"دور المرأة في الاقتصاد مؤشر لانطلاق ثورتنا الاقتصادية القادمة"، هو عنوان كتاب من تأليف أفيفاه ويتنبرغ–كوكس، وأليسون ميتلاند. فالمرأة هي نصف السوق. وتمثل النساء غالبية مصادر المواهب، ويتخذن ما نسبته 80 % من قرارات شراء السلع الاستهلاكية. ويجمع الكتاب بين دفتيه تشكيلة من الفرص المتوافرة للشركات التي تعي فعلا البواعث المحفزة للنساء في مكان العمل وسوق العمل في شتى أرجاء العالم.
النمو الاقتصادي تحركه النساء؛ لا الصين أو الهند أو الإنترنت. بهذا المدخل للكتاب، توجه المؤلفتان كتابهما إلى ما تعتبرانه الثورة الاقتصادية التي أشعلتها قوة المرأة المتنامية، وإمكاناتها المتصاعدة؛ فلا يمكن لأي نشاط تجاري أو شركة تجاهلها. إذ دخلت المرأة مجالات التعليم والعمل منذ فترة طويلة، وبدأ ظهور تداعيات هذه المشاركة وتأثيراتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. واليوم، يعد موقع المرأة في الشركات والأعمال والحكومات مقياسا للصحة والنضج والنجاح الاقتصادي.
وبرأي المؤلفتين، في إن قضية "الجندر" (النوع الاجتماعي) لم تعد قضية نسائية، وإنما هي تتعلق بالعمل التجاري. فلدى البلدان والشركات بواعث اقتصادية تجعل "الجندر" على قمة سلم أولوياتها. من تلك الدوافع، المنافسة الحادة على الموظفين الموهوبين؛ إذ أصبحت الموهبة من أهم السلع المطلوبة في العالم، ونقصها يسبب مشكلات خطيرة. وستظل المواهب، وفقا لمجلة "هارفارد بيزنيس ريفيو" أهم الموارد وأكثرها ندرة، وهي ما تتنافس الشركات للحصول عليه أكثر من أي شيء آخر، وتعتمد عليها، وتنجح بسببها.
الدافع الثاني للاهتمام الكبير بالجندر، هو امتلاك فريق القيادة المناسب والصحيح. ففي بيئة العمل التجاري التي تتسم اليوم بالمفاجآت والحاجة إلى التوقع والتنوع والتعدد، تحتاج إلى فريق قيادة وإدارة متنوع. وقد وجدت دراسة أميركية أن الشركات التي تضم أعلى نسبة من النساء في فريق إدارتها العليا، تفوقت في الأداء بشكل كبير على تلك التي تضم أدنى نسبة.
أما الدافع الثالث، فهو أن النساء يمثلن نصف السوق وأكثر. ومن المؤكد أن التسويق الذي يستهدف النساء، مختلف عن التسويق الموجه للرجال. ولأجل الاستجابة لهذه الشريحة من المستهلكين (النساء) وفهم توقعاتها وطموحاتها، لا بد من عمل ابتكاري إبداعي في العلاقات مع الزبائن. وبالطبع، فإن الإدارة النسائية ستكون الأكثر قدرة ونجاحا في هذا المجال.
وتلاحظ المؤلفتان أن النساء يمثلن اليوم غالبية خريجي الجامعات (54 %) في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (وتكاد تكون النسبة نفسها في كثير من البلدان النامية). ونسبة النساء الجامعيات اليوم أكثر من الرجال، وهن الأكثرية فيمن يحصلون على الشهادات العليا (الماجستير والدكتوراه). وتُظهر الأبحاث تفوق البنات في المواد والموضوعات على كل مستوى أكاديمي تقريبا. ونظرا إلى تفوق النساء تعليميا، وانضمامهن إلى شركات عدة، يبدو من المنطق السليم تمكينهن من أجل تقاسم القيادة.
إن عدم استغلال الإمكانات الكاملة للمرأة في وقت تعاني فيه الأعمال من نقص المواهب، إنما يؤدي إلى زيادة الخسائر، أو تقليل نسب الأرباح والنجاح.
ومن أكثر التحديات انتشارا على صعيد توظيف المرأة، أن النساء يتجهن بعد سنوات من الالتحاق بالعمل إلى الاستقالة للتفرغ للأسرة، أو بحثا عن عمل يتيح المجال للتوفيق بين التزامات العمل والأسرة، لكنّ هناك أسبابا أخرى أيضا لترك المرأة للعمل، تتعلق ببيئة العمل وثقافته. ولذلك، تنصح المؤلفتان بمجموعة من الأفكار لأجل الاحتفاظ بالنساء في الوظائف. منها، تحليل التسرب وأسبابه؛ فما الذي تجده المرأة مثيرا للسخط ومسببا للعزلة والاستبعاد في ثقافة الشركة؟ قد تكون برأي المؤلفتين حالات سطحية، تتعلق بأسلوب المعاملة، كأن ينسى المدير عمل الموظفة، أو أن لا يكون قادرا على التمييز بين الموظفات. وقد ذكر معظم النساء في دراسة استطلاعية أن أسباب تركهن للعمل تتعلق بتغيير البنية الهيكلية المؤسسية، وعدم الحصول على الترقية المطلوبة، وعدم تعلم شيء جديد، وعدم الاستمتاع في العمل. فيما كانت نسبة قليلة من النساء (أقل من 4 %) قد تركن العمل لأسباب أسرية.
انتهت الأفكار التي لا تعتبر أن للمرأة دور كبير في الحياة الاقتصادية بأي مجتمع، وباتت أي دولة لا تؤمن بأن المرأة نصف المجتمع وهذا يؤدي إلى ضعف العائد الذي يمكن أن يجنيه ذلك الاقتصاد، وضعف في معدلات النمو. فالعديد من الدول التي استبعدت المرأة في الحياة الاقتصادية وتحرمها من القيام بأي نشاط في المجتمع بسبب عادات قديمة كما كان منتشرًا في الصين والهند، شل قدرة الاقتصاد على النهوض والنمو.
يشير خبراء في الاقتصاد أن زيادة مشاركة المرأة في المجتمع وانخراطها في سوق العمل كانت القوة الرئيسية للنمو خلال العقدين الماضيين، ويؤكدون أن مساهمة المرأة في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي يزيد على ما تحققه الابتكارات التكنولوجية الجديدة أو حتى عمالقة الاقتصاد الجدد مثل الصين والهند، ولو تم إضافة قيمة عمل المرأة في المنزل ورعاية الأطفال، فإن إجمالي مساهمتها في الناتج المحلي العالمي ستزيد على النصف.
هذا الارتفاع الكبير في مشاركة المرأة في الاقتصاد عائد إلى ارتفاع نسب المرأة في التعليم وامتداد هذا النجاح إلى الجامعة حيث يمثلن حاليًا حوالي 55% من إجمالي عدد الطلاب الجامعيين.
شهدت العقود الأخيرة الماضية نهضة كبيرة على مستوى مشاركة المرأة في الاقتصاد وحققت قفزة كبيرة في انتزاع حقوقها في سوق العمل.
ففي الولايات المتحدة أكبر اقتصاد على مستوى العالم بلغ عدد النساء العاملات يوازي تقريبًا عدد الرجال، وفي الصين تقف النساء تحت سن 35 سنة كمحرك أساسي له. وحسب الإحصائيات التي أوردتها المفوضية فإن نسبة النساء في سن العمل اللاتي يحصلن على عمل تقدر بحوالي 50% مقارنة مع نسبة الرجال البالغة 76%.
مساهمة المرأة في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي يزيد على ما تحققه الابتكارات التكنولوجية الجديدة.
كما أن فجوة المداخيل بين الرجال والتساء تتجه نحو الانخفاض أكثر من الماضي وكانت توقعات البنك الدولي أشارت إلى ارتفاع مداخيل النساء حول العالم في العام 2014 إلى نحو 18 ترليون دولار أي أكثر من ضعف إجمالي الناتج العام المتوقع لكل من الهند والصين.
قضية المساواة بين الرجل والمرأة في عالم المال والأعمال خرجت من كونها قضية اجتماعية كما كانت سابقًا، لتصبح قضية اقتصادية تعد من بين التحديات العالمية لدفع النمو الاقتصادي وخصوصًا على صعيد زيادة القوى الشرائية وزيادة معدلات الناتج المحلي للدول.
وصارت المرأة تنافس بشكل فعلي الرجل في بعض بلدان العالم كما هو حاصل في الولايات المتحدة حيث بلغت نسبة الأعمال التجارية التي تملكها سيدات أعمال حوالي 40% من إجمالي الأعمال التجارية في أمريكا. ومن حيث تجميع الثروة فهناك 44% من النساء اللاتي يملكن أموالًا تساوي 100 ألف دولار وما فوق حسب تقرير للثروة العالمي وهنّ رائدات أعمال أو موظفات في شركات كبيرة استطعن تنمية ثرواتهن باستقلالية ومن دون اعتماد على أي جهة.
ومن جهة ثانية تثبت المؤشرات أن النساء يعملن أكثر من الرجال، ففي اليابان يفوق عبء النساء من العمل عبء الرجال بنسبة (7%) وفي النمسا(11%) وفي ايطاليا (28%)، والنساء في الهند يعملن 69 ساعة أسبوعيا مقابل 59 ساعة للرجال.
وفي تقرير لمعهد ماكينزي العالمي جاء فيه أن مساواة المرأة مع الرجل في سوق العمل يمكن أن تضيف حوالي 12 ترليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول 2025 كما أن إعطاءها حق المساواة في سوق العمل بالمنطقة العربية وإيران وتركيا سيضيف حوالي 2.7 ترليون دولار إلى إجمالي الناتج المحلي بحلول 2025.
اضافةتعليق
التعليقات