• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

ليلة من ليالي الربيع

حنان حازم / الخميس 23 آذار 2017 / منوعات / 3619
شارك الموضوع :

انتصف الليل وسكنت الاصوات بعد يوم طويل شاق وممتع، لا انكر بأني تعبت كثيراً ولكني سررت لفرح الاولاد بعودة اباهم باكراً من العمل واصطحابنا ل

انتصف  الليل وسكنت الاصوات بعد يوم طويل شاق وممتع، لا انكر بأني تعبت كثيراً ولكني سررت لفرح الاولاد بعودة اباهم باكراً من العمل  واصطحابنا  للتنزه فالجو بديع، والناس كُثر كلهم خرجوا ليستمتعوا بنهار يوم جميل..

اما انا فاختلف عن الجميع اعشق في الربيع لياليه المُقمرة، اجلس على الارجوحة في حديقة المنزل اتأمل السماء وانظر اليها،  بدت لي وكأنها عروس استثنائية ارتدت الليل فستاناً انيقاً  اشبه بوشاح اسود نُسج من الحرير وزُيّن بحبات كالالماس يسطع بريقها لتضاهي بعضها البعض،  ما بين كوكب ونجمة وجهها القمر وهو يشع بنوره الخلاب على كل شيء أحدث ظلاً للنخلة والاشجار وقد تلألأت حبات عناقيد العنب المتدلية  وانا ارى صورته تتموج امامي في بركة ماء سلسال خلفها الاولاد يلعبون، وهبّت نسمات الربيع الباردة  تحمل معها عطر الورود الزاكية وتُداعب اغصان الاشجار بعذوبة فتنتج عنها اصوات اشبه بسيمفونية هادئة جعلتني اسرح  في عالم من الخيال وكأني على جزيرة في وسط البحر.

أنعمُ بالهدوء والسكينة، أستنشق الهواء العليل وأحاكِ البحر وكأنه يصغي لحديثي الطويل، وما ان شعرت بالاسترخاء أطرق مسامعي أنين امرأة قد لفحت نيران الشوق قلبها واندثرت آمالها ومات فيها حب الحياة! صوت انينها قَطع نياط قلبي وانتشلني من مسرح الخيال الى ارض الواقع، انتفضت بفزع  لأقترب من مصدر الصوت، واذا به يأتي من المنزل المجاور انها أم محمود! جارتنا التي اضحت منطوية على نفسها وحيدة لا تأبه لأحد بعد ان إستشهد زوجها رحمه الله  في  العام الماضي.

سمعتها تنعى وتقول: آه يا حبيبي  لو تعلم كم آذاني رحيلك. ها قد حل الربيع  ليُزهر وجعي من جديد وكأنك رحلت اليوم،  ما ان ازهرت وردات (الرازقي) على هذه الشُجيرة وفاح عطرها حتى عاد فؤادي  يعتصر لفراقك، أتَذَكر جيداً تفاصيل ذلك اليوم  حين اتيت وانت تحمل هذه الشُجيرة التي ازهرت للتو، ترنم قلبي فرحاً لعودتك مبكراً، اسرعت لتغرسها في ارض الحديقة.

 بعدما احتضنتني انا ومحمود  لتطفئ نيران الشوق الملتهبة ثم سألتني: كيف هو حال ابنتي الجميلة ألم تكبر بعد؟ أتوق شوقاً لأراها، حدقت في وجهك بنظرة استنكار فقلت لي: لا تعترضي حبيبتي  لديك محمود وأنا اود أن يكون مولودنا الجديد فتاة تشبهك تماماً رقيقة وفاتنة، اتمنى ذلك من الله وادعو لك بالسلامة  كل يوم، جعلتني ابتسم  ثم هممت وكأنك تود الرحيل وانت تغسل يديك وترتب ملابسك واشرت الى الشُجيرة وقلت لي: عندما رأيتها واستنشقت عبيرها تراءت لي صورتُكِ امامي واشتقت لكِ كثيراً اتيت بها وانا على عجلة من امري فقد تقدمت بطلب اجازة زمنية لأراكِ واطمئن عليكم.

اعتني بنفسك وبصغارنا جيداً ولا تنسي ان تسقي الشُجيرة كل يوم، اود ان اراها عند عودتي وهي تزهو كجمال وجهك الأخّاذ، لا اعرف ما الذي أصابني وقتها كم غضبت منك، انتابني شعور بالقهر وصرخت في وجهك متألمة وقد سالت دموعي وقلت: لما اتيت اذاً ان كنت ستعود بهذه السرعة  (حرام عليك) ما تفعله بي، لم أدع شيء تحبه إلا وقد أعددته لو اتصلت بي واخبرتني بأنك ستتأخر في العودة افضل من ان تأتي وتذهب هكذا..

افحمت قلبي ياصادق، بدا عليك الاستياء والحزن وأنت تعتذر: انا متأسف جداً حبيبتي انت على حق ولكني لم احتمل البعد عنكم اكثر فَضلّت ان اراكم ولو لدقائق على أن يطول بي الفراق،  من واجبي تلبية نداء الوطن، رنّ هاتفك اثناء الحديث وكان عليك العودة مسرعاً، وضعت  قُبلة على جبيني وقَبلت محمود وقلت: استودعكم الله، فقلت لك: رافقتك السلامة عزيزي، ذهبت منكسر الخاطر بخطوات مثقلة تعتليك نظرة حزن واضحة، وما ان خرجت بدأ محمود بالبكاء و انتابني شعور عجيب، وددت ّ ان اصرخ واناديك: لا تذهب من قبل ان تُهدىء من روعي، عُد وسامحني وابتسم لأرى وجهك مشرقاً كعادته بنور الايمان والرضا ولكنك عدوت  مسرعاً..

آه يا صادق ليتني مُت قبل ان اتفوه بتلك الكلمات، واصلت  بكاءها  وانينها  حتى جعلتني أخرُ على الارض وانا اتمسك بالجدار واحاول ان اتماسك ولا اصدر صوتاً.. ثم اردفَت: رحلت في ذلك اليوم ولم تعد، انتظرتك طويلاً والندم يأكلني، تصدع قلبي لأراك وادعو الله ان تكون  بخير، مرت الايام تلو الايام ولم يردنا منك اتصال، تناقلت الاخبار عن استشهاد مجموعة من الجنود البواسل في تلك المنطقة، ما ان سمعت بهذه الانباء احسست بقلبي وهو يخفق بقوة من شدة الواقعة وكأنه سيخرج من اضلُعي، ماذا لو كنت منهم يا ابا محمود؟.

 رحماك ربي، اشعر بالاختناق، عُدت اتذكر آخر مرة رأيتك فيها وكأن الارض تدور بسرعة فائقة وما عُدت اذكر شيئا.. استَفقت وأنا مُتعبةٌ جداً سمعت صوت امي وهي تبكي وتقرأ القرآن الكريم، نظرت إليها شاحبة الوجه ترتدي السواد! احسست بغصَة، بالكاد استطيع التكلم بصوتٍ خافتٍ ومتثاقل: امي عزيزتي ما الامر أين أنا؟ انتبهت اليَّ وقالت: يا قرة عيني اشكر الله على وصولي اليكِ و اسعافكِ في الوقت المناسب، الحمد لله على سلامتكِ يا ابنتي، فقلت لها: سلمكِ الله يا أمي ولكن ما الذي حدث تكلمي!!..

طأطأت برأسها نحو الارض ولم تتفوه بشيء، حاولت النهوض لأُكرر عليها السؤال ودموعي تنهمر فلم استطع وانا احاول أن أدخل الطبيب وقال بتعجب: الحمد لله على السلامة أو هل لديكِ القدرة على النهوض! استريحي ارجوكِ أمر طبيعي كثيراً مايحدث سيعوضك الله بطفل آخر المهم إنكِ بخيرٍ الآن..

كان وقع كلامه على مسامعي كالبرق والرعد ولكن عندما سمعت بخبر استشهادك نزلت الصاعقةُ على كياني وبعثرته لأشلاء متناثرة، لا يوجد وصف لحالتي وقتها تبلدت مشاعري وانعدم الاحساس بداخلي منذ رحيلك، اتمنى ان يعود بي الزمن حيث اليوم الاخير الذي رأيتك فيه لدقائق كانت باهضة الثمن لأقبل يديك ولن أدعك تذهب إلا وأنتَ راضٍ عني يا ربيع قلبي الذي رحل ولن يعود اتمنى ان لا أكون على قيد الحياة في فصل الربيع المقبل، ثم شهقت بالبكاء والدعاء: "إلهي وربي أتوسل بك وارجوك ان تغفر لي ذنوبي وتخفف من عذابي وتجمعني وإياه في جنتك يا أرحم الراحمين"..

وهي تبكي وتأن حتى أثارت خوفي وفزعي ولم احتمل سماعها أكثر، أجهشتُ بالبكاء ودلفتُ مسرعةً الى الداخل أتفحص حال زوجي وأولادي وأقول في نفسي: قد حفظتُ الدرسَ جيداً يا أم محمود، اعانك الله على ضجيج قلبكِ، ربما أنا في ربيع حياتي الآن ولكن سيأتي يوم وينتهي بشكل أو بآخر، ربما سأرحل أنا قبل أن اتصالح مع كل من اسأت إليه فعليّ اذن مراجعة نفسي..

 كُلُ منا يعيش ربيع حياته، من غير ان نفكر بأنه سينتهي! دون ان نقدّر النعمة التي انعمها الله علينا بوجود من يُحبونا ونُحبهم بقربنا، نرمي بثقلنا عليهم ونقوى بمساندتهم، أحياناً نقسوا وأحياناً نجفوا وكثيراً ما نغضب منهم ونغضبهم لأتفه الاسباب!!  دون ان نُدرك  بأنهم من يجعلون  من حياتنا ربيعاً، نتهاون ونؤجل اصلاح الأمور والخلافات التي زعزعت  العلاقات بيننا بفعل الشيطان!. ولا تقتصر هذه العلاقات على افراد من الاسرة او الاقارب، وانما تشمل  كل من تعرفنا عليه من الجيران واصدقاء الدراسة والعمل وكل شخص صادفناه في مسيرة حياتنا، لا بُد لنا من المبادرة بإصلاح العلاقة والاسراع في كسب مودة الآخرين ومساعدتهم ومساندتهم ولنا في ذلك فائدة و أجر عظيم فقد قال الامام علي (ع): (إعمل لدنياك كأنك تعيش ابداً وإعمل لآخرتك كأنك تموت غدا).. ان مشاعر الكره والضغينة تترك في النفوس فجوة لها اضرار وخيمة كلما أتى علينا ذكر الشخص الذي خاصمناه..

إن الحياة لا تُطاق دون حُب والحُب  هو ان نعيش مع من نُحب تفاصيل كل يوم وكأنه اليوم الاول والاخير وبذلك سنحيا ربيع حياتنا بكل جماليته، نكسب رضا الله وراحة الضمير وما يبقى  من الربيع بعد إنقضاءه سوى الذكريات الجميلة التي تُبقي أرواحنا هائمةً في حُب الآخرة والتوق الى الحياة الأبدية بقلب سليم وذمة مُبرءة: { مٌآ آلّحًيِآۃ آلّدنيِآ آلّآ مٌتٍآع آلّغٌرور}.

 

الحياة
الحب
الحزن
السعادة
الايمان
قصة
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    قارئة تُشعل شمعة الأمل في ظلام الجهل .. حوار مع القارئة مريم العيساوي

    البهجة؟ لا تبحث عنها… إنها تحت الوسادة

    الرجل "الألفا" يشعر بالوحدة والعزلة.. فهل من نموذج جديد لمعنى الرجولة؟

    مودّة "ذوي القربى" جنّاتٌ خالدة

    رجاء صادق

    لماذا لا نسقط من السرير أثناء النوم ليلا؟

    آخر القراءات

    شروط التغيير الإنساني وملامح الانسان الجديد

    النشر : الأثنين 30 نيسان 2018
    اخر قراءة : منذ 4 ثواني

    انت أكثر جاذبية بصمتك!

    النشر : السبت 07 نيسان 2018
    اخر قراءة : منذ 6 ثواني

    من أين نشأ مفهوم الغطرسة؟

    النشر : الأربعاء 26 تشرين الاول 2022
    اخر قراءة : منذ 9 ثواني

    مناهج للحياة.. عيد الغدير

    النشر : الأثنين 19 ايلول 2016
    اخر قراءة : منذ 10 ثواني

    الأوطان أصل الإبداع

    النشر : الخميس 21 تموز 2022
    اخر قراءة : منذ 12 ثانية

    شراء الالعاب فن لا تتقنه الامهات

    النشر : الثلاثاء 13 تشرين الثاني 2018
    اخر قراءة : منذ 14 ثانية

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    قارئة تُشعل شمعة الأمل في ظلام الجهل .. حوار مع القارئة مريم العيساوي

    • 3316 مشاهدات

    كيف أصبح "شات جي بي تي" مرجعاً لحياتنا؟

    • 426 مشاهدات

    الهندسة الخفية لتعفين العقل

    • 344 مشاهدات

    السم الأبيض؟ أسباب تجعل السكر خطرا على صحتك

    • 343 مشاهدات

    أهمية متسلسلة "فوريير" في التكنولوجيا

    • 341 مشاهدات

    صخب المبالغة: مأساةٌ وجودية!

    • 306 مشاهدات

    قارئة تُشعل شمعة الأمل في ظلام الجهل .. حوار مع القارئة مريم العيساوي

    • 3316 مشاهدات

    مهرجان الزهور في كربلاء.. إرثٌ يُزهِر وفرحٌ يعانق السماء

    • 2323 مشاهدات

    يوم الكتاب العالمي: إشعال شموس المعرفة بين الأجيال وبناء جسور الحضارات

    • 1341 مشاهدات

    من كربلاء إلى النجوم... طفل السبع سنوات يخطف المركز الأول مناصفة في الحساب الذهني ببراءة عبقرية

    • 1319 مشاهدات

    جعفر الصادق: استشهاد نور العلم في وجه الظلام

    • 1191 مشاهدات

    حوار مع حسين المعموري: "التعايش السلمي رسالة شبابية.. والخطابة سلاحنا لبناء مجتمع واع"

    • 853 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    قارئة تُشعل شمعة الأمل في ظلام الجهل .. حوار مع القارئة مريم العيساوي
    • منذ 23 ساعة
    البهجة؟ لا تبحث عنها… إنها تحت الوسادة
    • منذ 23 ساعة
    الرجل "الألفا" يشعر بالوحدة والعزلة.. فهل من نموذج جديد لمعنى الرجولة؟
    • منذ 23 ساعة
    مودّة "ذوي القربى" جنّاتٌ خالدة
    • السبت 17 آيار 2025

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة