إن هذا المسير المليوني الذي باتت صورته مألوفة كل عام في مختلف وسائل الإعلام المحلي والعالمي، والذي أطلق عليه اسم (الأفعى السوداء)، ما يزال وبقوة حاضراً رغم تحديات الزمن الراهن وصعابه المادية منها والصحية والسياسية، لذا وجب استثمار هذه الحركة المليونية المتأججة بالمشاعر بأمثل الطرق وأسرعها تطبيقاً؛ لنقطف ثمار التغيير المنشود الذي رسم خارطته الإمام المظلوم عليه السلام، وأراد من الأمة أن تسير وفقها.
إن مقولة (الحسين عِبرة وعَبرة) غدت على كل لسان، ومن هذا المنطلق لابد من تغذية الجانب المعرفي الثقافي للزوار، وقد بدأت قلة من المواكب ببذر هذا التوجه، ومازال يفتقر إلى المزيد من التقنيات والأساليب الجاذبة لكل الفئات والأنماط.
فعلى طول الطريق الممتد بين المحافظات وصولاً إلى كربلاء الإباء، تكاد تعد على أصابع الكف الواحدة المواكب التي أولت اهتمامها بتعزيز ثقافة الزائر، ومحاولة الارتقاء بالواقع الفكري لديه، وتقتصر أغلبها على خيم القراءة، وعلى الرغم من أهميتها ودورها الكبير كوسيلة معرفية، إلا أنها تجذب فئة قليلة فيما تبقى الفئات الأخرى ومنهم الأميون في عوز معرفي كبير.
ومن خلال معرفة الأنماط البشرية أو التمثيلية (النمط البصري، السمعي، الحسي)، سنتمكن من إرواء أشجار المعرفة بطرق مبتكرة تهفو لها النفوس، فنصب شاشات عرض كبيرة في الشوارع العامة وأخرى أصغر في المواكب الحسينية تشبع رغبة الشخص البصَري النهِم للصور المرئية حين تبث عليها المعلومات بشكل فيديوهات، أو صور متحركة، أو مقاطع تمثيلية، وكذلك تفعيل دور المسرح بما له من نتائج إيجابية في تسليط الضوء على السلوكيات الخاطئة وتصحيحها، ويدخل مسرح الطفل في الإطار ذاته.
ومن طرق جذب البصريين تشغيل جهاز عرض الصور (داتاشو) أثناء المحاضرات، فمن خلاله تتضح وتترسخ لديهم الأفكار المراد ايصالها من قبل المحاضِر.
أما الشخص السمعي فقصائد العَبرة يحفظ أغلبها، ولابد من توفير قصائد العِبرة، وهي تكاد تكون نادرة، إضافة لتجديد أساليب الطرح المنبري والخروج من النصوص المكررة، ويعد هذا واجباً على كل من يرتقي المنبر الحسيني، فعلى عاتقه تقع مسؤولية ايصال فكر أهل البيت عليهم السلام بما يكون دافعاً للتطبيق لا حاجزا عنه، مع التركيز على فئة الشباب وخاصة المبتعد عن الدين، ويبدو ذلك في سيماهم وقصات شعورهم وملابسهم وأخلاقهم، فكثيراً ما يتعرضون للكلام الجارح المنفر، ومن يعلم لعل سفينة الأربعين هي من ستنجيهم!! فلا ضرر بأن نأخذ بأيديهم، فإن لم تُنر المحاضرات الطريق لهذه الفئة فلمن ستنيره؟!
وبالنسبة للشخص الحسي، فأكثر ما يستهويه لمس الأشياء للإحساس بها وهو شخص ذو مشاعر جياشة وعاطفة كبيرة، ومن الأساليب المقترحة لجذبه وضع لوحة يكتب عليها معلومة مميزة أثارت إعجابه، إضافة الى نصب خيم للتجارب العملية التي يقوم بها الزائر بنفسه، والمسابقات التي تضخ درر المعرفة.
إن موائد الحسين الثقافية الغامرة بالبركة وواحته المترعة بالعلم، لابد أن يُدعى لها الجميع، والقائمون على المواكب هم الداعون، فلا غنى من زيادة المخزون الثقافي لهم من خلال الاشتراك بدورات التنمية البشرية لكسب مختلف المهارات اللازمة، فضلاً عن تعلم اللغات للتمكن من التواصل مع الزوار القادمين من كل فج عميق لتأدية الحج الحسيني الكبير.
لا بد لأقدام الزوار الكرام أن تطأ العادات البالية والسلوكيات المنحرفة قبل أن تطأ الأرض، عليها أن تدوس كل جهل ليرتقي المجتمع كل عام بنهضة تحمل اسم الحسين قولا وفعلا، ويعود الزائر لداره محملا بفكر إسلامي رصين وسلوك حسيني قويم.
إن للأربعين نوراً عظيماً، وفي موشور التنمية يتحلل النور إلى ألوان الطيف المتعددة، ليقتبس كل فرد لونه المفضل، يعرج به في آفاق علوم محمد وآله، فغاية الثورة أن يثور كل فرد على واقعه وينفض غبار جهله، ويُعمل عقله وفكره في انتخاب طريق الصلاح، ولن يكون ذلك إلا بالعلم، ونستشرف مستقبلاً واعداً في هذا المجال بتعاضد الحركات والمؤسسات الفكرية والدينية والعلمية، ورغبة المجتمع بالنهوض من سباته الطويل، وستشهد السنوات المقبلة وثبة تنقلنا لمستويات متقدمة بالإرادة والصبر والمرونة.
اضافةتعليق
التعليقات