جلست زينب صاحبة الخمس وعشرين عاما على مكتبها الانيق مرتبكة، وجلة مما يدور حولها لكونه اليوم الاول في وظيفتها الجديدة، يشاطرها الغرفة ثلاث نسوة بأعمار مختلفة تباعد بينهن الخمس والسبع سنوات لربما، ورجل أنيق يخال لها انه في الأربعين من العمر.
كان الخوف والتردد يسيطران عليها بصورة تامة، وتتساءل في نفسها كيف سأتعامل مع هذه الفئات العمرية المختلفة؟
وهل ستنقضي ساعات الدوام الطويلة بصحبتهم ومحادثتهم دون ملل؟
وبينما كانت زينب شاردة بفكرها دلفت الغرفة موظفة تبين انها من الغرفة المجاورة، وجلست بالقرب من إحدى الزميلات التي كانت منهمكة في انجاز ما وكل اليها من اعمال، وبدأت الاولى تسرد لها ابسط التفاصيل منذ خروجها من المنزل وصولا اليها وكيف أن طبختها احترقت بالامس!.
مما اثار انزعاج شديد لدى المتواجدين، وظلت الموظفة المستمعة حائرة بين التركيز لانجاز عملها وبين الإصغاء إلى زميلتها التي تثرثر دون مبالاة.
الكثير من هذه المواقف تثير غيظ الزملاء في العمل، لكن ليس في مقدورهم الإدلاء بمشاعرهم، الا ان الصداقات في مكان العمل لا تقتصر على العمل فحسب، لربما تتسع لجوانب عديدة، منها تكون ايجابية ومنها سلبية، ولأهمية هذا الموضوع لشريحة كبيرة من الموظفين اجرى (موقع بشرى الحياة) هذا الاستطلاع..
الموظف المرن
كانت البداية مع زهير احمد، موظف، العمر 45 سنة، حيث أعرب عن ارتياحه لعمله كـ موظف، منوها "ان الروتين وساعات الدوام المملة لا تمر الا من خلال علاقات الصداقة بين زملاء العمل وتبادل الحديث في مختلف المواضيع".
واضاف: تتسم علاقاتنا بالمرونة وتتخطى أحيانا ساعات الدوام الرسمي، فتكون هناك تجمعات وجلسات مسائية مع بعض الزملاء وبناء علاقات طيبة معهم فالشخص الطبيعي هو من تربطه علاقات اجتماعية متكاملة في المحيط الذي يعيش فيه سواء بالعمل او خارجه، لذا نجد الموظف المرن الاجتماعي قد كون علاقات مكتبية مع زملائه لقتل الملل، والروتين، واخذ قسطا من الراحة في احتساء كوبا من الشاي او فنجان قهوة وتبادل أطراف الحديث مع الزملاء.
قد يلجأ بعض الموظفين الى التوقعات العالية والتسرع من أجل تكوين صداقات في المكتب والانخراط سريعاً، فيعمد البعض إلى التسرع في طرح وتطوير الصداقات المكتبية الجديدة، وهي حركة قد تعكس إصراراً زائداً عن حده، وتسبب انزعاجاً للبعض.
ختم حديثه قائلا: "من المهم أن يقوموا بخطوات صغيرة من دون استعجال، لتكوين صداقاتهم المكتبية واكتساب الثقة على الصعيدين المهني والشخصي".
عصابات مدرسية
يعمد بعض الموظفين الى تكوين مجموعة خاصة بهم لبعض زملاء العمل دون الآخرين، مما يثير حفيظة زملائهم الذين يشاطرونهم الغرفة فيتبادلون المواضيع كأن بينهم أسراراً تخص العمل مما يخلق جوا مشحوناً بالألغاز، أشبه بكونه مجموعة مدرسية من المراهقين تُبعد الآخرين عنهم.
هنا قد يشكك البعض بأنهم مصدر النميمة أو لا يحبون العمل الجماعي ونجاح الفريق كاملاً، من الضروري إذاً أن يحافظوا على صداقات مفتوحة مع كل الزملاء حتى لا يتحولوا إلى "عصابة مدرسية صغيرة".
وبهذا الجانب تؤكد لنا الموظفة نادية محمد، 32 سنة: عن "عدم الاستغناء عن العلاقات التي تجمعها مع زميلاتها أثناء الدوام الرسمي، ولديها الكثير من الصديقات التي يشاطرنها الساعات الأولى من الدوام، بالتجمع وتناول وجبة الإفطار، وما يتخللها من أحاديث اجتماعية، وأسرية، كأنهن عائلة واحدة، وقد تتعدى علاقاتها بالزميلات خارج ساعات الدوام الرسمي، كـ السفرات الترفيهية وتبادل الزيارات بينهنُّ خلال العطل، والأعياد، والمناسبات، منوهة عن "وجود بعض الزميلات الأقرب الى نفسها. وبالرغم من ذلك محاولة عدم التكتل وتكوين مجموعة خاصة حتى لا تثير حفيظة بقية الزميلات.
لبس الاقنعة
هناك العديد من الموظفين لا يكونون على سجيتهم في التعامل مع زملائهم، يحاولون لبس الأقنعة البعيدة عن شخصياتهم وواقعهم في المكتب خوفاً من إظهار شخصيتهم الحقيقية، لأنهم في حال اكتسابهم بعض الصداقات التي تنتقل معهم إلى خارج دوام العمل، سيكتشف زملائهم أنهم مختلفون عما يدعونه، وسيؤدي ذلك إلى شعورهم بعدم الارتياح، وكأنهم يرتدون قناعاً للعمل، وقناعاً خارجه.
وهنا حدثنا الموظف سيد باسم الاعرجي، 43 سنة حول تعدد الوجوه والشخصيات قائلا: ان الموظف يحمل فكر، لكنه لا يستطيع إظهاره لاختلاف الميول والاتجاهات لدى الاخرين، واحيانا تكون سلوكياته خارج نطاق ساعات العمل مغايرة لما موجود حقا بداخله وتصرفاته في بيته، وخارج نطاق دائرته فيرتدي وجها آخر للتعامل مع الآخرين، فأما أن يكون منطويا أو متفاعلا مع زملائه ولكن بحذر وهذا لا يسمى نفاقا واعتبره نوعا من الدبلوماسية.
سلبيات الصداقة المكتبية
تعد بعض سلبيات الصداقات المكتبية خطر الوقت الضائع الذي قد يقضيه البعض في الدردشة بدل من إجراء أي عمل فعلي، بالإضافة إلى ذلك، فإن الجهد العاطفي اللازم للحفاظ على الصداقة يمكن أن يكون مرهقاً، إذ يصعب على البعض الفصل بين العمل والحياة الخاصة إذا تداخل الاثنان، الغيرة والحسد أيضاً، يمكن أن يلعبا دوراً سلبياً، إذا حصل زميل على ترقية في وقت كان يتوقع صديقه الترقية عينها.
هنا يشتكي الأستاذ أحمد .م.ع مدير القسم من تجمع الموظفين وإضاعة الوقت بحجج تناول وجبة خفيفة، واخذ استراحة مما يؤثر سلبا على أداء مهامهم وانجازها في الوقت المطلوب، ونشوب الكثير من المشادات الكلامية اثناء طرح فكرة معينة، مما يؤدي إلى تولد العداءات والتوتر بين الزملاء، والى مشكلات نكون في غنى عنها.
وختاما كانت لنا هذه الوقفة مع الباحثة الاجتماعية ثورة الأموي بصدد هذا الموضوع حيث قالت: "اننا نقضي أغلب وقتنا في العمل، فالبعض يجلس وراء مكتب، والبعض ينتقل من مكان الى مكان، لكن بالنهاية له مكتب يجلس فيه كبيته، يجمع فيه حاجاته، واغراضه، وينظفه ويهتم فيه.
واضافت الاموي مؤكدة: ان هناك علاقات تكون في البداية علاقات عمل بحتة، ولكن بمرور الوقت تصبح متطورة اكثر، ويبدأ التبادل بالآراء، والخبرات، ومشاكل العمل، وبعدها تدريجيا تكون علاقات شخصية، ولكن هذه ايضا مرتبطة بشخصية الاثنين ومدى التشابه بينهما، وقد تتطور إلى درجة المصاهرة والزواج، وقسم منها تبقى علاقات شخصية، قد تكون عائلية، وقد تبقى فردية، على مستوى العمل، وغالبا إذا كانت وجهات النظر متقاربة جدا، تأخذ منحى جدي أكثر وهو تبادل الهموم، والمشاكل، والعكس الأفراح والمسرات.
وتابعت بقولها: وهنا لا نميز بذلك النساء عن الرجال، وأحيانا العكس النجاح والتفوق لدى البعض يثير الغيرة والبغضاء ويؤدي إلى المشاجرات والاتهامات، وقد تصل إلى ابعد الحدود، وهذه لا تصب بمصلحة العمل، وإنما ستنشئ أجواء متوترة وغير مرغوب بها في العمل.
لذلك نقسم العلاقات المكتبية الى قسمين الاول ايجابي، وهو يصب في مصلحة الموظف والعمل،
والثاني سلبي لا يخدم أي طرف من الأطراف، والبعض منهم إذا انتقل إلى مكان آخر، ففي حينها يترك كل شيء وراءه وينشئ علاقات جديدة بالمكان الجديد، وهذا النوع من العلاقات قائم على المصلحة الشخصية في العمل فمتى ما انتهت تنتهي العلاقات معها.
اضافةتعليق
التعليقات