من الجوانب الشخصية التي تبين ارتباطها بالنجاح أو الفشل في العلاقات الاجتماعية، ما يسمى بالتوكيدية Assertiveness أو تأكيد الذات، أو ما أطلقنا عليه في موقع آخر حرية التعبير عن المشاعر (إبراهيم 1995).
يشير مفهوم تأكيد الذات إلى خاصية تبين أنها تميز الأشخاص الناجحين، من وجهتي نظر الصحة النفسية والفاعلية في العلاقات الاجتماعية. كان أول من أشار إلى هذا المفهوم، وبلوره على نحو علمي، وكشف عن متضمناته الصحية، هو العالم الأمريكي "سالتر" (1949)، الذي أشار إلى أن هذا المفهوم يمثل خاصية أو سمة شخصية عامة (مثلها مثل الانطواء أو الانبساط)، أي أنها تتوافر في البعض فيكون توكيدياً في مختلف المواقف، وقد لا تتوافر في البعض الآخر، فيصبح سلبياً، وعاجزاً عن تأكيد نفسه في المواقف الاجتماعية المختلفة.
وجاء بعده "ولبي (1958 Wolpe,) و "لازاروس( Lazarus 1966)," اللذان أعادا صياغة هذه الخاصية، بحيث أصبحت تشير إلى قدرة يمكن تطويرها وتدريبها، وتتمثل في التعبير عن النفس والدفاع عن الحقوق الشخصية عندما تخترق دون وجه حق. ومن ثم أشارا إلى أن بإمكان أي فرد أن يكون توكيدياً في بعض المواقف، وسلبياً في مواقف أخرى. ومن ثم يكون هدف العلاج النفسي أن ندرب الفرد الذي يعاني من المرض النفسي أو العقلي، على أن يتطور بإمكانياته في التعبير عن التوكيدية والثقة بالنفس في المواقف التي كان يعجز فيها عن ذلك.
ونظراً لما تمثله هذه الخاصية من أهمية في فهم الاضطراب النفسي، فقد تحولت الأذهان في الفترات الأخيرة إلى ابتكار كثير من البرامج لتدريب هذه القدرة. وبابتكار هذه البرامج أصبح بالإمكان التخفف من كثير من الأعراض المرضية، التي يلعب فيها القصور في المهارات الاجتماعية أحد العوامل الرئيسية، بما في ذلك القلق والاكتئاب.
التوكيدية في نقاط:
أصبح مفهوم التوكيدية من المفاهيم المستقرة، التي أثبتت فائدتها في العلاج النفسي والسلوكي، كما تنوع استخدامها بحيث أصبحت تشير إلى أكثر من معنى، أمكننا حصر بعضها على النحو التالي:
1- الدفاع عن الحقوق الشخصية الفردية المشروعة سواء في الأسرة أو العمل، أو عند الاحتكاك بالآخرين من الغرباء أو الأقارب.
2- التصرف وفق مقتضيات الموقف، ومتطلبات التفاعل بحيث يخرج الفرد في هذه المواقف منتصراً، وناجحا، ولكن دون إخلال بحقوق الآخرين.
3- التعبير عن الانفعالات والمشاعر بحرية، أي الحرية الانفعالية.
4- التصرف من منطلقات نقاط القوة في الشخصية، وليس نقاط الضعف، بحيث لا يكون الفرد ضحية لأخطاء الآخرين أو الظروف.
5- التوكيدية تتضمن قدراً من الشجاعة وعدم الخوف من أن يعبر الفرد عن شعوره الحقيقي، بما في ذلك القدرة على رفض الطلبات غير المعقولة، أو الضارة بسمعة الإنسان وصحته.
6- التحرر من مشاعر الذنب غير المعقولة أو تأنيب النفس عند رفضنا لهذه المواقف أو استهجاننا للتصرفات المهينة.
7- القدرة على اتخاذ قرارات مهمة، وحاسمة وبسرعة مناسبة، وبكفاءة عالية.
8- القدرة على تكوين علاقات دافئة، والتعبير عن المشاعر الإيجابية (بما فيها المحبة، والود، والمدح، والإعجاب) خلال تعاملنا مع الآخرين، وفي الأوقات المناسبة.
9- القدرة على الإيجابية والتعاون وتقديم العون.
10- القدرة على مقاومة الضغوط الاجتماعية، وما تفرضه علينا أحياناً من تصرفات لا تتلاءم مع قيمنا.
11- المهارة في معالجة الصراعات الاجتماعية، وما يتطلبه ذلك من تقديم شكوى، أو الاستماع لشكوى، والتفاوض، والإقناع، والاستجابة للإقناع، والوصول إلى حل وسط... الخ.
باختصار، فإن التوكيدية تتضمن كثيراً من التلقائية، والحرية في التعبير عن المشاعر الإيجابية والسلبية معاً، وهي بعبارة أخرى تساعدنا على تحقيق أكبر قدر ممكن من الفاعلية والنجاح عندما ندخل في علاقات اجتماعية مع الآخرين.
اضافةتعليق
التعليقات