من منّا لم يمر على مسمعه قصة بينوكيو وهو في عقده الأول من عمره، كم طفل غفا وهو يحلم بأن أنفه من الممكن أن يطول بمجرد أن يكذب مثل بينوكيو تماما.
كانت تخيفنا فكرة ان يطول أنفنا أكثر من أي شيء آخر، كنّا نصدق ونتأثر جدا بالقصص التي ترويها لنا أمهاتنا ونحن على فراش النوم.
واليوم إختار (حسوني) قصة بينوكيو لتقرأها له أمه قبل أن يخلد إلى النوم، حملت أمه كتاب القصة من درج الكتب وبدأت تقلب بالصفحات وباشرت بقراءة قصة (الفتى الخشبي) لطفلها الصغير.
وقبل أن تصل إلى نهاية القصة انتبهت بأن طفلها قد غرق في نومه، أغلقت الكتاب وغطته وأطفأت النور وزرعت قبلة دافئة على جبهته وانسحبت من الغرفة بكل هدوء.
اتجهت إلى غرفتها حيث تنزع هناك ثوب المكابرة لتظهر على أثرها المرأة الخشبية التي كانت تخفيها طوال اليوم خلف قناع الأمومة..
هنالك آلاف النساء اللاتي تحولن إلى نساء خشبيات، متلبدات جدا، يحملن في صدروهن قلب ينبض من أجل أن يستمرن في الحياة فقط، وأما أيامهن فباتت تمر بلا طعم ولا رائحة!
لا شك هناك الكثير من الظروف والمواقف التي كانت سببا في أن تتحول هذه المرأة التي يفوح منها رائحة النرجس إلى امرأة خشبية يفوح منها رائحة الصدأ..
ذلك الصدأ في تلك المسامير التي تربط أجزائها ببعضها البعض، تلك المسامير المتصدية تربط الطفولة بالمراهقة، والزواج بالأمومة، وما بينها الكثير والكثير من الخيبات والألم.
هذا هو واقع حال الكثير من النساء اللاتي عشن معاناة كثيرة في بيوت أهاليهن، فالإنسان في كل الأحوال لا يمتلك حرية اختيار أبويه لهذا من الممكن أن يعيش في كنف والدين صارمين أو غير مبالين، فيعيش على أثره في بيئة عائلية غير مستقرة وتنزرع في داخله الكثير من العقد وتكبر معه وتنمو في داخله دون أن يشعر، وفجأة وبعدما يصل إلى مرحلة عمرية معينة يجد نفسه مليئا بالعقد والعاهات النفسية التي تركها له والديه كإرث عائلي!
ولأن المرأة هو كائن رقيق وريحانة مثلما وصفها الإمام علي (عليه السلام) لرقتها ونعومتها لذا التأُثيرات النفسية ستكون بالغة عليها أكثر، ومن الممكن أن يسبب ذلك وقعا سيئا على حياتها المستقبلية.
لهذا السبب نجد الكثير من الروايات الشريفة تحثنا على حسن التعامل مع المرأة، فقد قال رسول الإنسانية (صل الله عليه وآله وسلم): "استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم".
فالنساء الخشبيات اليوم هي نتاج التعاملات السيئة التي تعرضن لها النسوة في الماضي..
وما يؤسفنا هو أن المرحلة الخشبية ليست المرحلة الأخيرة التي من الممكن أن تمر بها المرأة إنما هنالك مرحلة الرماد.
تلك المرحلة الأخيرة التي يبدأ الخشب في الاحتراق شيئا فشئيا حتى يتحول إلى الرماد وتفنى فيها المرأة بالكامل.
وهذه الأمثلة موجودة كثيرا في واقعنا، فقد يحدث أن صادفنا الكثير من النساء اللاتي يعشن بلا روح، فكم امرأة صادفناها في الطريق وكان يفوح منها رائحة الدخان؟
في النهاية ومع كل الأسى الذي تعيشه النساء اليوم فالبكاء على الأطلال لا يجدي نفعا، المهم اليوم هو أن نوقف هذه الصناعة الأليمة ونضع لها حدا، والسؤال الذي يطرح نفسه هو:
كيف نوقف صناعة المرأة الخشبية؟
إن الأضرار التي تتعرض إليها المرأة بشكل عام وفي طول فترة حياتها ترتكز على ثلاثة محاور:
١- محور العائلة
٢- محور الزواج
٣- محور المجتمع
٤- محور الذات
محور العائلة:
تلعب التوعية الدور الأساسي في بناء الأسرة الناجحة، ومن المؤكد أن نجاح الحياة الأسرية لا تعكس نجاحها على الزوجين بقدر ما تعكس نجاحها وثمارها على الأولاد، فمهما زدنا مستوى الوعي والمعرفة خلقنا بيئة عائلية سليمة وضمنا وجود أطفال سليمين فكريا ونفسيا.
وفي بعض الحالات نجد أزواجا يتمتعون بحياة زوجية سعيدة لكنهم لا يعرفون أسس التربية الصحيحة ولا يجيدون الطرق السليمة للتعامل مع الأولاد، لذا من المهم جدا أن يركز الأهل على زيادة الوعي والمعرفة في مجال التربية وأن يكونوا على إطلاع دائم على طرق التربية الحديثة.
ولأن لكل قاعدة شواذ فمن الممكن أن تحصل زيجات لا تنتهي بالتوافق لهذا السبب يكون موضوع الانفصال واردا جدا بين الزوجين حتى في وجود الأطفال، وإن الانفصال يصب في مصلحة الأولاد أكثر مما لو بقي الزوجين معا، لهذا السبب من المهم جدا أن ينفصل الزوجين بطريقة ودية دون أن يترك ذلك أثرا بالغا على نفسية الطفل، وأن يقللوا قدر الإمكان ضرر الانفصال الذي سيتعرض إليه الطفل حاضرا ومستقبلا.
والأفضل أن يستشيروا أخصائية توجه الوالدين إلى طريقة مناسبة للتعامل مع الطفل الذي سيعيش منفصلا عن أحد والديه.
محور الزواج:
إن التربية السليمة هي البذور التي ستخلق من الطفل انسانا سليما، وبالتالي سيعكس هذا الأثر عليه مستقبلا وسيكون زوجا وأبا صالحا لأنه ترعرع على عادات وقيم عالية، وفي مقابل ذلك يلعب الوازع الديني دورا كبيرا في أن يكون الزوج يخاف الله في زوجته بتصرفاته ومعاملته معها.
فمن يراعي حلال الله وحرامه من غير الممكن أن يضر زوجته ولو بكلمة، وسيحسن عشرتها ويحترمها ويقدر وجودها في حياته.
ومن الجميل جدا أن يحاول الزوج أن يطالع الكتب أو يشارك في الورشات أو الدورات التثقيفية التي تساعد في تقوية الرابطة الزوجية وتشرح الطرق المناسبة للتعامل مع الزوجة..
محور المجتمع:
ولأن المجتمع يحوي على الصالح والطالح، فقد نجد الكثير من المتنمرين يترصدون للناس في أشكالهم أو تصرفاتهم، فقد نجد الكثير يجلسون على كرسي الانتقاد ويحاولون تصيد أخطاء الناس والاجهار بها، أو جرح الناس بكلمات غير لائقة.
فالكلمات الجارحة فعلا جارحة، فكم من كلمة كان لها وقع الرماح على نفس الإنسان.
إذ قال أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السَّلام): "ضَرْبُ اللِّسَانِ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ السِّنَانِ".
وهنا يرتكز الأمر على توعية المجتمع وتوجيهه في مراعاة الناس والتفكير قبل الكلام، وعدم النطق بما هو ممكن أن يضع الناس في موضع الإحراج.
فالكلمة أو التصرف السيء يجرح المقابل ويحاسب الجارح على كلمته من قبل الله وسيكون في يوم القيامة مسؤولا عن كل كلامه وتصرفاته مع الناس.. فخير ما يفعله المرء هو أن يزن كلامه قبل أن ينطقه. (أي يفكر به قبل ان يقوله).
محور الذات:
مهما حاولنا أن نبين المحاور التي تسبب ضررا للمرأة وتخلق منها انسانا خشبيا تبقى المرأة نفسها هي المسؤولة الأكبر والمساهمة الأولى في تبديلها من المرأة الريحانة إلى المرأة الخشبية.
حتى وإن اكتشفت في مرحلة معينة بأنها تعاني من الكثير من عقد الطفولة تستطيع أن تعمل على نفسها وأن تتشفى من أضرار الماضي وتخلق من نفسها انسانة سوية وأن تحاول بكل الطرق أن لا تنقل لأطفالها عقدها واضطراباتها النفسية.
وإذا كان زوجها شخصا سيئا تستطيع في المقابل أن تصبر على أمل الجزاء الدنيوي والأخروي الذي سيقابل الله بها صبرها وتحملها، وكذلك من الممكن أن تتعلم الطرق التي تستطيع من خلالها التعامل مع زوجها علها تستطيع أن تعيده إلى رشده وتكسب به أجرا مضاعفا.
أو قدر الإمكان لا تحاول التأثر بالسلبيات التي يعاني منها زوجها وتنشغل بتطوير نفسها وأن تعمل على تغيير شخصيتها نحو الأفضل، فتغير مجتمعا كاملا يبدأ من تغير النفس، فكيف بالزوج أو العائلة؟!
وفي كل الأحوال من ينشغل بنفسه ويطورها سيرتفع كثيرا عن عيوب شريكه وستتغير نظرته للزواج وسيحاول دائما أن يجد طريقا أفضل للتعامل مع كل موقف، وسيجد المفاتيح المناسبة للأبواب المغلقة في حياته.
وأما كلام الناس فلا نهاية له، هنا تلعب اللامبالاة دورها الأكبر في تخطي كلام الناس وانتقاداتهم، ومهما ارتفعت ثقة الإنسان بنفسه قلّ اهتمامه بكلام من حوله، واستطاع أن يخلق من نفسه انسانا لا يأخذ كلام الناس على محمل الجد إلا النقد الايجابي والنصح الذي من الممكن أن يرفع من شأنه ويصلح من حاله.
إذ يقول المولى (عليه السلام): "أشفق الناس عليك أعونهم لك على صلاح نفسك، وأنصحهم لك في دينك".
اضافةتعليق
التعليقات