عندما نتكلم عن القرن الواحد والعشرين يعني اننا نتكلم عن عصر المغريات والجمال، عن واقع يعيش فيه الانسان صراعا كبيرا بين الحاجة والرغبة الشديدة في امتلاك الكثير من الأشياء المادية.
وبلا شك لا يمكن الحصول على أي شيء في هذا العالم دون مقابل، فلكل شيء ثمنه، ولكل حاجة سعرها.
وعندما يشتهي ذوقنا حاجة معينة في السوق وأردنا أن نقتنيها سرعان ما نعود إلى محفظة النقود أو نتفحص حسابنا البنكي لنتأكد من أن رصيدنا كافٍ لشراء هذه الحاجة!.
إذا كان المال الذي نمتلكه كافيا، سنتمكن من شراء تلك الحاجة وإذا لم يكن كافيا، سنعود أدراجنا خائبين ونغض البصر عنها.
هذا في حال اعجابنا بتلك القطعة، ولكن ماذا لو كنا بالفعل بحاجة أن نمتلك ذلك الشيء!، الأمر لا يتعلق بمعطف لفت انتباهك، أو حذاء أعجبك لونه، سأوضح لك الأمر اكثر، كيف يا ترى سيكون موقفك لو كنت جائعا جدا وانت واقف امام بائع الخبز وتتفحص محفظتك ووجدتها فارغة!.
أو إن حذاءك كان ممزقا ولا يمكنك ارتداءه وانت بحاجة ماسة إلى حذاء جديد، كي لا تبقى حافيا، وتتمكن من المشي بصورة عادية ويكون شكلك مقبولا في المجتمع، دون أن تشير الأصابع إليك بالغرابة والاستهزاء.
هنا الحاجة التي تتمثل بالجوع أو العطش أو العري ستجعلك تقوم بأشياء أخرى فيما لو كنت حقا في ذلك الموقف وليس مجرد تخيلات، إذ ان صنف من الناس من الممكن أن يعملوا كي يوفروا المال الكافي الذي يحتاجه، والبعض ال’خر (ضعيفي الايمان) والعياذ بالله من الممكن أن يفكروا بالسرقة، أو الاستجداء، فالحاجة والجوع لا دين لهما وهذا ما أكده المولى علي (عليه السلام) بوصفه: "لو كان الفقر رجلا لقتلته".
هذه الأمثلة جميعها أمثلة مادية وغير قابلة للمقارنة مع الفقر المعنوي، لأن الحاجة المعنوية غير ظاهرة للعيان، وتبقى تلعب على وتر الهوى إلى أن تؤدي بصاحبها إلى الهاوية.
خصوصا العاطفة، من المهم جدا أن نحافظ على مصروف حساب بنكنا العاطفي من الإفلاس، لأن الحاجة العاطفية ستذل الفرد وتسقط ماء وجهه بالطلب والاستجداء.
ولعل أهم فئة تمتاز بالعاطفة الجياشة والرقة والأحاسيس الوردية هي فئة النساء على وجه العموم والفتيات على وجه الخصوص.
فالفتاة التي تبدأ نشأتها في جو عائلي حميم ستبدأ في هذه المرحلة بعملية جمع العاطفة في حصالة القلب، فكلما كانت العائلة ودودة ومحبة، ستجمع الفتاة رصيد كبير من العاطفة تؤهلها أن تخوض ضمار الحياة بثقة تامة، لأن ما في حسابها يؤهلها أن تشتري ما شاءت دون أن تقلق من الحاجة والفقر والطلب.
أما الفتاة التي تنشأ في جو مشحون وخالي من العاطفة والحب والمودة، ستكبر وفي حصالتها القلبية مبلغ (صفر) من العاطفة، ومن المحتمل أن تستجدي من الغرباء كي لا تبقى عارية المشاعر في المستقبل.
هذا وناهيك عن الأضرار التي ستلحقها في سكب ماء وجهها أو الذل الذي ستعانيه لأنها طلبت هذا الشيء المعنوي من الغرباء دون أن تتأكد من صلاحيته وصدقه.
هذا الكلام كله مقدمة لمشكلة أكلت زويا المجتمع وأذهبت بالكثير من الفتيات المراهقات وحتى الشابات إلى وادي التهلكة، فمسألة الفقر العاطفي هو أمر خطير جدا والبوابة الواسعة للفساد والفجور في الأمة.
فمسألة العلاقات المحرمة التي تقام بين الفتيات والشباب هي مسألة خطرة جدا ولعل أول عامل يلعب دورا كبيرا في تنشئة هذه البذرة المحرمة هو عامل الحاجة العاطفية عند الفتيات بالدرجة الأولى، والشباب بالدرجة الثانية.
لأنه وكما وصفنا قبل قليل بأن الفتاة التي لا تعاني من الفقر العاطفي ستبحث وتطلب عمن يشبع حاجتها العاطفية ويلبي غريزتها الأنثوية بالكلام الجميل والدلال.
بالتأكيد هنا الوازع الديني يلعب دورا كبيرا بأن تحمي الفتاة نفسها من الوقوع في الحرام حتى وإن كانت تعاني من نقص وجفاف عاطفي وتنتظر الحلال يطرق بابها ويعوضها الحرمان الذي عاشته في حياتها، ولكن وبصراحة تامة السبب الأول والأخير الذي يؤدي بأن تسلك الفتاة هذا الطريق هي الأجواء العائلية الخالية من العاطفة، والمعاملة الجافة التي تلقاها الفتاة من أهلها سواء من الأب أو الأم وحتى الأخوان في البيت.
فلو نتخيل بأن هذا الكائن الرقيق المليء بالمشاعر والأحاسيس الجياشة يعيش في بيئة بعيدة تماما عن الإهتمام العاطفي والكلام الجميل، وتعامل فيها بطريقة خشنة لا يليق بالرقة التي خلقها الله بها، وفجأة يأتي الحرام ويطرق بابها بأبهى كلمات الحب والغزل الوردي، والألقاب الزاهرة بحبيبتي وحياتي.. الخ.
أظن لسن بحاجة أن أذكر ما سيحصل مع هذه الفتاة، ولكن سأّذكر ما سيحصل مع الفتاة التي ترعرعت على الكلام الجميل، والدلال المعقول، ونشأت في جو مليء بالحب والحنان، فما ضر لو نادى الأب ابنته، بفتاتي الجميلة أو حبيبيتي، أو... الخ.
بالتأكيد سيعكس إيجابا هذا الشيء وسيصنع لها درعا واقيا من صدمات الحرام في المجتمع، حينها لن تكون بحاجة الى العاطفة المزيفة، وماذا ستفعل بالكذب والوهم الذي يقدمه لها الحرام، ووالدها ووالدتها وأخوانها يمنحونها العاطفة الصادقة والحب الراقي والطاهر.
فالمسؤولية الكبرى اذن تقع على عاتق الأهل باحتضان أولادهم وبناتهم عاطفيا، وخلق جو عائلي حميم مليء بالمودة والحب.
والاقتداء بالرسول (صل الله عليه واله وسلم) في كيفية معاملته مع مولاتنا فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، والتعلم من الأسلوب الراقي الذي كان يستخدمه الرسول في التعامل مع ابنته، حتى انه كان يناديها (ببنت ابيها) من فرط الحب والاهتمام الذي كان يلاقيه منها، فيعود هو عليها بالكلام الحسن.
وتقوية العامل الديني والخوف من الله هو أهم عامل يحمينا من الوقوع في المحرمات والمغريات الدنيوية، فحتى لو كان الأهل قد سقطوا في امتحان التربية الصحيحة وقصروا في هذا الجانب، ذلك لا يمثل مبررا للفتيات والشباب كي يذهبوا للحرام بأرجلهم ويلوموا الأهل على ما سيجري لهم جراء ذلك من عواقب السوء، فالله تعالى أكرمنا بالعقل كي نميز طريق الصواب من الخطأ، وكلما تقربنا إلى الله انهال علينا وابل العاطفة من كرمه ولطفه وابتعدنا عن الحرام وعوضنا الله بذلك خيرا..
اضافةتعليق
التعليقات