أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، فهي المنصّة التي نشارك فيها لحظاتنا، ونتعرف من خلالها على ما يحدث في العالم، ونبقى على اتصال مع الأصدقاء والعائلة. ومع ذلك، فإن تأثيرها لا يقتصر على التواصل فقط؛ فهي تؤثر أيضًا في الطريقة التي يرى بها الإنسان نفسه، وفي بناء صورته الذاتية، سواء بشكل إيجابي أو سلبي.
أحد أبرز التأثيرات التي تتركها السوشيال ميديا هو المقارنة المستمرة. مع كل تمريرة على الشاشة، يرى الشخص صورًا وفيديوهات لأشخاص يعيشون “أفضل لحظاتهم” فقط. كثيرون يشاركون الجانب المثالي من حياتهم: الرحلات، والهدايا، والمناسبات الجميلة، والنجاحات. ومع الوقت، يبدأ البعض في مقارنة هذه اللقطات المثالية بحياتهم اليومية العادية، مما قد يجعل الشخص يشعر بأن حياته أقل إثارة مما يجب، أو أنه لا يحقق ما يحققه الآخرون. هذا النوع من المقارنة قد يؤثر على الثقة بالنفس ويجعل الفرد يشعر بأنه غير كافٍ، رغم أن ما يراه ليس الصورة الكاملة لحياة أي شخص.
كما تلعب الصور المفلترة والمؤثرات البصرية دورًا مهمًا في تشكيل صورة الإنسان عن نفسه. كثير من التطبيقات توفر فلاتر تجمل شكل الوجه أو تغيّر ملامحه، وهذه الأدوات قد تجعل الشخص يرى نسخة “محسّنة” ومبالغ فيها من نفسه. ومع الاعتياد على هذه النسخ المعدّلة، قد يبدأ في رفض مظهره الطبيعي أو الشعور بأنه أقل جاذبية مما يجب. ومن المهم التذكير بأن هذه الصور ليست واقعية، بل مجرد تعديلات رقمية تهدف للمتعة، ولا تعكس القيمة الحقيقية للشخص.
لكن السوشيال ميديا لها جانب إيجابي أيضًا. فهي تمنح الكثير من الناس فرصًا للتعبير عن أنفسهم، ومشاركة إبداعهم، وبناء مجتمع يشبههم ويدعمهم. الكثير من الشباب يجدون مجموعات أو حسابات تساعدهم على تقبّل أنفسهم، وتشجعهم على الاهتمام بصحتهم النفسية، وتذكّرهم بأن الكمال غير موجود. هذه المساحات الإيجابية تساعد الفرد على بناء صورة ذاتية صحية وأكثر واقعية.
ومن التأثيرات الإيجابية كذلك أن السوشيال ميديا تُعرّف الناس بثقافات متنوعة وتجارب مختلفة، مما يزيد من فهمهم للعالم من حولهم، ويساعدهم على تقدير الاختلافات بين البشر بدلًا من مقارنة أنفسهم بهم. فكل شخص يمتلك ظروفًا مختلفة، ونقاط قوة فريدة، وقصته الخاصة التي لا تشبه قصة أحد.
يبقى تأثير السوشيال ميديا على صورة الإنسان عن نفسه مرتبطًا بطريقة استخدامها. حين يتعامل الفرد معها بوعي، ويتذكّر أن ما يراه ليس الحقيقة الكاملة، يصبح تأثيرها أقل سلبية. كما أن تحديد وقت الاستخدام ومتابعة حسابات إيجابية ومفيدة يمكن أن يساعد في بناء علاقة صحية مع هذه المنصّات. أما عندما تصبح المقارنة عادة يومية، فقد ينعكس ذلك على الصحة النفسية، ولذلك من المهم أن يوازن الجميع بين العالم الرقمي والواقع، وأن يدركوا أن قيمة الإنسان لا تُقاس بعدد المتابعين أو الإعجابات، بل بما يقدّمه، وبمن يكون حقًا في داخله.








اضافةتعليق
التعليقات