بعد إن انتهى العام الدراسي وأغلقت أبواب الجامعات أمام طلابها الذين قضوا فيها أجمل سني حياتهم, حتى بانت بوادر القلق على وجوههم الفاترة لمستقبلهم المجهول اذ نرى جميع الخريجين وبمختلف مستوياتهم العلمية والاجتماعية يسعون للحصول على فرص عمل من أجل توفير لقمة العيش وتحقيق مستقبل أفضل لعوائلهم فضلا عن تحقيق ذاتهم في المجتمع, لكن هذا الطريق لم يعد مفروشا بالزهور فرحلة البحث عن العمل الذي يتناسب مع تحصيلهم الدراسي وقدراتهم البدنية والذهنية شائكة وطويلة, وأمل التعين في القطاع الحكومي بات مستحيلا لقلة الدرجات الوظيفية أو انعدامها, وهذه المشكلة تتطلب وقفة جادة لإيجاد الحلول المناسبة لها والقضاء عليها لأن استمرارها بدون معالجة ستؤدي إلى تبديد آمال الشباب فضلا عن الآثار السلبية الناتجة وأهمها البطالة..
(بشرى حياة) أجرت هذه الجولة الاستطلاعية لمعرفة آراء الخريجين بمختلف مستوياتهم ومدى تأثير انعدام التعين على نفسيتهم وتفكيرهم وحياتهم.
سنوات ضائعة
حدثنا الخريج مرتضى خضير/ 25سنة بمرارة عن سنوات الدراسة التي وصفها بالسنوات الضائعة كونه انفق أموالا كثيرة من أجل الحصول على الشهادة قائلا: "بعد أن غادرت مقاعد الدراسة كنت مطمئنا من ناحية حصولي على عمل لكون القسم الذي درسته من ضمن الاختصاصات الطبية وهو قسم التحليلات المرضية لكن شعور اليأس والإحباط اعتراني عندما اخبروني أن قسمي لم يشمل بالتعيين المركزي, والأكثر منها الصد العنيف بعدم قبولي بأي مستشفى أهلية أو حتى عيادة طبية لعدم امتلاكي سنوات خبرة وكفاءة مهنية, وهنا تشوهت صورة المستقبل المشرق الذي رسمته بمخيلتي في سنوات الجامعة, ولاسيما أن قطار العمر يسير مسرعا ولا استطيع اللحاق به, وقد تأخرت في الزواج وعدم حصولي على أي فرصة عمل تناسب مؤهلاتي العلمية الأمر الذي دفعني إلى الانضمام إلى جيوش العاطلين".
وشاركنا أيضا عبد المغيث نبراس/ 28سنة خريج كلية الإدارة والاقتصاد قائلا: "بعد أن سئمت انتظار تعين الوظائف الحكومية, كما إني لا استطيع إقامة أي مشروع كونه يحتاج إلى رأس مال وليس بمقدوري توفير ذلك, إضافة إن معظم الحرف والمهن الحرة تعاني حاليا من التخمة, كل هذه الأمور أجبرتني للقبول بأي عمل حتى لو كان لا يكافئ تحصيلي الدراسي فعملت في مجال التنظيف واستقبال الزبائن في احد الفنادق لكن العمل كان شاق جدا فعمدت على تغييره, والعمل بائعا في إحدى المحلات التجارية ولقلة الأجر اليومي تركته وواصلت رحلة البحث الشاقة عن عمل اخر يناسبني بلا هدف أو رؤيا واضحة لمستقبلي الذي يكاد أن يكون مجهولا مع ضياع أمل التعين بشهادتي في أي مكان أروم إليه فلهذا بدأت أفكر بالسفر خارج العراق
والبحث عن حياة جديدة في مكان آخر يشعرني بأن لي وجود وكيان طالما بحثت عنه في بلدي".
من ناحية أخرى شاركتنا سهر طالب/ (29 سنة) التي لم تستسلم لقدر هذا الجيل من الخريجين قائلة: "لم انتظر دوري في التعين في أحدى الوظائف الحكومية بل أجهدت بالبحث عن وظيفة حتى وأن لم تتلاءم مع السنوات الأربعة الذي قضيتها في كلية التربية قسم اللغة العربية, فطرقت باب الكثير من المشاريع الصغيرة منها أعطاء دروس تقوية لبعض الطلبة إلا أنني فشلت بعد أن واجهت الكثير من العقبات فأنهم لم يدفعوا لي إلا مبالغ زهيدة وهي غير كافية للمتطلبات الحياتية كما أني أصبحت اشعر بالخجل من أهلي عندما اطلب منهم مالا لشراء الملابس أو أشياء أخرى, فأرغمت على ممارسة مهنة خارج أطار اختصاصي وهو مندوبة مبيعات في إحدى الشركات وعلى الرغم من انه عمل شاق بالنسبة لفتاة إلا إني سعيدة به كما إني أوفر حظا من الكثيرات اللواتي لم يحصلن على عمل".
خوف مرتقب
وكانت لنا هذه الوقفة مع الباحث الاجتماعي حيدر حسنين قال فيها: "مما لاشك فيه ان العمل يعد عصب الحياة فبدونه تبدو ميتة وعديمة الجدوى فالعمل هو الأساس لكسب الرزق وأداء لبناء وتطوير البلد والارتقاء به نحو الأفضل وفي مقابل ذلك فأن توقف العمل وانعدام فرصه ولمختلف الأسباب سيؤدي حتما الى البطالة وقلة مدخولات الأفراد وتوقف عجلة الأعمار وعدم القدرة على اللحاق بركب الحضارة والتطور في البلدان الأخرى".
وأضاف: "كما إن هناك آثار سلبية للبطالة تسبب حدوث مشاكل نفسية واجتماعية للعاطلين عن العمل, وتترك أثار واضحة على الفرد والمجتمع فالشباب العاطل يصاب بالكآبة, ويميل إلى الانطواء والانعزال والابتعاد عن مخالطة أقرانه العاملين كونه يشعر بأنه اقل مستوى منهم, نتيجة انعدام أهدافه وطموحاته في الحياة وبذلك يكون عبئا ثقيلا على عائلته, وقد يتحول إلى شخص عدواني في بعض الأحيان".
كما أشار بقوله: "إن أزمة عدم توفر وظائف للخريجين تنذر بخوف مرتقب من هجرة الشباب الكفوئين, والأيادي العاملة, مما سيزيد من تأثر اقتصاد البلد وحتى مشاريع الزيجة".
وتابع: "وبحسب متابعتي للشارع الاقتصادي, أرى أن الأزمة المالية التي يمر بها العراق وإجراءات التقشف التي اتخذتها الدولة قد ألقت بضلالها على حركة الأسواق فأضعفت عملية تداول العملة والتبادل التجاري وكذلك تأجيل المشاريع الاستثمارية التي يتطلب تنفذيها تشغيل الكثير من الأيدي العاملة, كما إن العراق يتعرض منذ أكثر من أربع سنوات إلى حالة من الركود الاقتصادي وازدادت حالة الركود بعد حدوث الأزمة المالية نتيجة تراجع أسعار النفط التي انعكست سلبا على البرامج الاستثمارية للوزارات والمحافظات وزادت أيضا المشاكل الاقتصادية في البلد".
مبينا: "أن تلك المشاكل انعكست على القطاع الخاص والشركات التجارية والمصارف والمقاولين والتي اضطرتهم إلى تقليل أعداد موظفيهم بشتى الوسائل نتيجة توقف أعمالهم مما أدى إلى زيادة أعداد الخريجين العاطلين عن العمل الأمر الذي انعكس على عامة المجتمع مقترحا على الدولة ايجاد الحلول السريعة لأمتصاص البطالة والتخلص من آثارها السلبية".
اضافةتعليق
التعليقات