تستمر جمعية المودة والازدهار ببرامجها التثقيفية والتربوية وللأثر الكبير الذي يتركه الخطيب في المجتمع واصلت الجمعية بإقامة ملتقى لخادمات المنبر الحسيني لتلاقح الأفكار والتباحث فيما يتعلق بالمنبر وما يحتاجه الخطيب ودوره في التأثير في داخل المجتمع.
فبادرت الجمعية بإقامة الملتقى قبل بداية شهر محرم الحرام لعام 1446 هـ مع أيام ذكرى عيد الغدير الأغر لتشارك الأفكار مع خادمات المنبر الحسيني وتلاقحها.
أدارت جلسة الملتقى الدكتورة الصيدلانية مروة ناهض وبدأت الجلسة ببضع كلمات قالت فيها:
أنت تحتاج لشريك ذو مواصفات خاصة منها أن يكون غنيًا ذا ثروة طائلة وأن يكون فنانًا يعرف ماذا يبيع وتكون التجارة معه مضمونة الربح، وحين نتصفح أحوال التجار فهي تكاد تكون شبه مستحيلة أن تجمع هذه الصفات في شخص واحد؛ إلا تاجر واحد في هذا الكون يمتلك هذه الصفات ألا وهو الحسين بن علي (صلوات الله وسلامه عليه).
نعم فهو التاجر الذي تكون التجارة معه مضمونة الأرباح ولكن حتى تتم هذه التجارة بين الطرفين فهي بحاجة إلى توقيع عقد بعملية حسابية بسيطة ينص هذا العقد على أنك يجب أن تسأل نفسك عند كلّ عمل تقوم به هذا السؤال: أنا في هذا العمل أُحسب على من؟ إن كان الجواب أنني محسوب على المولى الحسين بن علي (عليه السلام) فهذا يعني أنني أخجل أن أبادر بعمل لا يليق بمقامه المقدس. وما هو أثر هذه الخدمة على سلوكي؟ وكيف تقوم هذه الخدمة بتربيتي وتنشئتي؟
هل هذه الخدمة غيّرت من طباعي؟ هل أحدثت رُقياً في نفسي؟ وكمالًا في وجودي وصعودًا في مرتبتي؟ هل جعلتني أقلع عن أمور غير محببة في شخصيتي؟ ماذا فعل الإمام الحسين (عليه السلام) بوجودي؟
هذه الأسئلة وغيرها لا بد أن يطرحها خادم الحسين على نفسه؟ ويجعلها ميزانًا يبين فيه قيمة ما يقدمه فمن تساوى يوماه فهو مغبون، ولا بد أن نتذكر أن الحب يحركنا للعمل وهو مبني على الأفعال، ولكن الأفعال مبنية على المعرفة فكلما زادت معرفتك في شيء زاد حبك له.
ثم قدّمت الأستاذة أم مصطفى الشيرازي والتي تحدثت للخطيبات عن أمور مهمة وأساسية توجد في شخصية الخطيب الناجح والمؤثر، وبدأت حديثها بالآية القرآنية المباركة: "وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب". ونقرأ في الزيارة الجامعة للأئمة الأطهار سلام الله عليهم عبارة (وعندكم فصل الخطاب).
هنا يطرح سؤال ما معنى فصل الخطاب؟ أرباب اللغة يذكرون معاني لفصل الخطاب: منها من مصاديق الكلمة ومنها من تأويلها، ولكن هذه الكلمة أو الجملة بمعنى الكلام الواضح، البيّن، السهل والسلس. وفصل الخطاب عند أهل البيت (عليهم السلام).
ثم قالت: "في الثورة التي حدثت في الغرب قبل 400 عام حدثت نقطة تحول في هذه النهضة الغربية العلمية فقبل 400 سنة الغرب كان في الحضيض ولم يكونوا متقدمين، وحصلت هذه الثورة وبدأوا بالتطور. يقول علماء الفلسفة والاجتماع نقطتا تحول في هذه النهضة؛ الأولى وهي الأهم وترتبط مع بحثنا، كان هنالك عالم ايطالي. والكتب بوقته كانت مكتوبة بلغة صعبة من النخب والعلماء والفلاسفة. فلو نقرأ هذه الكتب في مجالاتها المختلفة قد لا نفهم الكثير من المعادلات، ما الذي فعله هذا العالم الايطالي؟ قام بتحويل هذه اللغة الصعبة إلى لغة شعبية سهلة يفهمها الناس والشعب، يستطيعون بكل سهولة يقرأون ويفهمون هذه العلوم والثقافات.
فإذًا نجد سر نجاحهم بأنهم حولوا هذه الأمور الصعبة إلى أمور سهلة، كلّ أمة وشعب وحركة لديهم هوية وعندهم ثقافات وأفكار فمن يصنع هذه الهوية؟ ومن يصنع هذه الأفكار وهذه الثقافات؟ وكي نصل إلى الجواب: نقول الجوامع البشرية هم على ثلاث طبقات: الطبقة الأولى هم القادة والنخب والعلماء. والطبقة الثالثة عامة الناس والجماهير. أما الطبقة الثانية فمن هم؟ هم حلقة وصل بين القادة والنخب وبين الجمهور. وهذا العالم الايطالي كان قناة الوصل بين السادة وبين العلماء وبين النخب وبين القادة إلى الشعوب، ونحن بحمد الله أصحاب الأفكار لدينا هوية جذرية مملوءة من الثقافات العلمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية.
كل شيء الحمد لله نجده في ثقافة أهل البيت (عليهم السلام) وهم سادتنا وقادتنا فمن يوصل أفكار وثقافة أهل البيت (عليهم السلام) إلى عامة الناس. من حلقة الوصل اليوم؟ هم الخطباء وعلى طول التاريخ. ولو كان هناك مجموعة أخرى قناة الوصل بين القادة وبين الشعوب مثلما كان التجار في مدة من الزمن عندما ذهبوا إلى الصين هم أو الوكلاء. ولكن من بداية الإسلام وإلى يومنا هذا، أكبر حلقة وصل وأكبر قناة عن طريقها تصل ثقافة أهل البيت (عليهم السلام) إلى الناس وإلى الشعوب وإلى عامة البشرية هم الخطباء، فالخطباء لهم دور جدًا مهم فهم يسيرون بمسيرة الأنبياء، والأنبياء هدفهم هداية الناس وتربيتهم وتعليمهم، والخطباء انتهجوا هذا النهج فالخطيب مربي، وله دور جدًا مهم بخاصة في هذا الزمن، زمن العولمة وثورة المعلومات وكل فرد في هذا العالم، كل شخص أو حزب و كل حركة، كل مجموعة تحاول فرض أفكارها وثقافتها في نفوس الناس.
فالمسؤولية ثقيلة، وهنا نستطيع أن نصنف ثلاثة مراحل أو مراتب تتبعها كل خادم أو خادمة للمنبر الحسيني:
الأولى: قبل الخطابة، ماذا ينبغي على الخطيب أن يعمل قبل الخطابة؟
والثانية: في أثناء الخطابة
والثالثة : بعد الخطابة، مخرجات الخطابة ماهي؟
قبل الخطابة لابد للخطيب أن يعتمد عدة أمور منها: النية والإخلاص وكتابة الهدف من هذه الخطبة، مع التفكير في المضامين التي تطرح و مراعاة المستمعين باختلاف البلدان فيكون من الضروري قراءة كتاب في علم النفس لفهم حالات الناس فالتفكير جدا مهم.
أما مخرجات الخطابة : عندما يلمس الأثر في نفوس المتلقين ويلاحظ الحضور، ويجلس معهم ويرى ما هم بحاجته، ومهم للخطيب أن يشخّص نقاط قوته وضعفه..
وكي يؤثر ويحصل على نتيجة فإن التركيز على الأطفال يأتي بنتيجة وبقية الشعوب يبدأون من الأطفال، كما فعل الشعب الياباني الذي كان لا يحب القهوة فقامت شركة نستله بإدخال نكهة القهوة في سكاكر الأطفال فأصبح الشعب يحب القهوة، وكذلك التجديد وتنوع المواضيع المطروحة له أثر في نفس السامع.
وأشارت الشيرازي إلى أن الخطباء يتعرضون لمخاطر منها الشهرة والأموال والغرور ، وأوصت الخطيبات بدوام التواصل فيما بينهن وأخذ المشورة والاستفادة من تناقل خبراتهم..
وختمت الشيرازي حديثها بقولها: ونحن على أعتاب شهر محرم علينا أن نهيئ أنفسنا ونجدد النية ونتأمل بما نقدمه..
وشاركن الخطيبات بطرح رؤاهن عبر تجربتهن مع المنبر الحسيني وما لمسنه في أثناء تقديمهن وتواصلهن مع المتلقيات.
كما رحبن بفكرة الملتقى والتعاون الذي يكون فيما بينهن من أجل الارتقاء بالمنابر.
وجدير بالذكر أن جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية مستمرة في إقامة هذه الملتقيات والتي تهدف إلى الارتقاء بالمستوى الثقافي والفكري عامة ولهذه الفئة خاصة .
اضافةتعليق
التعليقات