كما خلق الله الإنسان حرّاً أراد له أن يعيش حراً، وأن يمارس إرادته واختياره، ولم يسمح الله تعالى لأي أحد أن يسلب من الآخر إرادته أو أن يقف مانعاً له من ممارسة حرّيته، فالرِّسالات السماوية تعترف للإنسان بحريته وتحمي حريته، والمجالات التي يمكن للإنسان أن يستعمل فيها حريته في الإسلام هي بسعة الحياة وأبرزها ما يلي:
1- حرية الرأي والفكر: فلا يصح أن تجبر إنساناً ما على اعتناق عقيدة معينة: {لا إكراه في الدِّين}، {أفأنت تُكره النّاس حتى يكونوا مؤمنين} ، {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فلْيكفر}، ويقول الإمام علي – عليه السلام - : "إنَّ القلبَ إذا أُكره عَمي"، وفي ظل الحكم الإسلامي عاش اليهود والنصارى محتفظين بديانتهم وعقائدهم.
وما عدا الأصول الأساسية للعقيدة الإسلامية، يتمتع الإنسان المؤمن بحريته الكاملة في الإيمان بسائر المفاهيم الثانوية، ما لم تصل إلى حد المساس بالعقائد الأساسية.
فمثلاً: عالم الذر بتفصيله المعروف، للإنسان حريته في أن يؤمن به أو لا يؤمن فإذا ثبت لديه واقتنع بصحته آمن وإلا فليس مسؤولاً عنه فلا يجبر على ذلك.
وأما القضايا الكونية والطبيعية العلمية فلقد أوكلها الدين إلى تفكير الإنسان ومستوى علمه، فلم يفرض عليه مثلاً: الإعتقاد بحركة الأرض ودوران الشمس.. كما كانت الكنيسة المسيحية في العصور الوسطى تفرض على المجتمع المسيحي آراءها المتعسفة في هذا المجال وتكفر وتقتل كل من يخالفها الرأي في ذلك.
2- حرية القول والمعارضة: وللإنسان في ظل الإسلام الحق في أن يقول ما يشاء وأن يعارض ما يراه إنحرافاً أو مخالفة.
3- حرية العمل والتصرف: فالإسلام يمنح الإنسان حريته الكاملة في أن يعمل ما يريد ويتصرف كما يشاء، فلا يمنعه من التملك الفردي أو التعامل التجاري أو النشاط الإجتماعي، بشرط أن لا يكون في تصرفه تعدٍ على حقوق الآخرين وحريتهم أو إضرار بالمصلحة العامة.
ولا يسمح الإسلام بمصادرة حريات الناس وإجبارهم على عمل أو موقف لا يريدونه، يقول الإمام علي عليه السلام: "وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون".
لماذا الحدود والعقوبات:
قد يتساءل بعضكم عن الحدود والعقوبات التي وضعها الإسلام على بعض الجرائم كالزنا والخمر والسرقة أليس فيها تحجيم لحرية الإنسان وإعتداء على إرادته وإختياره؟
الجواب:
أولاً: المحرمات التي منع الله الإنسان منها إنما تعني مناطق الضرر والشقاء لحياة الإنسان وراحته، والله تعالى لا يسمح للإنسان بأن يؤذي نفسه ويشقيها..
ثانياً: إن أغلب هذه الجرائم تتعدى آثارها حدود الإنسان نفسه إلى حدود الآخرين وحرياتهم، فالسرقة إعتداء على الآخرين والزنا وغيره.. والإسلام لا يتيح للإنسان مجال الإعتداء على راحة الغير.
ثالثاً: محاسبة الإنسان على ما ألزم به نفسه لا تشكل إعتداءً على حريته، فمثلاً: أنت حرٌ في أن تزورني غداً أو لا تزورني ولكنك إذا وعدتني بذلك وجلست أنتظرك ولم تأتِ حسب الموعد، فيحق لي حينئذٍ أن أحاسبك: لماذا تأخرت ولماذا لم تأت؟ فهل من المعقول أن تجيبني بأنك حر؟ صحيح أنك حرٌ ولكنك ألزمت نفسك بالوعد.
لذلك يقول الإمام علي عليه السلام: "المسؤول حرٌ حتى يعِد".
اضافةتعليق
التعليقات