ملحمة انسانية بكل معنى الكلمة، حين توحدت قلوب البشرية وهي تدعو للطفل المغربي (ريان) بالنجاة والخلاص من محنته التي دامت خمسة أيام بلياليها.. لكن قدره هو الأجل المحتوم، فارتحل الطفل إلى بارئه، واستودعت الأمانة عند رب غفور.. وأُسدلت الستارة على مشهد كانت الأنفاس قد حُبست، والأنظار قد تعلقت بآخر بصيص أمل لخروج الطفل سالما.. لكن السماء قالت كلمتها الأخيرة؛ فجرى القضاء أن تغيب في غيابت الجب كل الآمال المعلقة بحبل الرجاء.. فكان الفقد سيد الموقف.
تخيّلوا خبراء جيولوجيا ومتخصصين وحفارات آلية وجَمع كبير من الشعب المغربي وصحفيين ومصوريين وملايين المتابعين من جميع الدول العربية على البث المباشر، كلهم لا حيلة لهم أمام إرادة اللّٰه، كل الناس والخبراء والآليات، ولم يعرف أي منهم الوصول إليه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
يقول عز من قائل: {وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} [يونس: 107].
سبحان من بيده أمرنا كله مهما بلغنا من أسباب الدنيا.
لعل البعض يعترض قائلا: أين هو الله من كل هذا؟! ألم يكن الله بكاف عبده؟ ألم يقل: ادعوني استجب لكم؟! ألم يقل (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب.. أجيب دعوة الداعي إذا دعان)...
فلماذا لم يستجب لدعائي، ولا لدعاء كل هذه الملايين من العباد؟
إننا للأسف الشديد لم نعرف الله ولم نعرف حقيقته، فهو سبحانه لا يتصرف بطبيعة الانسان الذي يجد سعادته بالهواء الذي يتنفسه، فالحياة زائلة في كل الأحوال، وهي لا تساوي شيئا بالمفهوم السماوي، الموت ليس فناء، بل انتقال الروح من عالم إلى آخر، ينبغي أن نفهم من قضية الطفل ريان أنّ الأمر كله بيد الله سبحانه، لقد قدّر وما شاء فعل.
علينا في هذه اللحظات الحاسمة من عمر الأمة الاسلامية، أن نعي حقيقتنا كبشر، وأن نقف على مسافة واحدة من الجميع، فكل أطفال الوطن هم ثروتنا، وعلى عاتقنا تقع مسؤولية حفظهم والذود عنهم من أخطار تهدد وجودهم ومستقبلهم..
علينا كبشر أن نتعلم الدرس جيدا، ونأخذ العبرة من كل ما حصل، ولا ينبغي أن تمر هذه الحادثة مرور الكرام، دون أن نلتفت إلى واقع الطفولة في مجتمعنا.
لقد صبر الطفل ريّان وقاوم.. كما أنه حرّك القلوب كلها، لننتبه لكل الأطفال في العالم ونتحرك لإنقاذهم، وما يحدث لأطفال اليمن من تجويع وخوف وترهيب، واضح لكل ذي عينين.. فما دام من الممكن حفر جبل لأجل طفل، فيمكننا إذن أن نلغي الكثير من الحروب والعنف ونمنع الاستغلال والإساءة، فلا يوجد مستحيل في قاموس من يروم التغيير.
اضافةتعليق
التعليقات