في كل عام نفقد خدمة ساروا على نهج الرسالة الحسينية فمنذ صغرهم كانوا على العهد من الخدمة والعزاء حتى جاء أجلهم وانقطع عملهم وتبقى أسمائهم خالدة في المواكب الحسينية والأطراف فكل موكب تجد هناك صوراً لمؤسس أو خادم قد ترك أثرا ورحل، شاعرا أو رادودا، أو حتى من يقوم بطهو الطعام.
سؤال يراودني منذ أيام: هل الأموات يشعرون بالخدمة الحسينية؟ يقدمون شيئا في مضاجعهم؟ بعدما كانوا يقفون في المقدمة! وناداهم لبيك يا حسين. كيف كانت تلبيتهم هذا العام .
وجدت رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ستة صور، فيهن صورة أحسنهن وجهاً، وأبهاهن هيئة، وأطيبهن ريحاً، وأنظفهن صورة.. قال: فتقف صورة عن يمينه وأخرى عن يساره وأخرى بين يديه وأخرى خلفه وأخرى عند رجله وتقف التي هي أحسنهن فوق رأسه، فإن أوتي عن يمينه منعته التي عن يمينه، ثم كذلك إلى أن يؤتى من الجهات الست.. قال: فتقول أحسنهن صورة: ومن أنتم جزاكم الله عني خيراً؟.. فتقول التي عن يمين العبد: أنا الصلاة.. وتقول التي عن يساره: أنا الزكاة.. وتقول التي بين يديه: أنا الصيام.. وتقول التي خلفه: أنا الحج والعمرة.. وتقول التي عند رجليه: أنا بر من وصلت من إخوانك.. ثم يقلن: من أنت؟.. فأنت أحسننا وجهاً وأطيبنا ريحاً، وأبهانا هيئة.. فتقول: أنا الولاية لآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين).
إذا كانت الولاية الشاملة بهذه الصورة فكيف بولاية الحسين وما فيها من الخيرات والنعيم في الدنيا والآخرة، لكن الكثير منا غافلون مع الأسف عن أهمية هذه الخدمة، لأنها أصبحت كالعادة بالنسبة لنا؛ فإن الذي يعيش إلى جنب النبع العذب قد لا يلتفت إلى دور الماء في حياته، لكن من يعيش في صحراء قاحلة يعرف أهميّة الماء بالنسبة للحياة .
الدموع على سيد الشهداء(عليه السلام) يدفعون لك ثمنها نقداً!!
يقول آية الله المعظم الشيخ جعفر الشوشتري [طاب ثراه]: ولا تظننّ أنّ هذه الدموع التي ذُرفت.. سوف تجفّ.. كلا.. ما هكذا! لقد خلق الله ملائكة يجمعون الدموع الجارية على ما أصاب سيّد الشهداء [عليه السلام]، ويجعلونها في قوارير الجنّة .. " فيدفعونها إلى خزنة الجنان، فيمزجونها بماء الحيوان - ماء الحياة الحقيقية الأبدية".
ترى: متى يُدفع الثمن؟
ثمن هذه البضاعة يٌدفع نقداً.. كما قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): "ألا وصلى الله على الباكين على الحسين رحمة وشفقة ".
هذا ما يٌدفع نقداً.. أمّا الباقي.. فيأتيك على عدّة أقساط :
قسط منه وقت احتضارك، وقسط عند دخولك القبر وواحد وقت سكناك القبر، وآخر عند خروجك من القبر، وهكذا حتى القسط الأخير.
أهمية ذكر الأموات في خدمة الأحياء
يذكر أحد العلماء عندما أردت أن أعود إلى الحرم قلت في نفسي:
لأشربن من الشاي الذي كان يباع في أطراف الحرم المبارك وكان أحد الباعة رجل أحدب وأولاده مثله حسب ما أتذكر وكان النور يعلو محياه وله لحية بيضاء يرفرف عليها حب الحسين عليه السلام؛ وكان هناك جماعة من الزوار قد جلسوا محيطين بهذا الرجل؛ منهم من قد شرب الشاي في عافية ومنهم من ينتظر.
فشربت مع الشاربين ثم قلت للرجل البائع باللهجة العراقية وأنا في ريع الشباب: (عمي أنا أدفع كل فلوس الشاي بثواب أمي).
فقرأ الحضور الفاتحة لروحها العلوي الطاهر ودفعت المبلغ ودخلت الحرم الشريف وعندما صليت صلاة الصبح وعدت إلى البيت في الكوفة العلوية وطرقت الباب وكان الوقت عند الصباح الباكر؛ استيقظت أختي أم حسين - التي ربتنا بعد أمي المرحومة؛ أطال الله بقائها واسعدها في الدارين -وهي مرتبكة بين الفرح والخوف وهواجس مبهمة ظاهرة على ملامحها فسألتها ما الخبر وما بك يا أختي؟
قالت : رأيت في المنام الآن أن أمي فرحة جدا ومن فرحها كأنها أصيبت بجنون حيث تأخذ بقايا الشاي من أقداح الشاي وتجعلها على وجهها متبركة به ، فقلت لها:
يا سبحان الله لقد ذهب الشاي لعالم البرزخ ببركة سيدي ومولاي الحسين الكريم الشهيد المظلوم حيث اشتريت الشاي قبل آذان الفجر لبعض الزوّار عند الصحن الحسيني المبارك وأهديت ثوابها لروح أمي وهي فرحة بهذا الأجر . وهنا تتبين أهمية ذكر الخدمة الأموات في شهر محرم الحرام واهداء ثواب الخدمة إلى أرواحهم الطاهرة .
اضافةتعليق
التعليقات