• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

ليلة من ليالي الربيع

حنان حازم / الخميس 23 آذار 2017 / منوعات / 3858
شارك الموضوع :

انتصف الليل وسكنت الاصوات بعد يوم طويل شاق وممتع، لا انكر بأني تعبت كثيراً ولكني سررت لفرح الاولاد بعودة اباهم باكراً من العمل واصطحابنا ل

انتصف  الليل وسكنت الاصوات بعد يوم طويل شاق وممتع، لا انكر بأني تعبت كثيراً ولكني سررت لفرح الاولاد بعودة اباهم باكراً من العمل  واصطحابنا  للتنزه فالجو بديع، والناس كُثر كلهم خرجوا ليستمتعوا بنهار يوم جميل..

اما انا فاختلف عن الجميع اعشق في الربيع لياليه المُقمرة، اجلس على الارجوحة في حديقة المنزل اتأمل السماء وانظر اليها،  بدت لي وكأنها عروس استثنائية ارتدت الليل فستاناً انيقاً  اشبه بوشاح اسود نُسج من الحرير وزُيّن بحبات كالالماس يسطع بريقها لتضاهي بعضها البعض،  ما بين كوكب ونجمة وجهها القمر وهو يشع بنوره الخلاب على كل شيء أحدث ظلاً للنخلة والاشجار وقد تلألأت حبات عناقيد العنب المتدلية  وانا ارى صورته تتموج امامي في بركة ماء سلسال خلفها الاولاد يلعبون، وهبّت نسمات الربيع الباردة  تحمل معها عطر الورود الزاكية وتُداعب اغصان الاشجار بعذوبة فتنتج عنها اصوات اشبه بسيمفونية هادئة جعلتني اسرح  في عالم من الخيال وكأني على جزيرة في وسط البحر.

أنعمُ بالهدوء والسكينة، أستنشق الهواء العليل وأحاكِ البحر وكأنه يصغي لحديثي الطويل، وما ان شعرت بالاسترخاء أطرق مسامعي أنين امرأة قد لفحت نيران الشوق قلبها واندثرت آمالها ومات فيها حب الحياة! صوت انينها قَطع نياط قلبي وانتشلني من مسرح الخيال الى ارض الواقع، انتفضت بفزع  لأقترب من مصدر الصوت، واذا به يأتي من المنزل المجاور انها أم محمود! جارتنا التي اضحت منطوية على نفسها وحيدة لا تأبه لأحد بعد ان إستشهد زوجها رحمه الله  في  العام الماضي.

سمعتها تنعى وتقول: آه يا حبيبي  لو تعلم كم آذاني رحيلك. ها قد حل الربيع  ليُزهر وجعي من جديد وكأنك رحلت اليوم،  ما ان ازهرت وردات (الرازقي) على هذه الشُجيرة وفاح عطرها حتى عاد فؤادي  يعتصر لفراقك، أتَذَكر جيداً تفاصيل ذلك اليوم  حين اتيت وانت تحمل هذه الشُجيرة التي ازهرت للتو، ترنم قلبي فرحاً لعودتك مبكراً، اسرعت لتغرسها في ارض الحديقة.

 بعدما احتضنتني انا ومحمود  لتطفئ نيران الشوق الملتهبة ثم سألتني: كيف هو حال ابنتي الجميلة ألم تكبر بعد؟ أتوق شوقاً لأراها، حدقت في وجهك بنظرة استنكار فقلت لي: لا تعترضي حبيبتي  لديك محمود وأنا اود أن يكون مولودنا الجديد فتاة تشبهك تماماً رقيقة وفاتنة، اتمنى ذلك من الله وادعو لك بالسلامة  كل يوم، جعلتني ابتسم  ثم هممت وكأنك تود الرحيل وانت تغسل يديك وترتب ملابسك واشرت الى الشُجيرة وقلت لي: عندما رأيتها واستنشقت عبيرها تراءت لي صورتُكِ امامي واشتقت لكِ كثيراً اتيت بها وانا على عجلة من امري فقد تقدمت بطلب اجازة زمنية لأراكِ واطمئن عليكم.

اعتني بنفسك وبصغارنا جيداً ولا تنسي ان تسقي الشُجيرة كل يوم، اود ان اراها عند عودتي وهي تزهو كجمال وجهك الأخّاذ، لا اعرف ما الذي أصابني وقتها كم غضبت منك، انتابني شعور بالقهر وصرخت في وجهك متألمة وقد سالت دموعي وقلت: لما اتيت اذاً ان كنت ستعود بهذه السرعة  (حرام عليك) ما تفعله بي، لم أدع شيء تحبه إلا وقد أعددته لو اتصلت بي واخبرتني بأنك ستتأخر في العودة افضل من ان تأتي وتذهب هكذا..

افحمت قلبي ياصادق، بدا عليك الاستياء والحزن وأنت تعتذر: انا متأسف جداً حبيبتي انت على حق ولكني لم احتمل البعد عنكم اكثر فَضلّت ان اراكم ولو لدقائق على أن يطول بي الفراق،  من واجبي تلبية نداء الوطن، رنّ هاتفك اثناء الحديث وكان عليك العودة مسرعاً، وضعت  قُبلة على جبيني وقَبلت محمود وقلت: استودعكم الله، فقلت لك: رافقتك السلامة عزيزي، ذهبت منكسر الخاطر بخطوات مثقلة تعتليك نظرة حزن واضحة، وما ان خرجت بدأ محمود بالبكاء و انتابني شعور عجيب، وددت ّ ان اصرخ واناديك: لا تذهب من قبل ان تُهدىء من روعي، عُد وسامحني وابتسم لأرى وجهك مشرقاً كعادته بنور الايمان والرضا ولكنك عدوت  مسرعاً..

آه يا صادق ليتني مُت قبل ان اتفوه بتلك الكلمات، واصلت  بكاءها  وانينها  حتى جعلتني أخرُ على الارض وانا اتمسك بالجدار واحاول ان اتماسك ولا اصدر صوتاً.. ثم اردفَت: رحلت في ذلك اليوم ولم تعد، انتظرتك طويلاً والندم يأكلني، تصدع قلبي لأراك وادعو الله ان تكون  بخير، مرت الايام تلو الايام ولم يردنا منك اتصال، تناقلت الاخبار عن استشهاد مجموعة من الجنود البواسل في تلك المنطقة، ما ان سمعت بهذه الانباء احسست بقلبي وهو يخفق بقوة من شدة الواقعة وكأنه سيخرج من اضلُعي، ماذا لو كنت منهم يا ابا محمود؟.

 رحماك ربي، اشعر بالاختناق، عُدت اتذكر آخر مرة رأيتك فيها وكأن الارض تدور بسرعة فائقة وما عُدت اذكر شيئا.. استَفقت وأنا مُتعبةٌ جداً سمعت صوت امي وهي تبكي وتقرأ القرآن الكريم، نظرت إليها شاحبة الوجه ترتدي السواد! احسست بغصَة، بالكاد استطيع التكلم بصوتٍ خافتٍ ومتثاقل: امي عزيزتي ما الامر أين أنا؟ انتبهت اليَّ وقالت: يا قرة عيني اشكر الله على وصولي اليكِ و اسعافكِ في الوقت المناسب، الحمد لله على سلامتكِ يا ابنتي، فقلت لها: سلمكِ الله يا أمي ولكن ما الذي حدث تكلمي!!..

طأطأت برأسها نحو الارض ولم تتفوه بشيء، حاولت النهوض لأُكرر عليها السؤال ودموعي تنهمر فلم استطع وانا احاول أن أدخل الطبيب وقال بتعجب: الحمد لله على السلامة أو هل لديكِ القدرة على النهوض! استريحي ارجوكِ أمر طبيعي كثيراً مايحدث سيعوضك الله بطفل آخر المهم إنكِ بخيرٍ الآن..

كان وقع كلامه على مسامعي كالبرق والرعد ولكن عندما سمعت بخبر استشهادك نزلت الصاعقةُ على كياني وبعثرته لأشلاء متناثرة، لا يوجد وصف لحالتي وقتها تبلدت مشاعري وانعدم الاحساس بداخلي منذ رحيلك، اتمنى ان يعود بي الزمن حيث اليوم الاخير الذي رأيتك فيه لدقائق كانت باهضة الثمن لأقبل يديك ولن أدعك تذهب إلا وأنتَ راضٍ عني يا ربيع قلبي الذي رحل ولن يعود اتمنى ان لا أكون على قيد الحياة في فصل الربيع المقبل، ثم شهقت بالبكاء والدعاء: "إلهي وربي أتوسل بك وارجوك ان تغفر لي ذنوبي وتخفف من عذابي وتجمعني وإياه في جنتك يا أرحم الراحمين"..

وهي تبكي وتأن حتى أثارت خوفي وفزعي ولم احتمل سماعها أكثر، أجهشتُ بالبكاء ودلفتُ مسرعةً الى الداخل أتفحص حال زوجي وأولادي وأقول في نفسي: قد حفظتُ الدرسَ جيداً يا أم محمود، اعانك الله على ضجيج قلبكِ، ربما أنا في ربيع حياتي الآن ولكن سيأتي يوم وينتهي بشكل أو بآخر، ربما سأرحل أنا قبل أن اتصالح مع كل من اسأت إليه فعليّ اذن مراجعة نفسي..

 كُلُ منا يعيش ربيع حياته، من غير ان نفكر بأنه سينتهي! دون ان نقدّر النعمة التي انعمها الله علينا بوجود من يُحبونا ونُحبهم بقربنا، نرمي بثقلنا عليهم ونقوى بمساندتهم، أحياناً نقسوا وأحياناً نجفوا وكثيراً ما نغضب منهم ونغضبهم لأتفه الاسباب!!  دون ان نُدرك  بأنهم من يجعلون  من حياتنا ربيعاً، نتهاون ونؤجل اصلاح الأمور والخلافات التي زعزعت  العلاقات بيننا بفعل الشيطان!. ولا تقتصر هذه العلاقات على افراد من الاسرة او الاقارب، وانما تشمل  كل من تعرفنا عليه من الجيران واصدقاء الدراسة والعمل وكل شخص صادفناه في مسيرة حياتنا، لا بُد لنا من المبادرة بإصلاح العلاقة والاسراع في كسب مودة الآخرين ومساعدتهم ومساندتهم ولنا في ذلك فائدة و أجر عظيم فقد قال الامام علي (ع): (إعمل لدنياك كأنك تعيش ابداً وإعمل لآخرتك كأنك تموت غدا).. ان مشاعر الكره والضغينة تترك في النفوس فجوة لها اضرار وخيمة كلما أتى علينا ذكر الشخص الذي خاصمناه..

إن الحياة لا تُطاق دون حُب والحُب  هو ان نعيش مع من نُحب تفاصيل كل يوم وكأنه اليوم الاول والاخير وبذلك سنحيا ربيع حياتنا بكل جماليته، نكسب رضا الله وراحة الضمير وما يبقى  من الربيع بعد إنقضاءه سوى الذكريات الجميلة التي تُبقي أرواحنا هائمةً في حُب الآخرة والتوق الى الحياة الأبدية بقلب سليم وذمة مُبرءة: { مٌآ آلّحًيِآۃ آلّدنيِآ آلّآ مٌتٍآع آلّغٌرور}.

 

الحياة
الحب
الحزن
السعادة
الايمان
قصة
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    عن فضيلة السكون في عالمٍ لا يصمت

    تقدير الطفل لذاته وانعكاسه على الثقة والنجاح

    لماذا نشعر بالوحدة في عصر التواصل؟

    "لا أحد يأتي إلينا"، كيف ينتهي المطاف بنساء أفغانيات بالعيش والموت في مراكز علاج نفسي؟

    بلا هدف.. لكنه يحمل المعنى

    كيف تعالج وتسيطر على الوزن الزائد

    آخر القراءات

    ترنيمة المهد.. ذكريات مغموسة بعذوبة صوت الأمهات

    النشر : الثلاثاء 05 تشرين الثاني 2019
    اخر قراءة : منذ 3 ثواني

    في عيد الأم: وردة على ضريح فاطمة

    النشر : الأثنين 20 آذار 2017
    اخر قراءة : منذ 3 ثواني

    دور الآباء في مراحل اكتشاف الخوف عند الأطفال

    النشر : السبت 25 تموز 2020
    اخر قراءة : منذ 4 ثواني

    كونوا لنا زيناً

    النشر : الخميس 18 حزيران 2020
    اخر قراءة : منذ 5 ثواني

    دور الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية من بعد

    النشر : الثلاثاء 17 ايلول 2024
    اخر قراءة : منذ 5 ثواني

    الماء والنوارس

    النشر : الخميس 30 تشرين الثاني 2023
    اخر قراءة : منذ 5 ثواني

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    المواكب الحسينية.. محطات خدمة وإيثار في درب العشق الحسيني

    • 885 مشاهدات

    أربعينية الحسين: ملحمة الوفاء وتجسيدها الحي في عطاء المتطوعين

    • 767 مشاهدات

    حين ينهض القلب قبل الجسد

    • 450 مشاهدات

    العنف المسلح لا ينبع بالضرورة من اضطرابات نفسية.. بحسب خبراء

    • 374 مشاهدات

    من الغرب إلى كربلاء: صحوة الروح أمام ملحمة الفداء

    • 348 مشاهدات

    نحن لا نتذكر أيامًا، بل نتذكر لحظات

    • 330 مشاهدات

    مناهل الأربعين.. فتنافسوا في زيارته

    • 1355 مشاهدات

    زوار الحسين: فضل عظيم وشرف أبدي

    • 1342 مشاهدات

    السيدة رقية: فراشة كربلاء وصرخة المظلومية الخالدة

    • 1215 مشاهدات

    كل محاولاتك إيجابية

    • 1143 مشاهدات

    التواصل المقطوع

    • 1066 مشاهدات

    سوء الظن.. قيدٌ خفيّ يقيّد العلاقات ويشوّه النوايا

    • 1063 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    عن فضيلة السكون في عالمٍ لا يصمت
    • منذ 2 ساعة
    تقدير الطفل لذاته وانعكاسه على الثقة والنجاح
    • منذ 2 ساعة
    لماذا نشعر بالوحدة في عصر التواصل؟
    • منذ 2 ساعة
    "لا أحد يأتي إلينا"، كيف ينتهي المطاف بنساء أفغانيات بالعيش والموت في مراكز علاج نفسي؟
    • منذ 2 ساعة

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة