عد بذهنك إلى أيام دراستك الجامعية أو الثانوية. تذكر ذلك الطالب "المخضرم" الذي كان يعتبر زعيما للطلبة، وتذكر الطالبة التي كانت تنظم حفلات المدرسة، والطالبات المتخصصات في الهتاف والتحية في المناسبات المختلفة. أولئك كانوا يعتبرون الأولاد المميزين. وفي أغلب المدارس كان أولئك الطلبة ينظر إليهم بعين الحسد أو الغبطة وكان يقلدهم زملاؤهم في ملابسهم وفي مشيتهم وحديثهم، وكان الكل يتمنى أن يسير ويتحدث معهم. وإذا كنت مثل معظم المراهقين في تلك المرحلة، فمن المرجح أنك كنت ترغب في أن تكون مقرباً لديهم. وكنت ترغب في أن يحبك أولئك الطلبة وأن تحظى ببعض ما لديهم !.
ولكن إذا تعمقت في قرارة نفسك، فاسألها: هل أنت تحبهم حقاً؟ إنني أكرر السؤال قاصداً، هل تحبهم حقاً؟ وفيما يلي اختبار، لهذا دعنـا نقـل إنـك كنت مثلاً تركب قارباً صغيراً على صفحة بحيرة كبيرة، وفجأة لاحظت وجود رجلين لا يستطيعان السباحة، وقد غرق بهم طوف قد تحطم سريعاً. وبدأ كلاهما يصرخ النجدة النجدة وبينما كنت تجذف بلهفة متجها نحو الطوف وجدت أن أحد هذين الرجلين هو "براد" زعيم الطلبة الشهير. وأما الآخر... أوه لا. لا يمكن ! إنه "دكستر" ! إنه جارك المقرب وصديق عمرك الحبيب الذي تشعر نحوه بالولاء والإخلاص إلى الأبد حيث نشأتما معاً منذ الطفولة المبكرة. وكان القارب الذي تركبه ضيقاً جداً وليست به سوی مساحة تكفي لإنقاذ شخص واحد فقط إلى بر الأمان.
والآن، فلتقسم ولتقل بصدق من تختار منهما لتنقذه أولاً؟ بالطبع ستختار دكستر، أليس كذلك؟ تسألني كيف عرفت؟ لقد أظهرت دراسات حديثة مثيرة، أن كونك محبوباً أو كونك مشهوراً بالمعنى الذي عرفناه في المدرسة ليسا شيئاً واحداً، فإذا ما تحطمت السفن فإننا ننقذ الأشخاص الذين نحبهم حقاً أولاً.
ولكن هل كونك ذا شعبية يعني بالضرورة أن تكون محبوباً؟
إنها لظاهرة غريبة، ولكنها تحدث في جميع أنحاء العالم، فبمجرد أن يلتقي اثنان أو أكثر من الأولاد معاً، فإنهم يشكلون فريقاً للبحث فيما حولهم تماماً كالأفراخ في المزرعة التي تنقر الأرض لالتقاط الحب. فاسأل أي ولد صغير بـدءاً من الصف الأول الابتدائي فما بعده من الأولاد ذوو الشعبية لديك؟ ومـن غـيـر ذوي الشعبية؟ وسوف يجيبك الطفل الصغير فوراً.
وحتى وقت قريب، كان كل الناس يعتقدون أن كونك ذا شعبية في المدرسة يعني أن تكون محبوباً من قبل عدد كبير من الناس. ولكن حينما بدأ فريـق مـن الباحثين يسأل طلبة المدارس بصفة خصوصية ومؤتمنة: من ذو الشعبية؟ ومن الذي تحبه حقاً؟ تلقى الباحثون صدمة كبيرة. فكثير من الطلبة لم يكونوا فقط يشعرون بعدم ميل للأولاد ذوي الشعبية بل إنهم كانوا يمتعضون منهم أيضاً. ولقد أرادوا فقط أن يكونوا ضمن زمرة أولئك الأولاد أو الزملاء المشهورين ليرفعوا من مستواهم، ولقد اعترف ۱۱٪ من الطلبة صراحة بازدراء أولئك الأولاد الذين كان يعتبرهم الآخرون من الأولاد "الرائعين".
ومع متابعة الاستبيان، اكتشف الباحثون أن كثيراً من أولئك الأولاد "الرائعين" كانوا حقاً يتصفون بالحقارة ووضاعة الطبع، فلقد بثوا إحساساً كاذباً بالاحتكارية بامتناعهم عن مصاحبة زملائهم في المدرسة الأقل منهم شعبية، وكان هذا غالباً ليغطوا على شعورهم بعدم الأمان.
ما معامل التفاؤل لديك؟
لكي نعرف بالضبط الصفات التي تجعل الناس يحبوننا (أو يميلون إلينا)، أجرت الجمعية الاجتماعية الأمريكية دراسة مستفيضة في هذا الشأن وكان على رأس قائمة النتائج أن تكون لديك شخصية تفاؤلية إيجابية وثقة في نفسك.
فربما تتذكر تلك القصة التي تروى للأطفال عن القاطرة الصغيرة التي كان عليها أن تصعد جبلاً ضخماً. فكانت القاطرة تتقطع أنفاسها وتجد صعوبة كبيرة ومشقة بالغة. ولكن مع كل نفس تبذله كانت تقول: "أعتقد أنني أستطيع، أعتقد أنني أستطيع. أعتقد أنني أستطيع"! ولقد استطاعت ذلك بالفعل.
وفي الواقع، فبفضل قصة القاطرة الصغيرة، قابلت صديقاً في المدرسة بقي مقرباً لي حتى يومنا هذا. وقد كنت ضمن حفل منزلي للتعارف الأخوي ونظراً لأنني كنت أعاني حالة شديدة من الخجل فقد كنت أحاول التواري من الناس ونظراً لأنه لم يكن ثمة من يتحدث معي، فقد سرت الهويني إلى مكان المدفأة، ووجدت لعبة فوقها على شكل قاطرة قطار خشبية فأثارت اهتمامي.
وبعد ذلك بلحظات قليلة، سمعت فوق رأسي ومن ورائي صوتاً رجولياً متحذلقاً يتحدث بلهجة أهل تكساس ويقول لي: "عذراً يا سيدتي، ولكني لم أتمالك نفسي كي أعرب عن إعجابي بك وأنت تعجبين بلعبة القطار التي أمتلكها فاستدرت لأجد نفسي في مواجهة صدر ضخم فتابعته بعيني إلى أعلى حتى وصلت أخيراً إلى وجهه، لأجد رجلاً من تكساس، طويل القامة، ضخم الجثة، مبتسم الوجه. ولقد شعر بخجلي فبادر بإخباري بقصة عن أبيه وكيـف أعطاه هذه القاطرة اللعبة حينما كان طفلا كرمز للفكرة القائلة: "إنني أستطيع فعل أي شيء أفكر فيه".
لقد جعل هذا الرجل الحديث معه سهلاً وقضينا بقية وقت الحفل نتحدث سوياً مع أنغام الموسيقى. ولم تلبث أن وصلنا إلى الموضوع الذي يتعلق بمـا كنـا نريد أن نفعله بعد التخرج من المدرسة، فقد أخبرني أنه حينما رحل أبوه دون أن يترك لورثته بوليصة تأمين، أسقط في يد أسرته التي لم تجد سوى المنزل الذي كانت تعيش فيه. وهذا ألهمه بأن يدخل في مجال بيع وثائق التأمين على الحياة.
وقد بقي شيئان التصقا في ذهني من هذه المحادثة، وأولهما أن "ديل"، وهذا اسمه، أخبرني بقصة حقيقية وهي عن الظروف التي ألهمته بأن يدخل في مجال التأمين فهو لم يكن يبيع تلك الوثائق لمجرد كسب الأموال ولكنه أبدع قصة حقيقية وملهمة احتفظ بهذا في ذهنك لأننا سنعود إليه فيما بعد.
عندما نتحدث عن "تسويقك" أي ترويجك لنفسك كما يفعل صناع الشهرة الذين يروجون لنجوم الفن والأدب وغيرهم.
والميزة الأخرى التي أذكرها هي الثقة الهادئة التي كانت تشع من ذلك الرجل من قمة قبعته العريضة الضخمة إلى حذاءيه المدببين عاليي الساقين. فلم يقل "ديل" : "سأحاول أن أكون أفضل رجل يبيع وثائق التأمين في تكساس". وإنما قال: "سوف أكون أفضل رجل يبيع تلك الوثائق في تكساس" وقد أصبح كذلك اليوم.
لا عجب في ذلك فالناس يجدون متعة في الشراء منه، لأنه لا يترك مشاكله الخاصة تؤثر على الآخرين. وهو يمتلك مبنى جميلاً به مكتبه الخاص في ضواحي مدينة دالاس عاصمة ولاية تكساس وفي أثناء عاصفة قوية، منذ بضع سنوات تحطم سقف المبنى بسبب سقوط الأشجار عليه، كما أن أرضية المبنى غمرتها مياه الفيضان وتلف معظم الأثاث والسجلات الورقية، وتعطلت خطوطه الهاتفية. مما جعلني أتصل به هاتفياً في منزله وأسأله عما إذا كان مكتبه قد تأثر بالعاصفة.
فقال : "يا عزيزتي، إني أعتقد أنك لا تدركين ما حدث، لقد كانت العاصفة من الشدة بحيث لو بصق أحد في الهواء لارتدت بصقته إلى عينيه ! ولكن لا تقلقي فالجميع بخير. فصحيح أن المكتب قد صار أنظف من الصيني بعد غسله، ولكنني وكل العاملين بالمكتب سنعود إلى العمل أفضل مما كنا في خلال أسبوع واحد !".
ولقد فعل "ديل" هذا حقاً. فحتى وهو يتحدث عن تلك العاصفة المهلكة كان قادراً على مد بصيص من النور إلى سامعيه.
كان "ديل" يحمل كمية من شعاع الشمس معه إلى الناس أينما ذهب. فلم يكن ينظر إلى الجانب المضيء من الأشياء فحسب، بل كان ينظر إلى كل شيء من وجهة نظر الشخص الآخر، مما جعله يكسب ود الآخرين وإنني أعتقد أن هذا كان من أفضل وسائله للكسب.
اضافةتعليق
التعليقات