هموم الحياة كثيرة ومتشعبة، والجميع لهم نصيب من تلك الهموم، إلّا إنّ هناك همّاً مقدّسا، لازال يتربع على صدور المسلمين، من أيام النكبة حتى ساعتنا هذه..
قد يتحدث الكثير عن قضية الإسلام الأولى، وأقصد بها: القضية الفلسطينية، إلّا أنّ القليل منهم فقط هو من يحمل همّ القضية على عاتقه؛ تسوءه أحوال القدس الشريف، وضياع الهوية، وشتات العرب، واستفحال أزمة النازحين والمغتربين، والحصار الظالم الذي يُمارس علانية دون رادع، والخناق والتضييق واستعباد الناس، لكسر إرادة الشعوب المسلمة وتدجين قضيتهم الأم.
فأين نحن من قضية القدس الشريف؟ وكيف نعلن تضامننا مع أقدس المقدسات؟ وما هو موقفنا الرسالي تجاه ما يحدث على أرض فلسطين؟
(في فبراير/ شباط عام ٢٠٢٢، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا مؤلّفًا من 280 صفحة، يبيّن كيف تفرض إسرائيل نظامًا مؤسساتيّاً من القمع والهيمنة على الشعب الفلسطيني، حينما تمارس السيطرة على حقوقهم، فتشرذم وتعزل وتفرّق الفلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية، والمقيمين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واللاجئين الفلسطينيين المحرومين من الحق في العودة. ومن خلال عمليات الاستيلاء على الأراضي والممتلكات على نطاق واسع، وأعمال القتل غير المشروع، وتكبيد الفلسطينيين إصابات بالغة، وعمليات النقل القسري، وفرض قيود تعسفية على حريتهم في التنقل، وحرمانهم من الجنسية، فضلًا عن أفعال أخرى لاإنسانية، يتحمّل المسؤولون الإسرائيليون مسؤولية الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة بالفصل العنصري).
وما حدث قبل شهور في المسجد القبلي في الأقصى الشريف، من اعتداءات صهيونية سافرة، يُدمي القلوب ويستصرخ الضمائر الانسانية.
(تقول المصادر أن قوات الاحتلال حاصرت المصلى القبلي وقطعت التيار الكهربائي عنه، وأطلقت قنابل الصوت داخله، وحاولت إخراج المعتكفين منه بالقوة.
وفي سياق متصل آخر، أغلقت قوات الاحتلال طريق الواد في البلدة القديمة، وكثفت من تواجدها في أحياء البلدة.
وكانت جماعات الهيكل المزعوم قد دعت إلى اقتحام المسجد الأقصى بالتزامن مع بداية الفصح، إلا أن هذا العام شهد أيضا دعوات مكثفة لذبح قرابين العيد داخل باحاته!!
وكانت حركة "عائدون لجبل الهيكل" المتطرفة قد رصدت مكافأة قدرها 20 ألف شيكل للمستوطن الذي يتمكن من ذبح "قربان الفصح" داخل الحرم القدسي. كما رصدت الحركة مبلغ خمسة آلاف شيكل "تعويضاً" لأي مستوطن يتم اعتقاله أو منعه من إدخال القربان إلى الحرم القدسي).
إنهم يرصدون المكافآت المالية لذبح المصلّين المسلمين هناك، يا للعار والسقوط اللذان وصل إليهما حال العرب، يرون أبناءهم يُقتلون أمام أنظارهم ولا يحرّكون ساكنا، والأدهى من ذلك استمرار حكوماتهم بالتطبيع مع هذا المحتل الفاقد للذمة والضمير.
إنّ هذه الأحداث الدامية، تضعنا جميعاً أمام مسؤولياتنا التأريخية تجاه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
هنا لابدّ من وقفة مسؤولة تجاه ما حدث ويحدث على أرض فلسطين، مَن منا ياترى أجلس أولاده بين يديه، وهو يشرح لهم عن قضية القدس المستلبة؟ ومَن منا حاول أن يوضح لأبنائه خارطة الألم وما يعانيه الاقصى الشريف من نزيف مستمر من قِبَل أعداء الإنسانية، الذين يجهدون أنفسهم لتركيع الأمة واخضاعها للسيطرة على مقدراتها؟ ومَن منا من خصّص جزء من وقته الثمين، لتبيين حقائق الاحتلال لأولاده، ليوجّه بوصلتهم في الحياة تجاه القدس؟
ومَن منا حاول أن يُفهم أولاده، بأن الكرامة لا تباع وتشترى، وأنها أعظم هبة بين أيدينا؟
إننا مدعوون اليوم كآباء وأُمّهات، أن نضع الحقائق أمام نواظر أطفالنا، وأن نعلّمهم أن فلسطين ستعود لنا آجلا أم عاجلا. وأنّ الاحتلال مصيره إلى الاندثار والزوال بإذن الله.
فإن كان العدو يتحين الفرصة ليُنهي وجودنا، فأنّ محاولاته ستبوء بالفشل الذريع، إذ سينهض من قاع المأساة جيلا ثوريا، يرسم من وجه الشهيد (محمد الدرّة)، لوحة ثوريّة الكلمات والصفات، لأنّ الأجيال الصاعدة المتسلّحة بسلاح المعرفة، ستلّقن العدو درساً لن ينساه أبدا، ولن تمهله للاستحواذ على أرضنا ومقدساتنا.
وأنّ عيدنا الحقيقي هو عودة الحق المسلوب إلى أهله، إنه الحلم الذي تعيش عليه كل الآمال، وتتطلّع نحوه نواظر المسلمين في كل مكان.
اضافةتعليق
التعليقات