كيف نعرف عن الدين ما يمكننا من الثبات في هذا العصر؟ كيف يمكن أن لا نجعل الدين تقليداً متوارثاً بل نهجاً حياً؟ كيف نرى هذا العالم كما يريد لنا الإسلام أن نراه؟ سألت صديقة وهي تفكر بصوت عالٍ، لتعلن عن أهم الأسئلة التي تدور في خلد المسلمين سواء طرحوها بصوت عالّ كما فعلت صديقتي أم لا.
لنجد الإجابات علينا أن نتجرد من الدين الذي يصلنا عن طريق ألسنة الناس، فهم يضعون فيه مما تعلموا، ومن أفكارهم، ومن مشاعرهم، وتجاربهم الشخصية، ومما فهموا وفسروا، وحتى أنهم قد يخلطون فيه بعضاً من العادات والتقاليد التي لا ترتبط بالإسلام.
والإجابة الأولى في الإجابة هو إتقان اللغة العربية، فالقرآن الكريم جاء لقوم برعوا في اللغة وآدابها، كما إن العلوم الدينية كلها قائمة على اللغة الجزلة، والبعيد عن اللغة العربية عسير عليه فهم آية من الآيات الجليلة، وحين لا يفهم الإنسان لا يحب، وحين لا يحب يكون إيمانه بعيد عن الاكتمال والثبات، غير مترسخ في ذاته.
والخطوة الثانية أن ينمي فكره ويطور عقله من خلال دراسة المنطق والفلسفة وما يرتبط بأساليب التفكير وتصحيح مساراتها، ليكون ناقداً فذاً صحيح الأدوات، لا يغرقه رأي سائد، ولا تسيطر عليه ردود الأفعال.
ثم أن يقرأ بنفسه كل ما يقع في يديه من كتب عن العقيدة والفكر الإسلامي والفقه والسيرة والأخلاق، فيكوّن صورة أدق وأنقى للدين الإسلامي، بلا تأثير من الآخرين الذين ينتقون بعض الجوانب ويهملون الجوانب الأخرى.
وأن يحيط نفسه بصحبة صالحة تذكره بالطاعات، وتدعو له بالحسنى، فإن نسي ومال وتاه، تعيده إلى طريق الصواب والحق.
وأن يرافق كل خطاه هذه بالدعاء، فالإيمان نعمة عظيمة يمن الله بها على عباده، وكذلك ذكره وشكره والعمل برسالته كل هذا هو فضل من الله ومنة، فالبعيد عن الله لا عمد له ولا سند، لذلك على الإنسان الجد والاجتهاد في الدعاء لله أن يلهمه نوراً في قلبه، ونوراً في دربه حتى لا يظل، وأن يرزقه حبه تعالى، وحب من يحبه، وحب كل عمل يقرب إليه.
كما أن على الإنسان ألا يكون صلباً منغلقاً على نوع واحد من أنواع التفكير، لأن الإنسان يصل بالانفتاح إلى أكثر مما يصل بالإنغلاق وتأطير نفسه بأطر حبس نفسه داخلها.
ثم أن يتلطف ويلين في حديثه مع نفسه في كل الأحوال، فالله تبارك وتعالى في كتابه العزيز خاطبنا بالوعيد ولكن الأعم الأغلب من الآيات المكرمة هي خطاب فيه من الرحمة الكثير ثم الخطاب العقلي والإرشاد الواضح، فالقارئ للقرآن مطمئن آمن، وهذا يرشدنا لخير السبل في الحديث مع أنفسنا، فرحلة التعرف الحقيقي على الدين رحلة فيها صعود ونزول، وفيها صراع نفسي منهك، هي رحلة طويلة وبطيئة ولا نهائية، فإن غلظ حديثك مع نفسك، تكاسلت نفسك، وتهيبت، ونأت عن هذه الرحلة، وركنت لعهدها السابق، لذا عليك باللين والروية والتفهم، فتُعامل نفسك كما تُعامل طفلاً بأحن وأرحم ما تستطيع.
وما إن تنوي بداية الرحلة حتى ترى الله يأخذ بيدك لحيث الخيرات، فاعقدها وتوكل، ولا تتأخر، فـ ((مَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ)) .
اضافةتعليق
التعليقات