ليس ضرباً من ضروب المبالغة القول بأن النساء من أمهاتنا وجداتنا هن من أنشأ الجيل الذكوريّ المتزمت الذي تسعى نساء اليوم للتخلص من سطوته والذي يرى أنه القوة العُظمى في الكوكب وبين يديه دفة العالم وإنه هو طوق النجاة الذي من لا يرتديه فقد حلّت عليه لعنةٌ لا مناص منها وسيلقي عليه المجتمع (الذي هو بدوره مكوّن من ذات الصنف) تعويذة النبذ والإقصاء.
غالباً ما يتم توجيه اللوم والانتقاد لشريحة الذكور في المجتمعات العربية من قبل الجنس الآخر أو الحركات النسوية وما شابه، غافلين عن أصل نشوء هذه الشريحة وأسس تربيتها حتى تصل للمرحلة التي تُعرّضها لهذا النوع من الهجوم العنيف. كيف ينشأ الطفل الذكر! هل يُولد ويخرج للمجتمع فطرياً بهذا الفكر والتصميم الوجودي! من يُربيه ويرعاه ويغذيه روحياً وعقلياً بالمفاهيم والقيم الاجتماعية؟ من يشتري له ملابسه وهو رضيع كلها باللون الأزرق! من يقول له جملة "الأولاد الجيدين لا يبكون، أنت رجل امسح دموعك!" من يعلمه أنه المسؤول عن أخته الصغيرة وأن ذكر اسمه أمه أمام أصدقائه أمرٌ معيب وأن العناق أمرٌ طفوليّ ينتهي عند مرحلة معينة.
أوَ ليست الأمهات والجدات هنّ من يفعلن هذا؟ وحين يُقال أن للأصدقاء تأثير كبير على الطفل، فمن بدوره أنشأ هؤلاء الأصدقاء؟ أمهاتٌ وجدات أُخريات بالطبع. ومن يقول أن تأثير الأب كبير كذلك، نعم هذا صحيح، لكن من أنشأ هذا الأب؟، ومن اختار الزواج منه! إنها المرأة ذاتها التي تربي بالطبع.
تعلم المرأة مدى تأثيرها على الفرد والمجتمع، تعلم جلياً أنها المجتمع كله، هي تلدُ وتربي وتعلم وتدعم وتؤسس لحضارات كاملة، تعلم أن الحرف الذي تعلمه لولدها سينفع به الأمة حين يكبر ويشتد به عوده، لكن يُصر البعض على معاملة الأطفال معاملة فردية بشكل منفصل عن المجتمع ككل، وكأن هذا الطفل نشأ في كنف عائلة وسيظل طيلة حياته مقتصراً عليها ولا يؤثر أو يتأثر إلا بها.
كما تنظر الأمهات للطفل بهيأته الطفولية الحالية وكأنه لن يكبر ويستّقل بذاته، وهذا ما يخفف تأثير أي أمر يقومُ به بذريعة إنه طفل لا يفهم، لاحقاً سيتعلم بنفسه! إنهُ نقشٌ على حجر، ما يتربى عليه الطفل هو تحديد لمسار حياته الكامل، مهما بلغ من العمر سيظلُ متأثراً بالبرمجة التي تلقاها في سنيّ الطفولة الأولى.
في عالمنا الحاليّ، تحتاج المرأة أن تعرف جلياً عظمة الدور الذي تقوم به، أن تعرف أن ما من فردٍ في هذا الكوكب إلا وهو نِتاجٌ لها، سواءٌ أكانت أمٌاً أم جدة، زوجة، أخت، أو ابنة، لكل امرأةٍ تأثيرها الخاص، ولكلِ تأثير دوائر أكبر وأكثر شموليةً ستتسع بعد حين، فتربية الأم لولدٍ مُدلل لا يجلب لنفسه كأس الماء، سيجعل منه زوجاً مُتسلطاً يرى أن وظيفة المرأة في حياته هي أن توفّر له سُبل الراحة بلا نفاد ومِن ثمَ ستكون هي ذاتها وظيفة الإبنة، وزوجة الابن وهلُم جراً، ثم تتحد هؤلاء النسوة ليؤسسن مجاميع تُندد وتحارب الذكورية المُستفحلة في المجتمعات العربية. إنما التربية هي عملية ملأ سِلالٍ فارغة، فلتنظر كلُ امرأة ما ستنضح به سِلالُ أولادها لاحقاً.
اضافةتعليق
التعليقات