تقول الدكتورة سليمة رحمن "لقد ألهم نجاحي العديد من الفتيات في مجتمعي. وعندما يأتي الأطفال إلى عيادتي، يقولون إنهم يريدون السير على خطاي ويصبحون أطباء".
وسليمة من التركمان الأفغان، وقد ولدت في مخيم للاجئين في باكستان. وكافحت لتتمكن من الدراسة وتحصل على عمل. وكان عليها بذل الكثير من الجهد لتحصل على المقعد الوحيد في كلية الطب المخصص للاجئين، وأصبحت أول طبيبة بين اللاجئين التركمان في باكستان.
وقد فازت عام 2021 بالجائزة الإقليمية عن آسيا من جائزة نانسن للاجئين التي تمنحها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤؤون اللاجئين.
ووفقا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي للاجئين الموافق 20 يونيو/حزيران، فقد تجاوز عدد الأشخاص الذين اضطروا للنزوح من منازلهم 100 مليون شخص. وأكثر من عُشر هذا العدد تركوا منازلهم بسبب الحرب في أوكرانيا.
وقد بلغ عدد طالبي اللجوء إلى دول أخرى 27 مليون شخص في نهاية عام 2021.
وتستضيف الدول النامية الغالبية العظمى من اللاجئين. والعديد من هذه الدول مثل باكستان، لم توقع حتى الآن على الاتفاقيات العالمية الخاصة باللاجئين.
تقول الطبيبة التي يبلغ عمرها 29 عاما "أنتمي إلى الجيل الثالث من اللاجئين... لقد واجهنا العديد من التحديات".
بدأت حكاية العائلة مع النزوح من الجد الأكبر لسليمة، الذي فر من الحرب الأهلية في تركمانستان قبل أكثر من قرن، واستقر في ولاية جوزجان الأفغانية.
وبعد الغزو السوفيتيي لأفغانستان عام 1979، فر والدها إلى باكستان، حيث التقى بوالداتها وتزوجا في مخيم صوابي للاجئين في إقليم خيبر بختونخوا. ولم تكن تتوفر في المخيم الكهرباء أو الماء أو مرافق أساسية مثل الرعاية الصحية.
وتقول سليمة "عندما كانت أمي في المخاض قبيل ولادتي، أخبرتها القابلة أن الطفل في وضع خاطئ، وأنها بحاجة إلى عملية قيصرية. لكن والدي لم يكن لديه المال ليأخذها إلى المستشفى، الذي يبعد 70 كيلومترا".
وتضيف "عانى والداي من صدمة جسدية وعاطفية. وقررا أن المولود يجب أن يصبح طبيبا".
إدراك الاختلاف
اصبح والد سليمة يتميا في سن مبكرة، وترك المدرسة قبل أن يبدأ التعلم. لكنه كان دائما يقدم لها الدعم والتشجيع.
وهذا ليس بالأمر المعتاد في المجتمع التركماني الذي تنتمي إليه، والمعروف بالمهارة في صنع السجاد.
ولم يكن عدد كبير من الفتيات يذهبن إلى المدرسة، كما تتذكر سليمة، بل حتى الفتيان كانوا يُخرجون من المدرسة ليعملوا ويشاركوا في إعالة الأسرة.
وعندما كانت سليمة في الثالثة من عمرها، غادر والداها المخيم، واستأجرا منزلا في مدينة أتوك، على بعد 80 كيلومترا شمالي إسلام أباد. درست سليمة حتى السنة الثامنة في مدرسة للاجئين، ثم التحقت بمدرسة محلية.
وتقول: "حينها أدركت أنني مختلفة، ولن أحظى بنفس الفرص مثل الآخرين. كانت الإجراءات الخاصة باللاجئين والفرص المتاحة لهم مختلفة للغاية".
فرص شحيحة
تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن نسبة الأطفال بين اللاجئين هي إثنان من بين كل خمسة لاجئين.
كما أفاد تقرير صادر عن الوكالة التابعة للأمم المتحدة عام 2018 أن أكثر من نصف الأطفال اللاجئين لا يذهبون إلى المدرسة، وأن 3 في المئة فقط من اللاجئين يتلقون تعليما عاليا.
كانت الظروف ضد سليمة، وكادت أن تنهار حين علمت أن الجامعة في إقليم البنجاب، حيث تعيش، تخصص مقعدا واحدا فقط في كلية الطب للاجئين.
وتقول "أصبت بانهيار، وأخذت أبكي. كنت اعتقد أنني لن أحصل على هذا المقعد. ثم بدأ أخي الأصغر، الذي كان عمره ثمانية أعوام، بمواساتي، وقال إنه سيحضر لي مقعداً من السوق، يمكنني أخذه معي إلى كلية الطب".
منذ أن كانت طفلة، كانت سليمة تذهب مع لاجئات أخريات إلى العيادات والمستشفيات لتترجم لهن من اللغة المحلية، أي الأردية. واعتادت أن يناديها الجميع "دكتورة سليمة"، وأصبح لديها تصميم كبير على حمل هذا اللقب على أرض الواقع.
بعد عامين من المعاناة من أجل إثبات وضعها كلاجئة، تمكنت من الحصول على مكان في كلية الطب في روالبندي.
وتقول "عندما حصلت على القبول كنت سعيدة جداً. واعتقدت أن حلمي قد تحقق، وأن حلم والديّ قد تحقق أيضا".
نالت سليمة شهادة الطب عام 2014. لكن القوانين الباكستانية منعتها من العمل كطبيبة.
قدمت التماسات للمسؤولين، لكن من دون جدوى. إلا أنها في عام 2017، التحقت بدورة مدتها أربع سنوات للتخصص في أمراض النساء، ومرة أخرى حصلت على المقعد الوحيد المخصص للاجئين. وخلال فترة دراستها، كان تدريبها في مستشفى العائلة المقدسة في روالبندي.
وتقول: "عملت مع فريق من خمسة أطباء. وخلال الأيام المزدحمة كنا نشرف على ولادة ما يصل إلى 50 طفلا في جناحنا".
عندما بدأت جائحة فيروس كورونا بالانتشار، كانت الدكتورة سليمة لا تزال في روالبندي، وكانت تشعر بالقلق على سلامة مجتمعها في أتوك.
وتقول "لم يكن من الممكن للنساء الذهاب إلى المستشفى إلا إذا كن في حالة حرجة. وكانت معظم الولادات تتم خارج المستشفى".
ومنعتها عمليات الإغلاق والقيود المحلية من دخول مخيمات اللاجئين. لذلك، بدأت سليمة في تقديم النصائح والاستشارات عبر الهاتف.
كما تواصلت مع زعماء المخيم والأكبر سنا في الجالية للتأكد من عدم إهمال النساء اللواتي يحتجن إلى رعاية طبية.
في غضون ذلك، أثارت قصة سليمة انتباه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتدخلت لإقناع السلطات الباكستانية بمنحها الحق في العمل. وفي عام 2021 أتمت سليمة دراستها، ثم فتحت عيادة في أتوك.
وتقول "جدتي كانت مريضتي الأولى. لقد جاءت إلى عيادتي لقياس ضغط الدم. وكانت فخورة جدا بي".
وتؤكد "أريد أن أخدم اللاجئين. لقد رأيت الصدمات التي تعرضوا لها. وأشعر أنهم بحاجة لي".
ولا تتوفر في عيادتها الخاصة التجهيزات اللازمة للقيام بعمليات وإجراءات طبية معقدة.
وهي تقول "خلال أكثر من عام، ساعدت في ولادة نحو 20 طفلا فقط. وكانت كلها ولادات طبيعية".
ولا تعمل الدكتورة سليمة في مجال تخصصها ولا تزال ممنوعة من العمل في وظيفة حكومية. وإذا كانت تريد العمل في مستشفيات خاصة، فعليها أن تغادر منطقتها ومجتمعها، وتنتقل إلى إحدى المدن الكبيرة.
وضع مؤسف
تشعر سليمة بالرضا لمساعدة اللاجئات الأخريات. وهناك نساء تركمان من مدن أخرى يطلبن مساعدتها. كما تتلقى أحيانا مكالمات من نساء أفغانيات.
بعد سيطرة طالبان على السلطة في أفغانستان، شهدت سليمة وصول موجة أخرى من اللاجئين إلى باكستان.
وتقول "عانت النساء الأفغانيات من حرمانهن من حقوقهن الأساسية لفترات طويلة.. والآن أصبح الوضع أسوأ، إنه أمر يحز في القلب".
وقد شعرت بالاستياء بشكل خاص عندما علمت أن شابتين تنتميان إلى مجتمعها، كان عليهما ترك كلية الطب في السنة الرابعة من الدراسة. وهي تحثهن على عدم التخلي عن أحلامهن ومتابعة دراستهما الطبية، وإن اضطرتا للعودة إلى السنة الأولى، كما تقتضي القوانين الباكستانية.
وتقول "يجب أن يتاح للمرأة التعلم والبحث عن عمل، وأن يكون لها الحق في القيام بما تريد".
ويوجد في باكستان 1.4 مليون لاجئ أفغاني مسجل رسميا. وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن ثلثاهم تحت سن 25 عاما.
"على العالم تقديم المساعدة"
المزيد من اللاجئين يعني المزيد من المنافسة. وتقول سليمة إنه ليس بمقدور الدول الفقيرة تخصيص موارد إضافية للاجئين.
وتشير إلى أن "الفرص محدودة، حتى بالنسبة لمواطني هذه الدول. أعتقد أن على الأمم المتحدة وغيرها أن تساعد البلدان المضيفة مثل باكستان، بحيث يمكن أن تتضاعف الفرص".
وتعمل العديد من الدول الأوروبية الآن على مساعدة اللاجئين الأوكرانيين، لكن سياساتها تجاه طالبي اللجوء من البلدان الأخرى لا تزال مختلفة.
وفي ذروة أزمة المهاجرين التي أثارتها الحرب السورية الأخيرة، استقبلت ألمانيا أكثر من مليون لاجئ سوري. لكن الآن، لا توجد دولة متقدمة تظهر هذا المستوى من الحماس.
وتحاول المملكة المتحدة، على سبيل المثال، نقل بعض طالبي اللجوء إلى رواندا إلى أن تتم دراسة طلباتهم.
وفي العديد من الدول مثل باكستان، يمكن للاجئ أن يمضي عشرات السنوات في البلد، ولكن فرصته في الحصول على الجنسية ضئيلة جدا.
"من دون شعور بالمرارة"
لا تزال سليمة اليوم لاجئة مثل والديها، وهي لا تتوقع أي تغيير في هذا الوضع.
وتقول "الآن أعرف أن الوضع بحاجة إلى تحسين، لكن ليست لدي أي شعور بالمرارة. لم أتعرض للتمييز من قبل الآخرين. القوانين هي التي تمنعنا من الحصول على فرص".
وبعد حصولها على جائزة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين العام الماضي، تواصل معها العديد من الطلاب اللاجئين طلبا للنصيحة.
وهي سعيدة لأن المزيد من الأشخاص في مجتمعها يتجهون إلى التعليم. والآن شابتان من الجالية على الأقل تدرسان الطب في باكستان.
كما أن شقيقها الأصغر الذي عرض عليها شراء كرسي لكي تأخذه إلى الجامعة ذات يوم، يدرس الطب الآن في قيرغيزستان.
وتقول سليمة "لقد شاهد كيف عملت بجد من أجل تحقيق أحلامي، وقرر أن يحذو حذوي. بل إنه يقول إن كل أسرة يجب أن يكون فيها طبيب وطبيبة". حسب بي بي سي
اضافةتعليق
التعليقات