خرجتُ من منزلي مثقلة بالهموم لا أدري إلى أين ستكون وجهتي؟ التفتت إلي صغيرتي وهي تجر بأذيالي قائلة..
ــ أماه إلى أين سنذهب؟
لم أسمع سؤالها لأن صوت حيرتي كان أعلى من صوتها لا أعلم لماذا أنا في حيرة؟ قلبي أصابه الحزن حتى أزقة المدينة كان الحزن يخيم عليها كأنها كانت تبكي على شخص عزيز قد فقدته أو ستفقده، تركت ابنتي يدي ومشت أمامي، وفي منتصف الطريق انتبهتُ أن يدي خالية، التفتُ يمينا يسارا لم أجدها، خفق قلبي، ثقلت قدماي، ماذا أفعل؟ قلتُ صائحة..
ــ صغيرتي أين أنت؟
اصفر وجهي، كأن الموت يريد أن يقبض روحي، صحت مرة أخرى..
ــ أين أنت يا فاطمة؟
أقبل أحدهم نحوي وقال...
ــ أمة الله هل تبحثين عن طفلة؟
هززت رأسي قائلة بإرباك..
ــ نعم، نعم
قال..
ــ رأيت للتو طفلة أمام مسجد رسول الله صلى الله عليه واله جالسة تبكي
قلت بفرح...
ــ شكرا لك
توجهتُ مسرعة نحو المسجد وقلبي كاد يخرج من صدري رأيتها جالسة كما أخبرني الرجل وأمامها امرأة سمعتها تقول وهي تحاول أن تهدئها ..
ــ لا تبكي عزيزتي إن شاء الله ستأتي أمك
اقبلت نحوها وعانقتها، قالت باكية..
ــ لماذا تركتيني؟
مسحتُ دموعها قائلة..
ــ آسفة بنيتي
بينما أنا أعتذر منها وإذ بي أرى امرأة أقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه واله ) ، تخجل الشمس من هيبتها، ويخجل النهار من حشمتها، لما رأيتها بهذه الهيئة خر قلبي ساجدا أمامها، جذبت روحي نحوها كما تنجذب الفراشة نحو الضوء قلت في نفسي..
ــ ما الذي يجري؟ ما الذي جاء بسيدتي إلى المسجد؟
التفتت الي فاطمة قائلة..
ــ أماه من هذه المرأة الجليلة؟
قلتُ بحزن وقلبي يعتصر ألما..
ــ إنها فاطمة
قالت بسرور..
ــ فاطمة بنت رسول الله؟
هززت رأسي وقلت..
ــ نعم
قالت متوسلة..
ــ أرجوك أماه دعينا ندخل المسجد ونجلس عندها
قلت لها..
ــ حسناً هيا بنا
أخذتُ بيدها ودخلنا سوية، كان المسجد غاصا بالحاضرين يتهامسون فيما بينهم، وجوههم وجلة، جلست في زاوية سمعتها أنّت أنّةً أجهش لها القوم بالبكاء، فارتجّ المجلس، لم أتمالك نفسي بكيت بحرقة، كيف لا أبكي؟ وابنة رسول الله أحرقوا دارها واسقطوا جنينها وكسروا ضلعها، لما كف الحاضرون عن البكاء افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فعاد القوم في بكائهم، فلمّا أمسكوا عادت في كلامها قائلة..
ــ الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدّم
إلى أن قالت..
ــ أيّها المسلمون، أأغلب على إرثي؟ يابن أبي قحافة، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريّاً على الله ورسوله، أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول: "وورث سليمانُ داودَ"
قلت وأنا اضرب رأسي بيدي..
ــ اي والله يا سيدتي لقد غصبوا حقك
كانت ابنتي تبكي وتقول..
ــ يا سيدتي ليتني كنت رجلاً لأقتل هؤلاء الفجرة
كان الحاضرون كأن على رؤوسهم الطير، لم اسمع صوتهم جهرا ولا همسا، سبحان الله كيف جعلتهم ساكتين صاغين لقولها إنه لشيء عجبا! كانت النساء يبكين بصمت ثم قالت..
ــ وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون، وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعملوا إنا عاملون، وانتظروا إنّا منتظرون.
سمعتُ صوت أبي بكر ذلك الصوت الذي يحمل في طياته الخبث والحقد ..
ــ يا بنت رسول الله ! لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً، ورؤوفاً رحيماً، وعلى الكافرين عذاباً أليماً، وعقاباً عظيماً
الى ان قال...
ــ حكمك نافذ في ما ملكت يداي، فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك ؟!
اجابته مولاتي بشجاعة لتكشف كلامه المزيف وتفضح نواياه الخبيثة..
ــ سبحان الله، ما كان أبي رسول الله (ص) عن كتاب الله صادفاً ولا لأحكامه مخالفاً ! بل كان يتّبع أثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور....
ولما انهت خطبتها التي كشفت زيف اعداء الإسلام عطفت على قبر النبي صلى الله عليه واله ورثته بكلمات اشعلت القلوب نيرانا، بكيتُ لبكائها، ثم خرجت من المسجد وخرجت معها ابنتها الصغيرة زينب عليها السلام، سبحان الله تشبه أمها بحجابها وبوقارها، خرجت مولاتي فاطمة منتصرة قد هدمت اصنام الجاهلية، كانت كأنها شمس تمشي على الأرض خرجتُ خلفها، كنتُ أنظر إليها بعين دامعة، كانت تمشي ببطء لعل كسر ضلعها يؤذيها، ودعتها بنظرات حزينة، ركضت ورائها ابنتي وهي تقول..
ــ مولاتي، مولاتي إني لأحبك وأحب بعلك
قالت سيدتي عليها السلام ..
ــ إن السعيد كل السعيد، حق السعيد من أحب عليا في حياته وبعد موته.
أيقظني صوت زوجي وهو يقول..
ــ السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ رَسُولِ الله، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ نَبِيِّ الله..
رفعت رأسي من الوسادة، نظرت يمينا شمالا وأنا أقول..
ــ أين انا؟
التفت إلي زوجي قائلاً ..
ــ أنت في بيتك
ثم قال ضاحكا..
ــ هل رأيت نفسك في لندن أم في باريس؟
اجبته باكية..
ــ لقد رأيت نفسي أنني اعيش في عهد رسول الله صلى الله عليه واله وإنني دخلت مسجد رسول الله وسمعت خطبة مولاتي فاطمة عليها السلام.
ثم قصصت عليه ما رأيت، قال..
ــ رأيتك الأمس تقرئين الخطبة الفدكية
قلت بصوت منكسر..
ــ قبل أن أخلد إلى النوم سألت الله تعالى أن يريني مولاتي الزهراء
ــ اللهم إلعن من قتل فاطمة.
اضافةتعليق
التعليقات