عندما نتحدث عن احتواء الآخر فإننا وبكل تأكيد نتحدث عن مفهوم القوة بطريقة أو بأخرى، بطبيعة الحال الإنسان كائن اجتماعي مجبول على التفاعل مع محيطه بالطريقة التي تتناسب مع خبراته السابقة، فيكون تعامله بذلك مع محيطه في الغالب مبني على ما قد جربه وعاشه خلال مسيرة حياته، مع وجود فروق فردية في الخبرات تتباين تبعا للبيئة التي نشأ فيها كل فرد على حدا.
وإن من الطبيعي أن تؤدي هذه الفروق إلى تشكيل شخصيات متفاوتة من حيث السلوكيات العامة أو التعامل مع الطارئ من الارهاصات أو المشاكل، والتي تتشكل كخليط بين مجموع من المشاعر والأفكار والرغبات المتداخلة، أهمها تلك المواقف التي ننتج عن بعض المشاكل التي يصعب ادارتها وتطبيق حلولها، من ما يتعلق ببعض العلاقات الاجتماعية سواء كانت على صعيد الأسرة أو المجتمع، ما قد يكون سبباً في صنع جو من التوتر والارباك الذي قد يهدد قوة الروابط أعضاء المجتمع الواحد، وهو ما يؤثر بطريقة غير مباشرة على جودة نتاج أو فاعلية الأفراد في أي بيئة كانت سواء في العمل أو العائلة، من هنا تبرز أهمية المعالجة الطارئة التي تحد دائما من أحداث تصعيد ردود الأفعال والبحث عن طرق للحد من تفاقم هذه الفجوات.
فلو تمعنا النظر في أغلب المواقف التي يمر بها أحدنا أن الطرف المؤثر والفاعل في حل عقدة النزاع هو على الأغلب ذلك الذي يكون قائدا ومبادرا في السعي الحثيث للنتائج الايجابية من كل المواقف، فتتضح مدى سيطرته عليها من خلال قدرته على امتصاص زخم اندفاع المشكلة بغض النظر عن شدتها أو مسبباتها، حيث تراه يأخذ على عاتقه تحمل مسؤولية التسامح أو التغاضي، حرصا منه على عدم استمرار وجود هذه العقبات في طريق سير عجلة الحياة بهدوء وسلام، وهي البادرة الأولى لقطع تبعات الخلاف التي وصفها القرآن الكريم بقول الله تعالى:
{وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (سورة فصلت الآيتان (34 – 35).
ما يشد على أهمية هذه اللياقة السلوكية التي يجب أن يتحلى بها الإنسان في تعاملاته حتى مع الاضداد و الخصوم ، ومن الواضح انه لا يتمكن من أخذ نفسه على الإحسان مقابل الإساءة الا أصحاب الهمم العالية من الصابرين، الذين وصفهم الله تعالى بعظمة الحظ وهم من تتجلى قوتهم في القدرة على ادارة أنفسهم بهذه الطريقة.
الأمر الذي نرى كثرة وروده في نصوص أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم)، التي شملت التعامل الأمثل مع مختلف أنواع العلاقات من بر أو عداوة، حيث نجد أن للرفيق أيضا الحصة الأكبر من هذه المرونة في التعامل بالقدر الذي يعمد فيه الإنسان إلى مقابلة زلة أخيه بطريقة ايجابية ، وذلك الذي نسلتهمه من قول أمير المؤمنين علي (عليه السلام):
"عاتب أخاك بالإحسان إليه واردد شره بالإنعام عليه ".
فلم تتوقف وصاياهم (صلوات الله وسلامه عليهم) على أن يكف الإنسان أذاه عن الآخرين إنما تتعدى للحث على مقابلة الإساءة بما يقابلها من ردود فعل خالية من الثأر والنقمة، حيث أن للقدرة على الانسلاخ من المشاعر السلبية أن تشكل صورة أخلاقية نموذجية تحتفي بها الإنسانية على اختلاف الأجناس والأعراق والثقافات.
فلو سعينا فعلاً لتطبيق هذا النوع من قيادة الأفراد نحو هذا المستوى من النبل الاخلاقي في التفاعلات الاجتماعية ، ولو على أقل قدر لحضينا بمجتمعات سامية وآمنة نسبيا، لأن هذا التسامي يتجلى برقي تعاملات الأفراد مع بعضهم البعض، وهو من أهم ما يمكن أن يسهم في فتح مجال التقدم في مختلف جوانب الحياة..
اضافةتعليق
التعليقات