليم والطريقة في الاعطاء، إلاّ اننا مشغولون بما هو ضيق، بالوظيفة التي تجلب المال، بالشهرة والصيت، بما نملأ به بطوننا..
بلا شك هناك صدأ في نفوسنا يحتاج الى إزالة، وجلاءها بالأخذ من النبع الاصيل فلأهل البيت أطباء لم يكتفوا بالتشخيص وانما اعطوا العلاج.. "من دعا الله بنا أفلح، ومن دعا بغيرنا هلك واستهلك" الامام الباقر (ع).
اضافةتعليق
التعليقات