طرائف طريفة.. نكات ظريفة.. مسجات مضحكة وساخرة.. سيل عارم يكتسح عالمنا، ويغزو وسائل التواصل الاجتماعي حتى أصبح سمة بارزة في كل المسجات المتبادلة بين مستخدميها..
إنه سيل يميط اللثام عن واقع عبثي تؤدلجه أيادي الظرفاء ممن يجيدون التنكيت، مما ولّد حالة من التخبط في الوسط المجتمعي، ألا يحق لنا أن نتساءل: ما جدوائية هذه الطرائف المنتشرة؟ وما نفع النكات في تقويم السلوك العام؟
مما لا شك فيه أن الضغوط النفسية التي يتعرض لها الأفراد، تساهم بشكل كبير في بروز هذه الظاهرة، والبشر يميل إلى النكتة كنوع من التنفيس عن تلك الضغوط النفسية المتراكمة بسبب المشاكل التي تعترض طريقه، هنا يمكن الاعتماد على النكتة كبارومتر لمعرفة طبيعة المجتمع وتوجهاته، وما تسوده من مشاكل وارهاصات على كافة المستويات .
ولكن من المؤسف حقا استعمال النكتة لغرض الاستخفاف بشريحة معينة من الناس، كالذي يحصل الآن من استهداف المرأة، باعتبارها الحلقة الأضعف في المجتمع، وتصويرها على أنها كائن منبوذ لابد من التخلص منه آجلا أم عاجلا، فهذه النكات تغرس في عقول الناس أن الزوجة مثلا مكروهة لدى الزوج، وأنه يتمنى من كل قلبه التخلص منها ومن مسؤولياتها الكثيرة، بل والذهاب لأبعد من ذلك تصوير الزوج وهو في قمة السعادة لتخلصه من زوجته عبر نكتة سمجة لا تخلو من ذكورية مفرطة .
وهنا النكتة تبين لنا بوضوح ذكورية المجتمع وتسلطه اللامتناهي ضد النصف الآخر.. أما إذا كان المجتمع طائفيا فانه بلا شك سيركز على المذاهب، ويحاول الاستخفاف بكل مذهب وتصويره للناس بشكل ساخر .
وهناك أيضا استهداف آخر لشريحة أخرى في المجتمع كالأكراد، الذين نالوا من النكات حصة الأسد لا لشيء، وإنما لتكريس النظرة الدونية لهذه الشريحة المستهدفة .
ومما لا شك فيه أن التنكيت إزاء مفهوم معين كأن يكون عقدي مثلا، قد يؤدي لا شعوريا إلى الاستهانة بقيمته الكامنة في النفوس، كما أن التطرف باستخدام النكتة واسقاطها على جميع الناس، يولّد حالة من التسقيط، كما يجري حاليا من التطاول على القدوات والعلماء، وكل الذين يتصدّرون واجهة الأحداث .
وهذا التسقيط للقدوات والقيم، له مَن وراءه من أيادٍ تدفع وفكرٍ يحرف.. وهنا تكمن الخطورة .
ولا نبالغ إذا قلنا: إن النكتة هي أسرع الوسائل وأنجحها على الإطلاق لغسيل المخ، والتأثير في فكر الآخرين، ولها قابلية كبيرة لتغيير قناعات الناس وتبديل مسلّماتهم البديهية، وهي تؤثر بالتالي بشكل سلبي على منظومتنا الأخلاقية، وتساهم في تفكيك المجتمعات والنيل من روابطها الاجتماعية وعاداتها وأعرافها .
"لقد استخدمت النكتة منذ زمن بعيد، للتأثير على الدول والشعوب، استخدمها الاحتلال البريطاني في مصر لكسر شوكة ابناء الصعيد الأحرار، الذين أذاقوا الانجليز صروفا من العذاب بثوراتهم ضد الاحتلال البريطاني، فأطلقوا عليهم النكت الكثيرة ومشاهد السخرية العديدة، وهم في الحقيقة أكثر الشعوب نخوة وكرما وغيرة وشجاعة، بل وقدّموا للعالم العربي الكثير من العباقرة والكتّاب والشخصيات المعروفة".
ولا نستبعد أصابع اليهود واللوبي الصهيوني في توجيه هذا الفكر المريض، وزرقه في مفاصل الأمة الإسلامية، كي يتم اضعافها وتمرير ما يبيّتون من مؤامرات ضدها .
وإذا كان لابد من الترفيه عن النفس، فاللجوء إلى طرائف الحكم هي من أفضل الطرق، فلنتخير ما نشاء من النكات التي تراعي العرف والدين معا، والابتعاد عن كل ما من شأنه تشويه مبادئ الدين أو تساهم في السخرية من النساء أو النيل من قداسة الحياة الزوجية .
فالنكتة تعطي انطباعا ايجابيا حينما تستهدف صفة ذميمة كالخنوع والجبن والتسويف والبخل وما أشبه .
أما الإفراط باستخدامها فانه يؤدي إلى اشاعة جو من العبثية واللامبالاة وإلى تسقيط القدوات، وخلق هوّة واسعة بين الشعوب وقياداتها، وهذا ما تبتغيه دوائر السوء وما تخطط له أيادي العابثين .
اضافةتعليق
التعليقات