الخوف من الموت امر فطري عند جميع البشر بمختلف طوائفهم ومذاهبهم وهو ما يميز الانسان عن غيره من الكائنات إذ ذهب العديد من العلماء بأن الانسان هو الكائن الوحيد الذي يعي انه سيموت وانه لا فرار من الموت، إلا ان طبيعة الخوف وأسبابه تختلف من شخص لآخر.
فترى غير المؤمن متمسكاً بالحياة خائفاً من الفناء فيبتكر عقائد لا صحة ولا دليل مقنع لها كتناسخ الأرواح مثلاً أو يهرب من الموت ويتصدى له بتجاهله وعدم التفكير فيه، وقد يعتبر الحديث عنه أمراً ثانوياً لا يطمئن له قلبه، فالموت شيء مخيف و الحديث عنه أمرٌ مبغوض، فخوفه إذا هو الذي حدا به الى تجاهله وتناسيه وهذا ما ذهب اليه الكثير من علماء وكتاب الغرب ومثال على هذا قول الكاتب الفرنسي لاروشفوكو: (ان ثمة شيئين لا يمكن ان يحدق فيهما المرء: الشمس والموت).
وقول بوسويه: (ان اهتمام الناس بدفن افكارهم عن الموت قد لا يقل شأنا عن اهتمامهم بدفن موتاهم).
وإن كانت غريزة حب البقاء من الغرائز الأساسية في كل إنسان إلا انها عند غير المؤمن اقوى بسبب حبه للحياة وتعلقه بها.. فيخاف الموت لأنه يمثل العدم المطلق الذي سيحيل كل شيء الى لا شيء في لحظة واحدة.
أما المؤمن فخوفه خوف ممدوح فهو خوف من الله لا خوف من الفناء.. خوفٌ يدفعه لمزيد من العمل في مرضاة الله جل جلاله، وقد يكون الخوف ناجم من التفكير في المصير ورغبة في زيادة العبادة في الدنيا أو جهلاً بحقيقة الموت وما وراء الموت وهذا أمر طبيعي.. ويمكن أن نستفيد مما جاء في روايات أئمتنا عليهم السلام ونعلم بأن الموت للظالم عذاب وللمؤمن راحة وهناء.. وقد روي عن الإمام الجواد عليه السلام -لما سئل عن علة كراهة الموت- انه قال: "لأنهم جهلوه فكرهوه، ولو عرفوه وكانوا من أولياء الله عز وجل لأحبوه، ولعلموا أن الآخرة خير لهم من الدنيا، ثم قال عليه السلام: يا أبا عبد الله ما بال الصبي والمجنون يمتنع من الدواء المنقي لبدنه والنافي للألم عنه؟ قال: لجهلهم بنفع الدواء، قال عليه السلام: والذي بعث محمداً بالحق نبيا إن من استعد للموت حق الاستعداد فهو أنفع له من هذا الدواء لهذا المتعالج، أما إنهم لو عرفوا ما يؤدي إليه الموت من النعيم لاستدعوه وأحبوه أشد ما يستدعي العاقل الحازم الدواء لدفع الآفات واجتلاب السلامة".
هكذا هو المؤمن يستعد للموت قبل فوات الأوان ولا يؤجل ذلك الى الشيخوخة لأنه يدرك أن الموت قد يجيء فجأة دون سابق إنذار، فتراه كثير التفكر بالموت كما جاء في وصايا أهل البيت عليهم السلام، فالتفكير في الموت يدفعه للعبادة ويولد فيه رادعاً يردعه عن المحرمات، والدنيا بالنسبة له ليست إلا "كبيت نسجته العنكبوت" وما الحياة إلا جسر يوصله الى تلك الحياة الأبدية.. حياة لا فناء فيها.. فيزهد هنا ويبني هناك كما كان أميره أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فقد روي أن سويد بن غفلة دخل على أمير المؤمنين في داره فلم ير في البيت شيئاً، فقال: أين الأثاث يا أمير المؤمنين؟ فقال (عليه السلام): يابن غفلة نحن أهل بيت لا نتأثث، نقلنا جل متاعنا إلى الآخرة، إنما مثلنا في الدنيا كراكب ظل تحت شجرة ثم راح وتركها.
بعد ان تحدثنا عن الخوف من الموت لابد لنا من ذكر ما هو الأجمل فيه... عن أبان بن عثمان، عن عقبة انه سمع أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: إن الرجل إذا وقعت نفسه في صدره يرى، قلت: جعلت فداك وما يرى؟ قال: يرى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقول له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا رسول الله أبشر، ثم يرى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيقول: أنا علي بن أبي طالب الذي كنت تحبه تحب أن أنفعك اليوم، قال: قلت له: أيكون أحد من الناس يرى هذا ثم يرجع إلى الدنيا؟ قال: قال: لا، إلا رأى هذا أبدا مات وأعظم ذلك، قال: وذلك في القرآن قول الله عز وجل: "الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ".
وفي هذا المعنى قال الشاعر السيد اسماعيل الشيرازي مخاطبا أمير المؤمنين (عليه السلام):
أيها المرجى لقاه في الممات
كل موت فيه لقياك حياة
ليتما عجل بي ما هو آت
علني ألقى حياتي في الردى
فائزاً منه بأوفى النعم
فموت فيه لقاء أهل البيت عليهم السلام وفيه نظر لوجه رسول الله صلى الله عليه وآله وأخيه أمير المؤمنين عليه السلام ما اجمله من موت بل هو حياة لا موت بعدها..
اضافةتعليق
التعليقات